يعد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) شخصية لا نظير لها بالمفهوم المطلق. فهو العالم الجليل والمفكر العظيم والشاعر والفيلسوف، بل ورجل السياسة والحكمة، إضافةً إلى كونه من أبلغ الناس وأفصحهم منطقاً وخطابة. أما شجاعته فحدّث ولا حرج، حيث وثقت كتب التاريخ والتراث العربي الإسلامي وكتب المستشرقين وبعض الكتب الأجنبية، جزءاً من علمه وفكره ومدى قوته الجسمانية وقدرته على تحمل الأذى، وإقدامه في الحروب والمعارك، حيث لم يبارزه أحدٌ إلا وانتصر عليه. فقد قتل مرحباً وعمر بن ود، واقتلع باب خيبر، ودافع عن رسول الله (ص) وفداه بنفسه.
شخصية الإمام علي (ع) فريدة من نوعها، فهو الوحيد الذي جمع صفات يستحيل أن تجتمع في شخص واحد غيره. وبكلمة موجزة... هو معجزة بكل المقاييس.
لقد بحثت كثيراً في بطون الكتب والمراجع والموسوعات وقرأت عن العديد من الشخصيات القديمة والحديثة التي نالت اهتمام المؤرخين والكتاب والأدباء والفلاسفة، إلا أنني لم أجد شخصية تضاهي شخصية الإمام علي، لما اتصف به من صفات لا نظير لها، وهو الأمر الذي جعله مثار جدل كبير، وانقسم المسلمون في النظر إليه إلى ثلاث فئات.
الفئة الأولى هي الفئة المتنورة والمتعلقة به، والتي تمثل الغالبية الساحقة من المسلمين التي وجدت في الإمام علي مثال الإنسانية الحقة، وصاحب القيم السامية والمدافع الأول عن الإسلام وحامي بيضته. وقد برهنت على ذلك واقعة الخندق ومواجهته لعمرو بن ود العامري الذي يعد من كبار شجعان العرب المعروفين، حيث كان ذكر اسمه يثير الرعب بين المقاتلين.
وتمكن عمرو وهو متسربل بالحديد، أن يجتاز الخندق بجواده ليصبح وجهاً لوجه أمام المسلمين، مطلقاً صرخةً مدويةً أدخلت الرعب والهلع في نفوس المسلمين، وفي تحدٍ صارخ، طالبهم بإرسال من يبارزه من الأبطال كعادة شجعان العرب حينذاك، فازداد خوف المسلمين وأخذ كل واحد يحتمي بالآخر، وبلغت القلوب الحناجر. وهنا وقف الرسول(ص) وطلب من يبرز إليه من المسلمين ويضمن له الجنة سواء انتصر أو استشهد، فوقف الإمام علي شاهراً سيفه للمبارزة، وكان حينها شاباً يافعاً فأمره الرسول بالجلوس. وكرّر الرسول (ص) النداء ثلاث مرات، ولم يجد من يلبّي نداءه غير الإمام علي.
وحين وجد الرسول ذلك الموقف من المسلمين وما تملكهم من خوف وارتباك، أذن للإمام علي بالمبارزة، وقال قولته المشهورة» «اليوم برز الإسلام كله إلى الشرك كله»، وفي رواية أخرى: «برز الإيمان كله إلى الشرك كله»، وكان الرسول (ص) يقصد من وراء ذلك أنه في حال انتصار عمرو فهو انتصار للشرك والقضاء على المسلمين، أما انتصار علي فهو حماية الإسلام وضمان بقائه إلى الأبد.
بعد كرّ وفرّ، تمكّن الإمام علي من قتل عمرو بن ود فكبر المسلمون فرحاً وتنفس الجميع الصعداء، وقد أخذتهم الدهشة مما رأوه من شجاعة الإمام علي وقوته الخارقة التي أصبحت مضرب الأمثال، والتي كان لها أثرها الكبير بصفة خاصة على الفئتين الأخيرتين.
الفئة الثانية وجدت أن الصفات التي اجتمعت في الإمام علي هي مثار للدهشة، ولا يمكن أن تجتمع الشجاعة والعلم، والفكر والفلسفة، والحكمة والنبوغ، والبلاغة وسرعة البديهة، وحل المسائل الخلافية في الأمور الرياضية وغيرها... لا يمكن أن تجتمع في أحد من أبناء البشر، وهو الأمر الذي جعلهم يذوبون في حب الإمام علي ويهيمون بعشقه، إلى درجة التقديس والمغالاة، ولم يرض عنهم الإمام علي (ع).
لقد أثّرت قدرات الإمام علي ونبوغه في الفقه والعلم والمعرفة، وسرعة البديهة، وتضلعه في علم اللغة والدين، وشجاعته في الحروب، ليس على الأشخاص العاديين فقط، بل على كبار علماء الأمة في العصور الإسلامية. ومن بين العلماء الكبار الذين بهرتهم شخصية الإمام علي وذابوا حباً فيها وتأثروا بها لدرجة لا تقاس، الشيخ عبدالحميد بن أبي الحديد المعتزلي، وهو أحد أبرز علماء وكتّاب المعتزلة في عصره، ومن فقهاء اللغة وجهابذتها. كما أنه أول من شرح «نهج البلاغة» للإمام علي. فبعد إطلاعه على خطب الإمام علي وعلى شخصيته والصفات التي جمعها، أخذ ينظر إلى الإمام علي على أنه ليس كسائر البشر، فنظم قصيدة يعود تاريخها إلى القرن السابع الهجري، عبّر فيها عن حبه للإمام علي ذاكراً ما يراه من صفات فيه تفوق صفات البشر حيث يقول:
يا بـرق إن جئـت الغـري فقـل لـه أتراك تعلم من بأرضك مودَعُ
فيك ابن عمــران الكليـم وبعـــده عيسى يقفّيه وأحمد يتبعُ
بــل فيـــك جبــريلٌ وميكـــــال وإسرافيل والملأ المقدّس أجمع
بل فــيك نـــور الله جــل جلالــه لذوي البصائر يستشف ويلمع
فيك الإمام المرتضى فيك الوصــي المجتبى فيك البطين الأنزع
هذا ضمـير العالـم الموجـود عـن عدمٍ وسر وجوده المستودع
ثم يقول في قصيدته:
لولا حــدوثـك قلــت أنـك جاعـل الأرواح في الأشباح والمستنزع
لـولا مـماتـك قـلت أنــك باســط الأرزاق تقدر في العطاء وتوسع
مـا العالــم العـلــوي إلا تـربــة فيها لجثتك الشريفة مضجع
مـا الدهـر إلا عـبـدك الـقـنّ الـذي بنفوذ أمرك في البرية مولع
أنا في مديحــك ألكــنٌ لا أهتــدي وأنا الخطيب الهزبري المصقع
وقبل أن يختم قصيدته، وصف الإمام علي بأنه معجزة الله في خلقه:
والله لــولا حــيدرٌ مـا كــانـــت الدنيا ولا جمع البرية مجمع
من أجله خلق الزمــان وضـوئـت شهب كنسن وجنّ ليل أدرع
علم الغيــوب إلــيه غيـر مدافَــعٍ والصبح أبيض مسفرٌ لا يدفع
وإليه في يـوم المعــاد حـسابــنا وهو الملاذ لنا غداً والمفزع
يقابل الفئة الثانية، فئة ثالثة حاقدة أخذت تكيل السب للإمام علي دون حساب، بل ويغالون في سبه وشتمه، ومن بين هذه الفئة التي تبغض الإمام علي وتحقد عليه الخوارج. فقد نظم عمران بن حطان رئيس طائفة من الخوارج وكان خطيبهم وفقيههم وشاعرهم، نظم بيتين من الشعر يمدح فيهما قاتله عبدالرحمن بن ملجم حيث يقول:
يا ضـربة من تقـي مــا أراد بهــا إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إنـي لأذكــره حينــاً فأحـســـبه أوفى البرية عند الله ميزاناً
وقد ردّ عليه كبار علماء المسلمين في شرق الدولة الإسلامية وغربها، من بينهم العالم الجليل حماد بن بكر التاهرتي الزناتي، من الجزائر (توفي 296هـ) بقصيدة هاجم فيها الاثنين معاً، أي صاحب البيتين وابن ملجم، وبيّن مناقب الإمام علي بفكر متنور. وهذه القصيدة التي مضى عليها أكثر من 1150 سنة من أجمل ما قرأته من قصائد تمدح الإمام علي وتبرز مناقبه ودوره القيادي في الإسلام وحمايته ونشره، كما يذهب في قصيدته إلى أن الإمام علي هو أفضل الخلق، وإن قاتله في النار حيث يقول:
قل لابـن ملجــم والأقـدار غـالـــةُ هدمت ويلك للإسلام أركانا
قتلت أفضلَ من يمشـي علـى قـدمٍ وأول الخلق إسلاماً وإيمانا
وأعـلم النـاس بالقـرآن ثــم بمـا سنّ الرسول لنا شرعاً وتبيانا
صـهر النـبـي ومـولاه وناصــره أضحت مناقبه نوراً وبرهانا
وكان منـه عـلى رغـم الحسود لـه مكان هارون من موسى بن عمرانا
وكان في الحرب ليثـاً ضارياً ذكراً ليثاً إذا لقي الأقران أقرانا
ذكــرت قاتــله والدمــع منـحـدر فقلت سبحان رب العرش سبحانا
إنــــي لأحسبه ما كان من بشــر يخشى المعاد ولكن كان شيطانا
أشـقـى مـراد إذا عــدت قبائلـهـا وأخسـر الناس عند الله ميزانا
كعاقر الناقة الأولى التي جلبــــت على ثمود بأرض الحجر خسرانا
قد كان يخبرهم إن سوف يخضبها قبل المنية أزماناً فأزمانا
فلا عفـــا الله عــنه مــا تحملـــه ولا سقى قبر عمران بن حطانا
لقولـه فـي شقــي ظــل مجــترماً ونال ما ناله ظلماً وعدوانا
يا ضــربةً من تقـــي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
بل ضربةٌ من غويٍّ أوردته لظـــىً وسوف يلقى بها الرحمن غضبانا
كأنه لــم يـرد قــصداً بضربــته إلا ليلقى عذاب الخلد نيرانا
وهكذا انقسم المسلمون الىثلاث فئات أمام شخصية الامام علي لما اتصف به من صفات لا نظير لها.
إقرأ أيضا لـ "منصور محمد سرحان"العدد 4687 - الثلثاء 07 يوليو 2015م الموافق 20 رمضان 1436هـ
أحسنت
مقال موفق
سلمت أناملك يا استاذ .
ف ميزان حسناتك هالمقال , الامام علي المظلوم سلام الله عليك يا أبو الحسنين يا أبو تراب يا حبيبي اللهم ثبتني على ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يارب يا رب يارب . اللهم صل على محمد وآل محمد .
حيدره
سلام الله عليك يا ابا الحسنين
جزاك الله خير يا دكتور في ميزان حسناتك إن شاء الله .
أمير المؤمنين ... سلام
شكرا استاذ منصور . هذا الامام علي الذي حارت فيه العقول كما تفضلت وكل ما جد الزمان حار المتأملون في هذه الشخصية الفذة .. فسلام عليك ابا حسن في ذكرى استشهادك
رضي الله عن صحابة رسول الله أجمعين
أبو بكر و عمر و عثمان و علي
لا يقارن بعلي أحد
علي وشأنه وهناك كبار علماء السنة يقول أن علي لا يقارن بأحد
الخلفاء الثلاثة لهم مقامهم منزلتهم
تسلم دكتور
سلام الله عليك ياامير المؤمنيين
ستغيضهم يا استاد:
نعم ستغيضهم واقصد اعداء الانسانيه واعداء الحق واعداء البشريه من المتعصبين الضالين. فجزاك الله خيرا عن التذكيير.