أكّد رئيس المحكمة الكبرى الجنائية القاضي إبراهيم سلطان الزايد أن القوانين المحلية أو الدولية لم تُحدد وقتاً معيناً تستغرقه المحاكمات.
ورأى القاضي الزايد أن تحديد مدة معينة لقرار الحبس الاحتياطي للمتهم من شأنه أن يخلَّ بحق الدفاع، ويؤثر على ضمانة المحاكمة العادلة، موضحاً أن القضاة عند تجديدهم حبس المتهم ينظرون إلى الأدلة المتوافرة وخطورة الجريمة المرتكبة.
ويعتقد الزايد أن قانون أصول المحاكمات الصادر العام 1966 حافظ على ضمانة المتهم بإعطائه الحق في استئناف قرار حبسه أمام محكمة أخرى، فيما منح قانون الإجراءات الجنائية النيابة الحق في الاستئناف، في حال أطلق سراح المتهم.
جاء ذلك خلال ندوة «سلطة القاضي في الحبس الاحتياطي» التي نظمتها جمعية المحامين مساء أمس الأول (الإثنين) بمقرها في منطقة العدلية.
وفي بداية حديثه، أكد رئيس المحكمة الكبرى الجنائية القاضي إبراهيم سلطان الزايد «إننا جميعاً نسير وفقاً لما يرسمه القانون، باغين في ذلك الوصول إلى العدالة سواء كنا قضاة أو محامين».
بعدها تحدث عن مبررات الحبس الاحتياطي والدفع بعدم توافر مبررات ذلك الإجراء، مشيراً إلى أنه «طوال مشواري القضائي لم يُدفع بدفع يتعلق بعدم توافر الدلائل الكافية لاستمرار الحبس الإحتياطي كإجراء من إجراءات المحاكمة، وهنا لا أتحدث عن محاضر الاستدلال ولا عن عمل النيابة العامة، بل أتحدث عن إجراء ألا وهو الحبس الاحتياطي الذي من خلاله ممكن للمحامي أن يقوم بالطعن في صحة هذا الإجراء من عدمه، ولمحكمة الموضوع أن تقرر كفاية الأدلة لاستمرار الحبس الإحتياطي من عدمه».
وأوضح القاضي الزايد أن «الحبس الاحتياطي هو من إجراءات التحقيق، وأكثرها مساساً بالمتهم، بحيث إنه يحجز حريته. وأنا أتوقع أن من أخطر ما يقوم به القاضي هو استمرارية الحبس بالنسبة إلى المتهم، لذلك وأنا على منصة القضاء أوضح قرار المحكمة في ذلك الشأن؛ لأن من أبسط حقوق المتهم أن يعرف ما إذا كان قرار المحكمة استمرار حبسه أو إطلاق سراحه».
واستعرض القاضي الزايد شروط الحبس الاحتياطي، مبيناً أنه «بحسب المادة (142) من قانون الإجراءات الجنائية وضعت للحبس الاحتياطي الشروط الواجبة قانوناً، والشروط الواجب اتباعها طبقاً للحبس الاحتياطي من الممكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام مهمة، وهي: الشروط المتعلقة بالسلطة التي تأمر بالحبس الإحتياطي، وشروط تتعلق بالجريمة التي قام المتهم بارتكابها، وشروط تتعلق بالمتهم ذاته».
وبشأن الشروط المتعلقة بالسلطة التي تملك الأمر بالحبس الاحتياطي أوضح القاضي الزايد أن «السلطة القضائية هي التي تأمر بالحبس الاحتياطي، وهذا هو الأصل وهناك استثناء في ذلك بالنسبة إلى القوانين الحديثة التي صدرت والتي تعطي أيضاً سلطة مأموري الضبط مدة أطول في قانون حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية، لكن الأصل هو أن النيابة العامة تملك الأيام السبعة الأساسية بالنسبة إلى قرار الحبس الاحتياطي، وإذا لم يصدر الأمر بذلك من النيابة العامة فهناك بطلان، والمحكمة تتصدى لذلك البطلان من تلقاء نفسها، وقاضي المحكمة الصغرى، كما يُطلق عليه في بعض القوانين، هو قاضي التحقيق الذي يملك حسب التعديل الأمر بالحبس الاحتياطي مدة ثلاثين يوماً».
وأشار إلى أن «قانون أصول المحاكمات الصادر العام 1966 يتضمن بعض الضمانات للمتهم والتي هي أفضل من قانون الإجراءات الجنائية إذ من الممكن استئناف قرار التوقيف، في حين أن القانون يعطي السلطة القضائية قرار الحبس مدة سبعة أيام ولا يجوز استئناف ذلك، ولا يملك المتهم سوى الرضوخ إلى ذلك، وهي سلطة تملكها النيابة العامة وقاضي التحقيق يملك مدة الثلاثين يوماً، بينما كانت 45 يوماً وتعدلت إلى 30 يوماً، وبعض المحاكم تأخذ قراراً بتجديد الحبس 15 يوماً، ومن ثم تجدد مرةً أخرى 15 يوماً، لكن هذا لا يغير من الأمر شيئاً دون أنها تملك 30 يوماً».
وبين في هذا السياق «أما الثلاثون يوماً التالية فهي للمحكمة وهي قابلة للتجديد، لكن يجب أن تحال إلى المحكمة خلال فترة نصَّ عليها المشرع».
ولفت رئيس المحكمة الكبرى الجنائية إلى ما يبديه البعض من أن القانون لم يحدد مدة لسلطة المحكمة في الحبس الاحتياطي، معقباً بالقول: «إن القانون حدّد مدة ثلاثة الشهور، والدليل على ذلك أن القضية بعد مرور الثلاثة أشهر يجب أن تعرض على النائب العام حتى يتخذ إجراءه بالنسبة إلى التصرف في الدعوى، لكن أن تحدد مدة للحبس الاحتياطي كمدة قصوى، هذا الأمر في نظري يؤثر على مدة المحاكمة، فلو تمَّ تحديد مدة معينة للحبس الاحتياطي، فإن ذلك سيؤثر على القاضي، وسيخل بحق الدفاع، فهناك قضايا كثيرة تتطلب من القاضي إحالتها إلى خبير، وهنا لا يملك القاضي سوى استمرار حبس المتهم على ذمة القضية، لذلك فإنَّ من المهم جدّاً ألا يكون هناك فترة تحدد فيها المحاكمة، ولو تم ذلك فإنه بلا شك سيكون هناك إخلال بحق الدفاع لسرعة وتعجيل نظر المحكمة إلى القضية».
ونوه إلى أن «ضمانات المتهم بالنسبة إلى المحاكمة العادلة عالميّاً لم تحدد وقتاً للمحاكمة، أي لا يوجد تحديد وقت معين تستغرقه المحاكمات، لكن ضوابط الحبس الاحتياطي هي ما وضعه قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة إلى مرور مدة الثلاثة أشهر ومن ثم عرض القضية على النائب العام».
واستطرد بالقول: إن «المادة لم ترتب بطلاناً على ذلك، إذا لم يعرض الموضوع على النائب العام، فلا يوجد بطلان، طالما أن المحكمة المختصة هي من قامت بالتجديد بعد مرور الثلاثة أشهر».
من ثم شرح القاضي إبراهيم سلطان الزايد الشروط الواجب توافرها في الحبس الاحتياطي والخاصة بالجرائم، موضحاً «كقاعدة عامة هي في الجنح والجنايات التي تزيد مدة الحبس فيها على مدة 3 أشهر، فلا يجوز الحبس الاحتياطي في المخالفات، ولا يجوز الحبس الاحتياطي في الجنح التي تكون العقوبة فيها الغرامة المالية، ولو تم اتخاذ قرار الحبس في هذه الحالة سواءً من قبل قاضي المحكمة الصغرى أو النيابة العامة فيكون الإجراء في هذه الحالة باطلاً».
وبيّن القاضي الزايد «شخصيّاً لم أرَ أحداً يدفع بذلك، فالمحامون يتجهون مباشرةً في دفاعهم إلى أركان الجريمة، وعند دفعهم عن بطلان الإجراءات يتطرقون فقط إلى بطلان إجراءات القبض، وكأنما لا يوجد إجراء في ملف القضية غير إجراء القبض»، مشيراً إلى «وجود إجراءات كثيرة لا ينتبه إليها المحامون بالنسبة إلى الدفع ببطلان الإجراء فيها، فمن الممكن أن يكون هناك بطلان للمحضر أو بطلان الهيئة وأمور أخرى».
وتابع القاضي الزايد تبيانه شروط اتخاذ قرار الحبس الاحتياطي: «أما الشروط الخاصة بالمتهم فهي نوعان، القسم الأول أن تكون هناك دلائل كافية من خلالها يتضح ترجيح الإدانة بالنسبة إلى الجريمة المسندة إلى المتهم، من مثل وجود الاعتراف، وهو الأمر الذي نتحدث فيه، بينما يتحدث المحامون أن المتهم بحريني ولا يخشى هروبه وغيره من الأمور، في حين أن للمحكمة من الأدلة ما يكفي في النهاية إلى إدانة المتهم».
وأضاف «في هذه الجزئية من الشرط يتوافر للمحكمة السلطة التقديرية في ترجيح وتقدير الإدانة أو البراءة، فمثلاً نقول إن القضية تتمثل في أقوال مادام لم يكن هناك تقرير أو اعتراف أو أدلة، فيكون الحوار بين القضاة يتعلق بسلطة المحكمة في تقدير الدلائل المتوافرة لديها».
وواصل القاضي الزايد في هذا السياق «وأن يكون المتهم جاوز الخمسة أعوام، وفي حال لم يتجاوز الخمسة أعوام فهو حدث لا يجوز الحبس الاحتياطي له، وإذا تم ذلك فإن الإجراء باطل، والمختص في هذه الحالة هو قاضي الأحداث الذي يتحفظ على الحدث؛ لأننا لا نعاقب الحدث».
وأوضح أن «قانون الأحداث قانون مرن جدّاً ولا يعاقب الحدث، بل هو يحافظ على الحدث بألا يرتكب جرائم مستقبلاً، لذلك استخدم المشرع كلمة التحفظ على الحدث لا الحبس، والقانون منذ العام 1976 إلى الآن لم يتغير، فيتم التحفظ على الحدث إلى حين ورود تقرير كامل وواف عن البيئة التي يعيش فيها، وبناء على ذلك ممكن لقاضي الأحداث أن يتخذ قرار التحفظ من عدمه».
وأشار رئيس المحكمة الكبرى الجنائية القاضي إبراهيم الزايد إلى أن «الحبس الاحتياطي لا يكون إلا بعد الاستجواب ولا يكون قبله، ومن الممكن أن يمنع على المتهم المحبوس احتياطاً الزيارة من قبل متهمين، كما من الممكن منعه من الاختلاط بباقي المتهمين حفاظاً على الأدلة، وهو أمر منصوصٌ عليه في قانون الإجراءات الجنائية».
ولفت إلى أن «النيابة العامة إذا لم تستجوب المتهم وطلبت تجديد حبسه، فإن ذلك لا يجوز قانوناً بأي شكلٍ من الأشكال، ويجب إطلاق سراحه بكفالة أو من دونها طبقاً للقانون، والمستثنى هنا المتهم الهارب».
وفصّل القاضي الزايد الحالات التي يتم فيها حبس المتهم الهارب، قائلاً: «إذا تم القبض على المتهم الهارب أثناء المحكمة، تتولى المحكمة حبسه، ولو فرضنا أن المتهم صدر بحقه حكم غيابي، ومن بعد صدور الحكم عارض المتهم ذلك، وهنا في حال كان مأموراً عليه بالقبض يجوز للمحكمة حبسه، وإن لم يكن مأمور عليه بالقبض وأطلق سراحه تغل يد المحكمة بالنسبة إلى حبسه، مع العلم أن سلطة المحكمة أثناء سير الدعوى ممكن أن تأمر بحبس أي كان، لكن بالنسبة إلى المعارضة إذا عارض المتهم وحضر أمام المحكمة ولم يصدر بحقه أمر من النيابة العامة بحبسه فإنه لا يجوز للمحكمة أن تأمر بالقبض عليه، وإن قامت المحكمة بذلك فإنه يجب أن يكون بناء على طلب النيابة طبقاً للمادة (326)».
ويرى القاضي إبراهيم الزايد أن «قانون أصول المحاكمات أعطى للمتهم حق استئناف ذلك، وقانون الإجراءات الجنائية أعطى للنيابة العامة حق الاستئناف إذا تم إطلاق سراح المتهم»، متسائلاً: «فلماذا لم يعطَ المتهم ذلك؟».
وعقّب الزايد بالقول: «من وجهة نظري أن إعطاء المتهم ذلك الحق يكون ضمانةً له حتى لا يكون في يد وكيل النيابة أو قاضي التحقيق، ولا تكون أيضاً في يد المحكمة الكبرى المنعقدة في غرفة المشورة. فرأيي الشخصي أن القانون القديم قد حافظ على ضمانة المتهم بإعطائه حق استئناف قرار حبسه أمام محكمة أخرى».
فيما أثنى على «القانون بالنسبة إلى خصم مدة الحبس الاحتياطي من مدة العقوبة التي ستقضي بها المحكمة، إن انتهت إلى الإدانة، وهو أمر محمود بالنسبة إلى قانون الإجراءات الجنائية».
وأشار إلى أن «بعض القوانين المقارنة في بعض الدول أعطت المتهم حق التعويض عن تلك المدة، إن أصيب بضرر جراء حبسه من مثل خسران العمل، فممكن الرجوع بدعوى التعويض».
وبخصوص الانتقادات الموجهة من قبل المحامين إلى المحاكم في أنها تغالي في الحبس الاحتياطي، ردّ القاضي إبراهيم الزايد قائلاً: «للأمانة في بعض الأحيان يكون القضاة في وادٍ والمحامون في وادٍ آخر، فنتحدث عن وجود أدلة ضد المتهم، فيما يتحدث المحامي أن المتهم بحريني الجنسية ولا يخشى هروبه. فمن الطبيعي أن يكون القاضي على علم بذلك، ونحن كقضاة نقدر الظروف التي تم فيها ارتكاب الجريمة، ونقدر الأدلة الموجودة لدينا، وهنا نتحدث عن ترجيح الإدانة وليس تكوين العقيدة، فمن المهم جدّاً ألا أكوّن عقيدة، لكن مع وجود بعض الأدلة تجعل من القاضي يتخذ قرار استمرارية الحبس».
وفي ختام الندوة، تطرق القاضي الزايد إلى حالات التنازل من قبل المجني عليه، موضحاً أنه «في بعض القضايا التي يكون فيها التنازل من المجني عليه، وهي حالات تسري فقط على جرائم الشكوى، وليس في كل الحالات وليس على كل الأصعدة، فالمحكمة تنظر إلى خطورة الجرم المرتكب من قبل المتهم، وبالتالي نطرح ذلك التنازل ونلتفت عنه كون المحكمة تنظر إلى حق المجتمع العام، وفي أحوال أخرى نأخذ بتلك التنازلات. وفي بعض الأحيان يخفف التنازل من العقوبة وأحياناً لا».
العدد 4687 - الثلثاء 07 يوليو 2015م الموافق 20 رمضان 1436هـ