تشهد مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان، ليالي رمضانية مميزة، تزينها ألعاب شعبية يمارسها سكان المدينة منذ القدم خلال شهر رمضان المبارك، ومن أبرز هذه الألعاب لعبة الصينية التراثية، حيث يتجمع بعد الإفطار العشرات من رجال وشباب المدينة في الحدائق والكازينوهات المنتشرة في المدينة للمشاركة في هذه اللعبة طيلة ليالي الشهر الفضيل حتى وقت السحور، وفق ما ذكرت صحيفة الشرق الأوسط اليوم الأحد (12 يوليو/ تموز2015).
لعبة الصينية، لعبة تراثية يتناقلها الأبناء من الآباء، وتلعب عادة في المقاهي والكازينوهات في شهر رمضان، وتتألف اللعبة من فريقين عادة، يصل عدد الفريق إلى 15 عضوا إلا أن المشاركين في كل دور يتألفون من 3 لاعبين فقط، وتجرى بإخفاء نرد تحت واحدة من الفناجين الأحد عشر المرصوصات في أطراف صينية مدورة واحدة جنب الأخرى، وتجرى عملية إخفاء النرد خلف ستار من قطعة قماش كبيرة، وتقدم لفريق الخصم لاكتشاف الفنجان الذي يغطي النرد، عبر محاولتين فقط، وتجرى هذه اللعبة بين أبناء الحي ذاته، أو أبناء حي وآخر في المحافظة ذاتها، أو بين أبناء محافظة وأخرى. وتنظم في مواعيد وأيام محددة وتتبادل الفرق التي تحمل اسم المحافظة أو الحي، الزيارة لبعضها أثناء أيام شهر رمضان، وتقدم خلال جلسات اللعبة الأطعمة والحلويات والفواكه والمشروبات، وتصاحبها الأغاني الفلكلورية والدبكات.
يشار النجار (47 عاما) مواطن من مدينة أربيل، يلعب منذ 30 عاما الصينية مع أبناء مدينته، قال لـ«الشرق الأوسط»: «نلعب هذه اللعبة في كل رمضان، ونقضي بها ليلة ممتعة وجميلة، ونواصل اللعب بعد الإفطار حتى وقت متأخر يصل إلى السحور. كنا نتبادل الزيارات مع فرق المناطق أخرى أو محافظات أخرى، مثل محافظة كركوك والموصل في السابق، وبلدة التون كوبري وقضاء طوزخرماتو وكفري وكلار وغيرها. إلا أن الأوضاع التي تشهدها المنطقة أثرت هذا العام على هذه الجولات». ويشير إلى أن أربيل تحتضن بطولة الصينية بين أكثر من 50 فريقا.
وتعتمد لعبة الصينية والظرف كما تسمى في أغلب الأحيان على الذكاء والفراسة إلى جانب المهارة والتركيز والقابلية وهدوء الأعصاب للكشف عن الفنجان النحاسي الذي خبأ تحته النرد، وبعد اكتشافه من قبل فريق الخصم، تتعالى الصيحات والتصفيق كإشارة للانتصار وكسب نقطة جديدة.
بختيار عثمان، مواطن آخر من أربيل، يتفرج منذ 15 عاما على اللعبة ويشجع فريق منطقته، ويلعب معهم في بعض الأحيان أيضا، يذكر أنه اعتاد على ممارسة اللعبة في رمضان على مدى الخمسة عشر عاما الماضية ويضيف: «أشجع باستمرار فريقي المفضل وأرافقهم في جولاتهم إلى المناطق الأخرى، فمتعة تشجيع اللعبة في ليلة رمضانية جميلة في أربيل لا يضاهيها أي متعة في العالم».
أما فرهاد حسن، من مدينة كركوك فقد جاء إلى مدينة أربيل لمشاركة أقربائه وأصدقائه هذه اللعبة، يذكر لنا أن تاريخ هذه اللعبة تعود إلى ستينات القرن المنصرم وتنظم بطولتها بين 12 فريقا يلعبون في مواعيد معينة إلى نهاية شهر رمضان والفريق الفائز يحصل على كأس الفوز بالإضافة إلى مبلغ مالي بسيط. وأضاف: «أنا ألعبها منذ ثمانينات القرن الماضي ويعتمد الفوز في اللعبة على التركيز والتفكير في مكان إخفاء النرد».
الأغاني والدبكات مرافقة دائما للعبة، ويذكر المطرب خالد كركوكي وهو أحد المطربين الشعبيين الذين شاركوا في إحدى الحفلات المصاحبة: «أهم الحفلات التي نحييها خلال العام هي الحفلات المرافقة للعبة الصينية، فهي تلهمنا بتقديم الأفضل للجمهور المندمج مع اللعبة».
المواطن سالم علي، واحد من النازحين إلى أربيل، كان هو الآخر موجودا أثناء اللعبة، قال لـ«الشرق الأوسط»: «اللعبة تعكس أجواء رائعة من التعايش السلمي، حيث يوجد هنا عدد كبير من الشباب الذين هم من كافة المكونات المختلفة من كردي وعربي وتركماني ومسلم الديانة ومسيحي وإيزيدي ومذاهب مختلفة الكل اجتمعوا في أجواء آمنة وإنسانية وسعيدة في إقليم كردستان الذي حافظ على اتزانه في كل شيء رغم الظروف الصعبة التي تمر به».