كل فرصة تضيع؛ أو يضيّعها الإنسان، هي في حقيقتها إضاعة وتفويت لقفزة في حياته، وتخلٍّ عن متغيّر كبير قد يطرأ عليه. تلك القفزة، وذلك المتغيّر، قد يصنعان منه شخصاً آخر، بإمكانيات كبيرة، لا تخدمه هو فقط، بل يمتد أثرها إلى المكان الذي يحيا ويتحرك فيه.
إضاعة الفرص تكاد تكون سمةً شرقية. كأن الفرص سلع تباع وتشترى في الأسواق، وفي متناول اليد، يمكن لأي شرقي أن يقصدها ويبتاع منها ما شاء؛ بالكيلو أو القطعة.
الفرص تقرِّب لنا المسافات، وتختصر الزمن أيضاً. فما يمكن أن نحقّقه في سنوات - وقد لا نحققه - يمكن لفرصة واحدة أن تمنحنا إياه بتيسير الظروف، وتوفيق من الله أيضاً، في بضع شهور، وذلك هو الميلاد الجديد لأي شخص منا.
وببساطة، يمكن لنا أن نكتشف المنتظمين في شئون حياتهم، وسنراهم الأكثر نجاحاً بين الناس، سواءً أتتهم الفرص أم لم تأتِ. الأكثر نجاحاً لأنهم منتبهون للتحولات والتغيرات من حولهم، وناجحون لأنهم من خلالها يستطيعون أن يخلقوا الفرق، ويصنعوا ما يشبه المعجزة أيضاً.
هناك من يخلق الفرص، ولا ينتظرها. خلق الفرص بالسعي الحثيث، والاستمرار في التوقيت لها، والظروف التي واتت فيها، وكيفية استثمارها وتوجيهها وتوظيفها. كل تلك عوامل لا يمكن أن ينجح الإنسان في تحقيق أهدافه من خلالها ما لم يكن ملمّاً بها وعلى معرفة دقيقة بدورها وأثرها.
وخلق الفرص يكشف عن جهد مضاعف، وذلك لا يعني أن الذي تأتيه الفرصة عليه أن ينام عليها، وستكمل هي بقية الأدوار. عليه بذل جهد أيضاً كي ترى تلك الفرصة النور وتتحقق على شكل مشروع على الأرض، وليس بالضرورة أن يكون مشروعاً مادياً، فربما تأتي في شكل علاقات توصل إلى هدف وغاية، وتحول جذري في حياة أي شخص منا.
عدم استيعاب أن الفرصة يمكن أن تكون ميلاداً جديداً لأي شخص منا هو الذي يجعل التفريط بها حالة لا تدعو إلى الندم وتتكرّر لدى نوعية من البشر، ليس بالضرورة أن يكونوا غير مبالين فقط، أو أن لديهم من البدائل وفائض النعمة ما لا يجعلهم في حالة إصرار وطلب دائم وراء مثل تلك الفرص.
«التنبلة» هي الأخرى لها دور في مثل ذلك التفريط، والاعتماد أو توهم أن فرصاً أخرى في الطريق ستكون أجدى وأنفع وأكثر أثراً، ما يجعل بعضهم أسير وهمٍ لا حدود له. وهْم أن الفرص تعمل لديه ورهن أمره.
ثم إنه لا توجد فرص صغيرة وكبيرة في عمر الزمن وفي لحظتها. الفرص الصغيرة تولّد فرصاً عملاقة باستثمارها في الوجهات الصحيحة والمدروسة، ويمكن للفرص الكبيرة أن تتضمن نهايات وسقوطاً إذا استثمرت في وجهات مهلكة، وأخذت صاحبها السكرة فنسي نفسه وإمكانياته واتخاذه طرقاً وأساليب لا شيء من الأخلاق يدل عليها.
وبين اقتناص الفرص وخلقها يمكننا الوقوف على الاختلاف بين نوعية البشر وإراداتهم وتوظيف قدراتهم، وتحسينها، والارتقاء بالأساليب الموصلة للأهداف، مع عدم التغاضي عن منظومة أخلاقية لابد أن تكون حاضرةً في تلك القفزات التي يمكن للإنسان أن يحقّقها دون أن يتجاوز بدم بارد القيم وما يحكم طبيعة علاقاته بمن وما حوله.
وإذا كانت الفرص تمر مر السحاب وعلى أحدهم اغتنامها، فلا يعني ذلك أن يغتنمها بالسرعة من حيث ضربه عرض الحائط كل تلك الأخلاقيات والقيم. حينها سيسقط أسرع من مرور الفرص... إذا مرّت!
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4688 - الأربعاء 08 يوليو 2015م الموافق 21 رمضان 1436هـ