لم يكن الإمام علي (ع) مدار اهتمام علماء وأدباء وفلاسفة عصره والعصور الإسلامية اللاحقة فحسب، بل كان ولايزال محور دراسات وبحوث العديد من الباحثين والكتاب الكبار من مختلف الملل والأديان والمذاهب والفرق، على اختلاف توجهاتهم ومشاربهم الفكرية والثقافية والدينية في التاريخ الحديث والمعاصر، باعتباره أعظم شخصية عرفها تاريخ البشرية القديم والحديث بعد رسول الله (ص)، لما حظي به من مواهب وصفات وقدرات اختص بها وحده.

لقد شغل الإمام علي بفكره وعلمه ونظام حكمه وأسلوب حياته مفكّري العالم في العصر الحالي، كشخصية متفردة ومتميزة. ففي العام 2002 أصدرت الأمم المتحدة تقريراً تاريخياً يعتبر خليفة المسلمين علي بن أبي طالب أعدل حاكمٍ شهدته البشرية، مستندة إلى وثائق احتوت 160 صفحة باللغة الانجليزية، وقد أعد التقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الخاص بحقوق الإنسان وتحسين البيئة والمعيشة والتعليم. وقد تضمّن التقرير مقتطفاتٍ من وصايا الإمام علي المبثوثة في كتابه «نهج البلاغة»، حيث يذكر التقرير أن تلك الوصايا تعد مفخرةً لنشر العدالة، وتطوير المعرفة، واحترام حقوق الإنسان.

وتضمن التقرير شروط الإمام علي للحاكم الصالح التي وردت في نهج البلاغة. كما ذكر التقرير أساليب الإمام علي في محاربة الجهل والأمية، وتطوير المعرفة ومعالجة العلماء، حيث يقول لأحد عماله: «وأكثر من مدارسة العلماء، ومنافسة الحكماء في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك، وإقامة ما استقام به الناس قبلك».

وتضمن التقرير نظرة الإمام علي للقضاء والشروط المطلوبة في القاضي، وحقوق القاضي المادية والمعنوية، حيث اقتبس التقرير قول الإمام علي في ذلك: «ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور، ولا تمحكه الخصوم، ولا يتمادى في الزلة، ولا يحصر من الفيء إلى الحق إذا عرفه، ولا تشرف نفسه على طمع، ولا يكتفي بأدنى فهمٍ دون أقصاه، وأوقفهم في الشبهات، وآخذهم في الحجج، وأقلهم تبرماً بمراجعة الخصم، وأصبرهم على تكشف الأمور، وأصرمهم عند اتضاح الحكم، ممن لا يزدهيه إطراء، ولا يستميله إغراء، وأولئك قليلون. ثم أكثِرْ تعاهدَ قضائه، وأفسح له في البذل ما يزيل علته، وتقل معه حاجتُه إلى الناس، وأعطِهِ المنزلة لديك ما لا يطمع فيها غيره من خاصتك، ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك، فانظر في ذلك نظراً بليغاً».

كما قامت اللجنة القانونية في الأمم المتحدة بعد عدة دراسات، بطرح قول الإمام علي الذي حدّث فيه مالك بقوله: «الناس صنفان، إما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق» كأحد مصادر التشريع.

وفي مكتبة الكونجرس بواشنطن، يوجد كتاب باللغة الانجليزية بعنوان «خسارة التاريخ» للمؤلف الأميركي ميشيل هاملتون مورغان، الذي يبدى فيه إعجابه الشديد بالسياسة الحكيمة التي اتبعها الإمام علي في نظام الحكم من خلال اطلاعه على الرسالة التي حرّرها الإمام علي إلى ولاته في الأمصار الإسلامية، مؤكّداً عليهم أن يعاملوا المواطنين من غير المسلمين بروح العدل والمساواة في الحقوق والواجبات.

إن تلك الأمور تؤكد نظرة الإمام علي (ع) الثاقبة نحو بني البشر دون تمييزٍ على اختلاف أصولهم الإثنية ودياناتهم المختلفة... وهو الأمر الذي جعل فكر الإمام علي محل اهتمام المجتمع الإنساني برمته.