العدد 4691 - السبت 11 يوليو 2015م الموافق 24 رمضان 1436هـ

استعادة فخر الجيش العراقي وروحه القتالية... مايكل نايتس وجبار جعفر

لقيت الحاجة الملحة لإعادة بناء الجيش العراقي تغطية بارزة بعد أن عرض وزير الدفاع الأمريكي آش كارتر استراتيجية الولايات المتحدة في الحرب ضد التنظيم الذي يطلق على نفسه اسم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية»، وذلك أمام "لجنة الخدمات المسلحة" في مجلس النواب الأمريكي. وأكد كارتر أن "الهزيمة الدائمة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» لا تزال بحاجة إلى قوات محلية للقتال على أرض المعركة والانتصار فيها."

وما زال برنامج التدريب العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة قيد التنفيذ في العراق. وقد تخرجت حتى الآن 5 ألوية عراقية جديدة ووحدة قوات خاصة وكتيبة الاستطلاع الحادية عشرة، وأشرف مدربون من الولايات المتحدة وإسبانيا والبرتغال واستراليا ونيوزيلندا وإيطاليا على تدريب هذه الوحدات وعلى تمارينها الميدانية.

بيد، تفتقر هذه الألوية إلى العدد الكافي من الجنود، إذ إن معظمها يضم أقل من 1500 جندي في كل لواء، أي ثلث القوة المثالية لتشكيل لواء عراقي. ومع ذلك، تمثل هذه الوحدات قاعدة يمكن الاستناد عليها لتشكيل وحدات كاملة القوة، تكون عناصرها مدربة لإرشاد المجندين الجدد.

ومن المخطط تشكيل أربعة ألوية جديدة في الجيش العراقي ولواءين في حرس إقليم كردستان «البيشمركة»، كما أنه أُعيد بناء سبعة ألوية عراقية من بقايا الوحدات التي دُمرت في صيف عام 2014.

إصلاح القيادة العسكرية

لا يكفي تشكيل وحدات جديدة أو إعادة بناء الوحدات المتضررة لإعادة إحياء الجيش العراقي. ينبغي على العراق أن يصلح أيضاً عملية تعيين قادة الجيش لكي تستعيد بغداد القدرة على التحكم مركزياً بتخطيط العمليات العسكرية وتنفيذها.

ويشبه تنظيم الجيش العراقي حالياً هرماً مقلوباً، إذ أن عدداً كبيراً من العمداء من ذوي النجوم الثلاثة يتولون قيادة فرقٍ ومناطق عسكرية متداخلة. وغالباً ما يصدر هؤلاء أوامر متضاربة حول تحركات القوات، مما يؤدي إلى حصول ثغرات يعود سببها إلى مغادرة فرق عسكرية لمناطقها قبل وصول فرق الدعم. ولهذا السبب تحديداً بدأت الانهيارات في الموصل والرمادي.

ينبغي على الجيش العراقي عكس هرم القيادة لكي يرأس رئيس أركان مبادرٌ هيكلية قيادة موحدة ويصدر أوامر واضحة. وفي هذا السياق، فإن الإعلان في 30 حزيران/يونيو الماضي عن إحالة رئيس أركان الجيش العراقي بابكر زيباري إلى التقاعد، يفتح الباب أمام فرصة هامة. وكان زيباري قد تولى رئاسة الأركان كممثل عن الأكراد في ظل نظام المحاصصة العرقي-الطائفي، وخدم بلاده بتفانٍ كفريق أول في الجيش العراقي منذ عام 2003، إلا أنه واجه عقبات كثيرة بسبب نظام المحاصصة. فزيباري، الذي كان قائداً شجاعاً في قوات «البيشمركة»، لم يصل إلى منصبه عبر التدرج في الرتب العسكرية العراقية، ولم ينتسب إلى الكلية العسكرية، ولم يكن معروفاً في أوساط قادة الفرق العسكرية الأساسية في الجيش العراقي، أي المشاة والقوات المدرعة.

وعلى الرغم من المساعي التي تهدف إلى استبدال زيباري بعميد كردي آخر، هو قائد سلاح الجو العراقي العميد أنور حمد أمين، يمكن القول إنه من الضروري أن يرأس الجيش العراقي أحد ضباطه لكي يستعيد فخره وروحه القتالية. فكما في الأيام الخوالي للجيش العراقي، ينبغي أن تكون هناك دائرة مصغرة ومؤثرة من النواب لكي تعاوِن رئيس الأركان، أي: نائب للعمليات العسكرية، وآخر للشؤون اللوجيستية، وثالث للتدريب، ورابع للإدارة، وخامس للاستخبارات. وأخيراً، يجب أن يمكّن رئيس الوزراء العراقي رئيس الأركان الجديد، والطريقة الفضلى لتحقيق ذلك هي تعيين العميد الجديد نائباً للقائد العام للقوات المسلحة العراقية.

 

فرض الانضباط لإنهاء الفساد

أدى انعدام الانضباط إلى انتشار حالات الهشاشة ونقاط الضعف في صفوف الجيش العراقي. فالضباط الفاسدون يتلقون الرشاوى من جنود لا يؤدون قط خدمتهم العسكرية، وهي ظاهرة باتت تُعرف باسم «الجندي الشبح». وتفتقر الوحدات إلى العدد المطلوب بشكل خطير، كما أن الجنود المتبقين استُنزفوا وأصابهم الإرهاق.

ويصعب عزل قسم كبير من الضباط الحاليين حتى في ظل أفضل الظروف، ناهيك عن منتصف الطريق من حربٍ يائسة. وقد تمكن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة من إجراء تغييرات دورية في قيادة الوحدات العراقية: فبين العامين 2006 و2007، تم عزل 35 من كبار القادة الذي يبلغ عددهم 39 في فرقتي الشرطة الاتحادية، من رتبةً قائد كتيبة فما فوق. ويمكن اليوم إجراء مثل هذا التناوب الواسع النطاق، إذا أُرسلت وحدات جديدة إلى الصفوف الأمامية، الأمر الذي يسمح بسحب الوحدات المنهكة ذات القيادة غير الفعالة من المواقع الأمامية لكي يُعاد تدريبها وإجراء تغييرات في قياداتها.

والمثال الأخير حول انعدام الانضباط هو فشل المسؤولين العسكريين في قيادة فرقهم خلال الأزمات في ساحة المعركة. ومن بين العوامل التي تؤدي إلى مثل هذه الكوارث هو سوء اختيار القادة. فعلى سبيل المثال، عند سقوط الرمادي في نيسان/أبريل 2015، كان القائد بالوكالة لـ "مركز عمليات محافظة الأنبار" هو نفسه الضابط الذي هجر فرقته في كركوك قبل ذلك بعشرة أشهر، مسبباً حالة من الذعر أدت إلى انهيار الفرقة حتى دون أن تتعرض لهجوم من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية».

ولم تعاقب الحكومة القادة العسكريين لتسببهم بمثل هذه الإخفاقات العسكرية. فلم يتم حتى الآن معاقبة أي عميد بارز بسبب النكبات التي حلّت بالموصل والرمادي، كما أن الحكومة العراقية قد أصدرت عفواً عاماً عن صغار الضباط الذين تسببوا بهزيمة فرقهم.

ولا يريد أحد تطبيق العقوبات الشديدة الصارمة كما في أيام الرئيس السابق صدام حسين، ولكن يجب فرض بعض العقوبات العلنية على الضباط الذين ينسحبون دون أوامر ودون سبب مقنع. فمن بين أولى مهمات رئيس أركان الجيش العراقي الجديد المفوّض بالصلاحيات اللازمة هي إعادة تطبيق قانون القضاء العسكري.

القيادة والانضباط والتدريب

تعاني الألوية الجديدة للجيش العراقي من نقص في عدد الجنود لأنه لم يتم حشد سوى 9000 من المجندين الذين يبلغ عددهم 24000. ويعاني الجيش من الفساد في الإدارة وفي الشؤون اللوجيستية، بالإضافة إلى أنه لا يتمتع برونق «وحدات الحشد الشعبي».

من الضروري أن تتضافر جهود القادة السياسيين والزعماء الدينيين العراقيين لزيادة عدد المجندين في الجيش العراقي. ويجب أن تُدعَّم الإصلاحات العسكرية بفتاوى من المراجع الدينية الشيعية لكي يتم جذب المجندين إلى الجيش النظامي ودمج «وحدات الحشد الشعبي» في الجيش.

لقد أثبت العراق قدرته على تشكيل وحدات نخبة من خلال تنظيم عمليات اختيار تنافسية يفشل فيها الكثير من المجندين. وهكذا جرى تشكيل «الفرقة الذهبية» التي تلقى احتراماً واسعاً. ومن الممكن مجدداً إجراء تدريب قاسٍ إذا توفر العدد اللازم من المجندين.

بإمكان الجيش العراقي أن يعود إلى سابق عهده إذا أحسن العراق اختيار رئيس الأركان ومكّنه، ثم صب تركيزه على القيادة والانضباط والتدريب. لقد أخطأ وزير الدفاع الأمريكي آش كارتر حين قال إن العراقيين يفتقرون «لإرادة القتال»، بينما أعطى السفير الأمريكي السابق في العراق رايان كروكر توصيفاً أدقّ حين قال إن «لدى العراقيين باعٌ طويلٌ في العسكر القوي. جنودهم أشدّاء، لكنهم يحتاجون إلى القيادة الجيدة. ليس الجيش العراقي فاسداً بالكامل. إن قيادته هي التي تعاني من الفساد».

مايكل نايتس هو زميل ليفر في معهد واشنطن ومؤلف الدراسة باللغة الانكليزية "الطريق الطويل: إعادة تفعيل التعاون الأمني الأمريكي في العراق". جبار جعفر هو متخصص في الاتصالات الاستراتيجية ومحلل قضايا عراقية وعربية. 





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً