كاد الوضع في لبنان يوم أمس يخرج عن السيطرة سياسيا وشعبيا قبل أن تنجح الجهود في منع الانفجار من داخل جلسة مجلس الوزراء وخارجها، حيث وصل مناصرو «التيار الوطني الحر» إلى محيط مقرّ رئاسة الحكومة وحصلت مواجهات بينهم وبين الجيش اللبناني أدت إلى وقوع إصابات في صفوف الطرفين ، وذلك وفق ما نقلت صحيفة الشرق الأوسط اليوم الجمعة (10 يوليو / تموز 2015).
ومنذ اللحظة الأولى لبدء جلسة الحكومة التي هدّد وزراء «التيار الوطني الحر» برفض البحث في جدول أعمالها ما لم تتضمن التعيينات الأمنية وربط تصعيد تحركاتهم الاحتجاجية في الشارع بمجرياتها، بدأ التوتّر إثر مشادة كلامية بين رئيس الحكومة تمام سلام ووزير الخارجية جبران باسيل على خلفية اتهام الأخير سلام بتجاوز صلاحياته وبوجود كاميرات التلفزة، ما أدى إلى اتخاذ قرار بقطع البث المباشر وإخراج المصورين من القاعة. و«بعد هرج ومرج» ساد أجواء الجلسة لنحو 3 ساعات، انتهت بإقرار البند الأول في جدول الأعمال الذي ينص على توزيع الاعتمادات على المؤسسات العامة والخاصة للعناية على نفقة وزارة الصحة العامة، وترحيل الخلافات إلى جلسة تعقد بعد عيد الفطر وتأجيل البحث في صلاحيات رئيس الحكومة في ظل غياب رئيس الجمهورية، وهو ما رأى فيه «التيار» على لسان النائب ميشال عون ووزرائه أنّهم «حصلوا على ما أرادوه متخذين قرار الخروج من الشارع وتجميد التحركات».
ورغم كل ما حصل، لم تر مصادر رئاسة الحكومة أنّ الوضع في لبنان وصل إلى حائط مسدود، مشيرة إلى أن لبنان بلد التسويات، ولا بدّ أن نصل إلى حلول في النهاية. وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «لا يبدو أنّ هناك نية لدى الأطراف لفرط الحكومة رغم محاولات طرف واحد بالمشاغبة لأهداف خاصة»، مضيفة: «تبلغنا من حزب الله أنه متضامن مع عون في مطالبه لكن لا يبدو أنه راض عما يقوم به من تحركات».
وعن الأجواء التي سادت جلسة الحكومة وما نتج عنها، قال وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية، نبيل دوفريج، المحسوب على «تيار المستقبل» لـ«الشرق الأوسط»: «اليوم أصبحت الكرة في ملعب حزب الله وعون بشكل رئيسي. من المؤكد أنه سيتم تقويم تجاوزات الوزير باسيل التي تعدت المنطق السياسي ووصلت إلى (قلة أخلاق) لم تحترم خلالها أدنى أصول التعاطي بين وزير ورئيس الحكومة، بحيث لم يعد (للصلح مكان)». ورأى دوفريج أن «ما حصل منذ اللحظة الأولى لدخول الكاميرات إلى قاعة الجلسة يبدو واضحا أنه كان محضرا له سلفا، بحيث بدأ باسيل هجومه على سلام متهما إياه بتجاوز صلاحياته بطريقة فاجأت الجميع بمن فيهم حلفاؤه، ووصلت إلى مرحلة قال فيها: (أنا رئيس الجمهورية) وساد الهرج والمرج» في القاعة، لافتا إلى أن معظم الوزراء وقفوا في وجه باسيل رافضين التعرض لسلام الذي وضع باسيل عند حدّه.
وفيما «الشارع العوني» كان قد تحرّك بشكل أساسي إثر ما نقل إليهم من أنّ «سلام واجه باسيل بالقول: عندما أتكلمّ أنا أنت تسكت»، فقد لعب وزير الداخلية نهاد المشنوق دورا إيجابيا في تهدئة الوضع في نهاية الجلسة بعقد اجتماع جمع باسيل وسلام ووزير حزب الله محمد فنيش، وأعلن باسيل في وقت لاحق من يوم أمس أنّه سيعقد مؤتمرا صحافيا اليوم الجمعة للتحدث بالتفصيل عما جرى في الجلسة.
وردا على ما قاله النائب عون ووزراؤه لجهة أنهم حصلوا على ما أرادوه، قال دوفريج: «قالوا إنهم لن يدخلوا في جدول الأعمال مستخدمين أسلوب التهديد، لكن حصل عكس ذلك واتخذنا قرارا أساسيا». ورأى أنه ما تم التوافق عليه لجهة البحث في صلاحيات رئاسة الجمهورية ورئيس الحكومة ليس أمرا جديدا وعون ليس حريصا عليها أكثر منا، لكن لن نقبل المزايدة بالطائفية والتصعيد عبر الشارع لتشنيج الأجواء». واعتبر أن قول عون بـ«حصول التيار على ما أراده ليس حجّة إلا للقول لمناصريه بالعودة إلى منازلهم بعد خيبة الأمل التي أصيب بها، وتبيّن له أعداد المشاركين الخجولة في التحركات التي دعا إليها». وفيما أكد دوفريج أن فريق «14 آذار» كما رئيس الحكومة لا يريدان الخوض في لعبة الشارع، رأى أنه «إذا بقي الاحتقان كما هو فعندها قد نصل إلى مرحلة لا نستطيع خلالها السيطرة على الوضع».
وبعد انتهاء الجلسة، نقل وزير الإعلام رمزي جريج عن سلام خلال الجلسة، تأكيده على تمسكه بصلاحياته وبالدستور والنظام وبمسؤولياته وحرصه على تفعيل عمل مجلس الوزراء، داعيا الجميع إلى احترام المقامات والكرامات. وأمل سلام أن يستمر التوافق الذي أدى إلى تكريس الاستقرار إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية، وأنه سيبقى متمسكا بمبدأ التوافق في عمل الحكومة خشية التعطيل. وأعرب عن انزعاجه من الأجواء الحالية في البلاد، التي قال إنها تطال ليس صدقية الحكومة بل صدقية البلد برمته، مؤكدا أن الخلاف يجب ألا يصل إلى حد الصدام الذي يلحق الضرر بالبلاد.
في المقابل، قال باسيل في كلمة له أمام المعتصمين في شارع المصارف في وسط بيروت: «حصلنا اليوم على ما نريد، لكن المعركة بدأت ولم تنته، وليست متعلقة ببند أو بمكان أو زمان، ونحن أصحاب قرار».
من جهته، اعتبر وزير التربية والتعليم العالي إلياس بوصعب «أن صلاحيات رئيس الحكومة محفوظة»، مضيفا: «توافقنا على عقد جلسة بعد عيد الفطر لمناقشة وتحديد صلاحيات رئيس الجمهورية». وقال: «نحن شركاء في هذا الوطن ونرفض تهميشنا كما أننا نحمي الجيش وحقوقه برموش العيون ولا أحد يضعنا في مواجهة معه».
وبعد الظهر، عقد رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون الذي يخوض معركة تحت شعار «المحافظة على حقوق المسيحيين»، مؤتمرا صحافيا في الرابية أعلن فيه أنه لا انتخابات رئاسية قبل الانتخابات النيابية وقبل قانون انتخابي جديد يؤمن التمثيل الصحيح للجميع، موضحًا أننا «ما زلنا في بداية تحركاتنا وكل ما أُخذ بالتأكّل سيسترجع»، مشددًا على أن «التعامل بقوة لن يثنينا».
وفي موازاة «حماوة الجدال السياسي» في قاعة مجلس الوزراء، لم يكن الوضع في خارجها أفضل حالا، على وقع توجّه مناصري «التيار الوطني الحر» نحو السراي الحكومي، رافعين الأعلام والشعارات المنددة بـ«الحريرية والداعشية» السياسية.
وكان الجيش قد قطع الطرقات المؤدية إلى مقر رئاسة الحكومة واستقدم تعزيزات أمنية إلى محيطها حيث وقع أكثر من إشكال بين المتظاهرين وعناصر الجيش الذين منعوهم من تجاوز الطوق الأمني والوصول إلى ساحة رياض الصلح وسُجّل سقوط عدد من الجرحى في صفوف الطرفين.
وصدر عن قيادة الجيش بيان أعلنت فيه «إقدام حشد من المتظاهرين على اجتياز السياج الذي وضعته قوى الجيش في محيط السراي الحكومي، واعتداء بعضهم على عناصر الجيش، ما أدى إلى إصابة سبعة عسكريين بجروح مختلفة، تم نقلهم إلى المستشفى العسكري للمعالجة».
وفي بيان آخر، قالت القيادة: «نظرا إلى تصاعد التجاذبات السياسية في البلاد، والمترافقة مع بعض الاحتجاجات الشعبية على عدد من المسائل المطروحة، يهم قيادة الجيش التأكيد بأن المؤسسة العسكرية لن تستدرج إلى أي مواجهة مع أي فريق كان، وأن هدفها هو حماية المؤسسات الدستورية والممتلكات العامة والخاصة، وسلامة المواطنين، إلى جانب تأمين حرية التعبير لدى جميع اللبنانيين، في إطار القوانين والأنظمة المرعية الإجراء».