العدد 4686 - الإثنين 06 يوليو 2015م الموافق 19 رمضان 1436هـ

بيئةٌ تنتج الاستبداد والدواعش

عصمت الموسوي

كاتبة بحرينية

كتب الصحافي توماس فريدمان المعبّر عن السياسة الأميركية مقالاً في صحيفة «نيويورك تايمز» قبل عدة أسابيع، يلخّص فيه رؤية الولايات المتحدة لوضع العالم العربي راهناً، والطريقة المثلى للتعاطي معه. يقول فريدمان: «لقد حافظ العالم العربي على حدوده الموروثة وتماسكه بفضل شيئين: الثروة النفطية من ناحية وسياسة القبضة الحديدية من ناحية أخرى».

بيد أنه - والحديث للكاتب- أخفق في بناء ثقافة المواطنة والديمقراطية وتطوير الموارد البشرية وإرساء التعدّدية وقبول الاختلاف. وهو يعزي ظهور الجماعات الأصولية المتشدّدة كـ «داعش» وغيرها، إلى الانغلاق داخل الحقيقة الواحدة وعقلية «نحن» و»هم». وهي عقلية لا ترى في الوجود غير ذاتها، فتقصي الآخر وتلغيه من حسابها.

وينصح فريدمان أميركا بعدم التدخل في العالم العربي، لأن تجاربنا السابقة معهم أثبتت أننا فشلنا وأنفقنا أموالنا دون الحصول على نتيجة، لأن من يشاطرنا في سياستنا هم عدد قليل من الناس في العالم العربي. وهو يرى أن لا مستقبل لهذه المنطقة التي يقل فيها النفط ويزداد تعداد السكان (وهو مبررٌ للتخلّي عنهم)؛ وأن الحل يكمن في أحد أمرين، إما إعادة احتلال بلدانهم بالكامل من قبل قوة خارجية وتطهيرها من حروبها الطائفية والقضاء على التنظيمات المتطرفة وتعليمهم كيفية تقاسم السلطة كمواطنين متساوين، وهو خيار غير مضمون؛ وإما الخيار الثاني بتركهم وحدهم يتحاربون ويتصارعون حتى تأكل النار نفسها بنفسها ونكتفي بالانتظار، فهذه معركتهم وحدهم وليست معركتنا، معتبراً أن الإصلاح لا يمكن أن يتم من الخارج، مستشهداً بالحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 14 عاماً، واستنزفت البلد وانتهت بقبول الأطراف بمبدأ «لا غالب ولا مغلوب»، وتقاسم الكعكة السياسية.

بالطبع فإن مقال فريدمان لا يختلف عن غيره من كتاب الغرب، فهو ينظر إلى العالم العربي باستخفافٍ شديد، فلسنا سوى شعوب متخلفة وأنظمة استبدادية، ومن الطبيعي أن تظهر بين ظهرانيها التنظيمات الإرهابية وتتفشى بيننا الحروب الأهلية، وهو إذ يشير إلى فشل الأميركان في العراق بوصفه تدخلاً خارجياً خاطئاً يجب عدم تكراره! فإن مقالته تحمل الفرح المضمر والشماتة والتشفي على ما آلت إليه أمورنا، فالأفضل لنا - حسب رأيه- أن نقتل بعضنا بعضاً، بعد أن أخفقنا في تحمل اختلافاتنا، ولا يجدر بهم إلا الوقوف بعيداً والتفرج علينا وربما التصفيق لنا!

والواقع أن فريدمان مردودٌ عليه، فالغرب لم يتوقف يوماً عن التدخل في شئوننا وفقاً لمصالحه. وما يجري في مناطقنا إن هو إلا تطبيق حي وجلي لسياسة «الفوضى الخلاقة» التي تطرّقت إليها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندليزا رايس العام 2005 من أجل ما سُمّي وقتها بنشر الديمقراطية وإعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد. و»الفوضى الخلاقة» تقتضي عدم الانتظار طويلاً لتحقيق هذا الغرض، بل إحداث التغيير القسري وبكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، المعلنة والخفية، ونشر فرق الموت والإرهاب وإلغاء الحدود بين الدول وتكريس واقع جديد وحالة سياسية معينة تنتهي إلى تقسيم وتفتيت الدول العربية والإسلامية إلى دويلات على أسس دينية ومذهبية وعرقية. وقالت كوندليزا حينها: «إن قطار (الفوضى الخلاقة) سينطلق ومن سيلتحق به سينجو والهلاك والدمار لمن يتخلف عنه».

إن «داعش» هي إحدى أدوات الفوضى الخلاقة، وهي منتج محلي صرف لكن جرى تأهيله وتدريبه منذ سنوات طويلة للقيام بهذه الأدوار المرسومة، وتسهيل عبور الشباب المسلم من كل أصقاع العالم للانضمام إلى محارقه. ومن الطبيعي أن تقوم كل دولة باستغلاله وتجييره لصالحها أما عبر زرعه في جسد الوطن أو التلويح بوجوده.

فريدمان في مقاله وفي كل مقالات الرأي الغربية التي على شاكلته، يبرّئ ساحة الغرب والاحتلال الإسرائيلي والتدخل الغربي في شئون العالم العربي، بيد أن الصورة توضّحت أكثر مؤخراً بعد بزوغ «داعش»، فنحن في نظرهم أمم هالكة ومتخلفة ومنتهية الصلاحية وتحمل عوامل فنائها في داخلها، وغير قادرة على مجاراة العصر، لذا لا يضير الغرب لو استمرت حروبنا عشرات السنين سواءً عبر «داعش» أو غيرها، سيما وأنها ستضخ الملايين إلى ميزانياتهم العسكرية، والسلاح الذي يشتريه العرب من الغرب يجب أن يتوجّه إلى الداخل فقط، وتلك أهم شروط عقود بيع السلاح.

وما علينا سوى انتظار المزيد من الحروب والمزيد من استنزاف الموارد، وبيدنا لا بيد أحد آخر، وتلك أهم بركات وإنجازات «داعش».

إقرأ أيضا لـ "عصمت الموسوي"

العدد 4686 - الإثنين 06 يوليو 2015م الموافق 19 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 5:15 م

      متطلبات مواجة الفكر الداعشي

      مواجهة الفكر الداعشي لايمكن ان يقتصر على تجفيف منابعه الأيدلوجية فقط بل الأهم هو مواجهة الفساد الاداري والسياسي ونبذ التمييز الذي سمحت به سلطات دولنا ومكنت فيه هذه التيارات من السيطرة على مفاصل الدولة خاصة جهازي التربية والخدمة العامة وعشعشت فيها

    • زائر 2 | 6:39 ص

      الملكي

      داعش بوابه الغرب بما فيهم اسرائيل وهي من صنعتها للنهب ثروات العرب المادية والبشرية ؟ بمساعدة الفكر الغبي

    • زائر 1 | 6:38 ص

      مشكلتنا ليست طائفيه

      نحن مشكلتنا ليست طائفيه بل هي السلطات

اقرأ ايضاً