العدد 4686 - الإثنين 06 يوليو 2015م الموافق 19 رمضان 1436هـ

قصة الضابط الذي تجسَّس على بلده وجنَّد ابنه لصالح روسيا

«ابن الجاسوس» لبْرَيان دينسون...

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

يبدأ الكاتب الصحافي الأميركي المتخصص في التحقيقات، برَيان دينسون حكاية كتابه «ابن الجاسوس» من غياهب سجن اتحادي لتأخذ القارئ إلى اجتماعات سرية مع الجواسيس الروس في ثلاث قارات. إنها قصة واحد من كبار ضباط المخابرات المركزية الأميركية، جيم نيكولسون الذي تم إلقاء القبض عليه في العام 1996، بتهمة التجسس لحساب روسيا؛ ليدخل نادى الجواسيس المزدوجين؛ لكنه يظل ربما الوحيد الذي يحمل تلك الرتبة الكبيرة في الجهاز ويتم القبض عليه ومحاكمته؛ ليقضي فترة سجنه حتى العام 2024.

القصة المثيرة لا تنتهي هنا؛ بل تبدأ بتجنيد نيكولسون ابنه ناثان ليكمل الدور الذي بدأه؛ ولا يتردد الابن في القيام بالمهمة.

ماري لويز كيلي، من صحيفة «واشنطن بوست» استعرضت جانباً من كتاب دينسون في تقرير نشر يوم الجمعة (12 يونيو/ حزيران 2015)، نورد هنا أهم ما جاء فيه؛ مع ملحق بأشهر الجواسيس في التاريخ، وإضاءة سريعة هنا؛ قبل الدخول في استعراض الكتاب، لجانب من كتاب «تاريخ الجاسوسية العالمية»، لكل من جينو أبيتيان، كلود مونيكيه، وصدر في العام 1998، أي بعد عامين من إلقاء القبض على نيكولسون؛ حيث يشير الكتاب إلى أن فرعون مصر، الملك تحتمس الثالث هو أول من قام بتنظيم أول جهاز منظم للمخابرات عرفه العالم. وقصة قيامه حين «طال حصار جيش تحتمس الثالث لمدينة يافا ولم تستسلم! عبثاً حاول فتح ثغرة في الأسوار، وخطرت له فكرة إدخال فرقة من جنده إلى المدينة المحاصرة، يشيعون فيها الفوضى والارتباك، ويفتحون ما يمكنهم من أبواب.

اهتدى إلى فكرة شرحها لأحد ضباطه واسمه توت، فأعد مئتي جندي داخل أكياس الدقيق، وشحنها على ظهر سفينة اتجهت بالجند وقائدهم إلى ميناء يافا التي حاصرتها الجيوش المصرية، وهناك تمكنوا من دخول المدينة وتسليمها إلى المحاصرين، وبدأ منذ ذلك الوقت تنظيم إدارات المخابرات في مصر والعالم كله».

هنا جانب من استعراض ومراجعة ماري لويز كيلي.

وراثة التجسُّس والخيانة

«ابن الجاٍسوس» للكاتب الأميركي بريان دينسون، يروي القصة الحقيقية لجيم نيكولسون، أرفع ضابط في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) تتم إدانته بالتجسُّس، وأصبح بعد ذلك ضابط الاستخبارات الأميركي الوحيد الذي وُجد مذنباً بتهمة التجسُّس لصالح حكومة أجنبية، يظل وراء القضبان في السجن الاتحادي. كان لابد من المراوغة أيضاً والانعطاف؛ إذ سيواصل نيكلسون خيانته لبلاده والجهة التي يعمل لديها، بعد أن تم سجنه؛ بتهيئة وإعداد ابنه للقيام ببيع أسرار لروسيا.

مراسل صحيفة «أوريغون»، بريان دينسون، يتناول القصة بأسلوب وسرد ممتع. وبحسب ما قال، إنه بدأ الاشتغال على موضوعه في العام 2009، في قاعة محكمة بورتلاند؛ إذ لمح للمرة الأولى الرجل الذي خان بلاده وقام بالكشف عن هويات مئات من العملاء والمُجنَّدين لدى وكالة المخابرات المركزية الأميركية لنظرائهم من الجواسيس الروس. هنا صورة جانبية، وتبدو عابرة يقدِّمها دينسون لنيكلسون، الشخصية التي بدت مُخيِّبة للآمال ومُحبَطة. كما يبدو بشعْره الرمادي، وهو يرتدي زي السجن الكاكي. كان ذلك ضمن المئتي ساعة التي قضاها دينسون في مقابلات ولقاءات مع نيكلسون. كتب دينسون «أودُّ أن أغتنم مذكرة الحالة العقلية»، هذا الرجل كان يمكن أن يبدو على حق لو كان يلهو ويلعب على آلة الجاز». ولكنه لم يكن موسيقياً دمثاً أو ممن يُعتدُّ بهم، كما يقول دينسون؛ فقد بدأت جرائمه قبل 15 عاماً، عندما كان يخدم في محطة وكالة الاستخبارات المركزية في العاصمة الماليزية (كوالالمبور). وقتها كان يضع اللمسات الأخيرة للطلاق، ومارس الإضرار ببلاده من أجل المال، ولعب دور الأب الأعزب لثلاثة أطفال. تجسَّد الحلُّ لمشاكله في أن يكون نظيراً روسيَّاً رفيع المستوى عند أولئك الذين تطوَّع لديهم خيانة لبلده من أجل المال. (مقابل وظيفته الرفيعة في السي آي أيه. كانت المشاكل مادية في أغلبها. ومن قال إن العمل لصالح جهات أجنبية يكمن وراءه سبب غير المال في الغالب؟).

الوكالة حوَّلتْني إلى مجرم

تقرير دينسون يشير في بعض من فقرات كتابه - إما تفصيلاً أو مروراً - إلى أن نيكلسون لم يعش صراعاً نفسياً يتعلق بمواجهة مع الضمير لاتخاذ مثل هذا القرار. لقد حسب وربما رسخ في قناعته، أن وكالة الاستخبارات المركزية حوَّلته فعلاً إلى مُجرم: لقد تلقَّى الأوامر باقتحام المنازل وزرْع أجهزة التنصُّت. الى جانب ذلك، بحلول منتصف تسعينات القرن الماضي، كانت موسكو وواشنطن تتعاونان في مسائل الاستخبارات. ولم يرَ نيكلسون «روسيا باعتبارها بعبعَ العام الماضي».

لا، وعلى ما يبدو، لم يَرَ حاجة إلى اتخاذ الاحتياطات اللازمة الأساسية وهو ذاهب للخدمة كعميل مزدوج. في الوقت الذي لابد أنه كان يعرف بسقوطه يوماً ما تحت الاشتباه؛ إذ تعرَّض لثلاثة اختبارات كشف للكذب متتالية في خريف العام 1995 - واصل جاهداً في سبيل ملاقاة الأطراف الروسية. في سنغافورة، تمت مشاهدته وهو يتنقل دون مبالاة في سيارة تحمل لوحات دبلوماسية روسية.

وفي رحلة أخرى، توقف في زيوريخ، وفتح حساباً لتغييب رواتبه الروسية السرية. بعد ذلك دوَّن على عجل رقم الحساب على ظهر بطاقته المصرفية الجديدة، ودسَّها في محفظته.

ومن دون إثارة للدهشة، كان مكتب التحقيقات الاتحادي على مسافة قريبة منه. ألقي القبض على نيكلسون في نوفمبر/ تشرين الثاني 1996؛ بينما كان يستعد لركوب الطائرة في مطار دالاس. كانت في حقائبه الأفلام والأقراص التي تحتوي على وثائق سرية للروس، وكانت بطاقته المصرفية السويسرية مازالت قابعة في محفظته.

حاسَّة تذوُّق الخطر

أقرَّ نيكلسون بأنه مذنب بالتآمر لارتكاب عمليات تجسس وحكم عليه بالسجن لمدة 23 عاماً. وفي العام 1997 قدم تقريراً إلى سجن اتحادي في شيريدان بأوريغون والقصة بدأت هنا تأخذ منعطفاً مثيراً حقاً. ففي حين كان كتاب «ابن الجاسوس» يجمع الكثير من دراما وقصص الجاسوسية مقابل قضية التجسس نفسها، فإن الفصول الأكثر إثارة للاهتمام هي عن العلاقة بين الأب وابنه.

ورث ناثان نيكلسون ابتسامته التي تبرز أسنانه من والده وكذلك العيون الزُرْق. وكما يحكيها دينسون، ورث عن والده أيضاً حاسة تذوق الخطر.

عندما طلب الأب من ابنه تسلُّم ما تركه لدى الروس، وافق ناثان على الفور. وكان ذلك في ربيع العام 2006. حدث ذلك خلال ساعات زيارة يوم السبت في سجن شيريدان. وبحلول الخريف، كان الابن ناثان يقود سيارته باتجاه القنصلية الروسية في سان فرانسيسكو؛ حيث قدم نفسه لرئيس الأمن، وسلَّم مذكرة مختومة من والده. «وهكذا كان». يكتب دينسون أنه بعد «اثنتي عشرة عاماً من بدء جيم التجسس لصالح الروس، أرسل لهم ابنه الأصغر».

قضى دينسون نحو مئتي ساعة ملتقياً ناثان. وقد استخدم ذلك المنفذ لرسم صورة متعاطفة عن كيف أن شخصاً يبلغ من العمر 22 عاماً تم جرُّه إلى شبكة والده. نلمح هنا متواطئاً وعلى استعداد لفعل أي شيء لإرضاء والده، الذي بقي غير معقد وغامض بشكل ملحوظ حتى مع تصاعد تورطه في عمليات التجسس. (يحكي أحدهم: بعد أن سلَّم جاسوس روسي رئيسي ناثان عشرة آلاف دولار نقداً خلال مهمة في مكسيكو سيتي، اختار ناثان عدم التسكع في المدينة، وبدلاً من ذلك بقي في الفندق الذي يقيم فيه متناولاً قطعاً من «بيتزا هت» ومشاهدة فيلم لديزني).

وليس واضحاً ما إذا كان ناثان أعطى روسيا أي معلومات يمكنها أن تضر بالأمن القومي الأميركي. وليس من الواضح أيضاً لماذا اختار جيم نيكلسون أن يخون بلاده مرتين؛ أو السبب الذي دفعه إلى أن يضع ابنه في مثل هذه المخاطر، مرسلاً إياه من دون أي تدريب رسمي إلى عرين الأسد.

الإفراط في النرجسية

كتب دينسون وهو يتأمل في الأدلة، وتعامل مع فكرة «أن جيم ولد مريضاً نفسياً غير واعٍ ومسيَّر باضطراب عقلي، تماماً كدافع التشويق الذي يتيحه سحب الصوف من عيون وكالة الاستخبارات المركزية». على الأرجح، استنتج دينسون، بأن نيكلسون مفرط في نرجسيته.

لا يمكننا أن نعرف، لأن نيكلسون لا يمكنه الحديث. في حين أن ناثان (الابن) في نهاية المطاف لا يقضي حكماً في السجن، في الوقت الذي يظل والده محتجزاً. وهو ممنوع من التواصل مع ابنه أو مع الصحافيين.

في إحدى الرسائل التي رفع مكتب التحقيقات الفيدرالي السرية عنها، كتب نيكلسون إلى دينسون: «ليست لدي إجابات على بعض الأسئلة التي قد تتوقع مني معرفتها. بعض الأشياء كانت لغزاً حتى بالنسبة لي وعني».

ومن المقرر أن يطلق سراح نيكلسون في العام 2024؛ وسيكون وقتها في الثالثة والسبعين من عمره. حتى ذلك الحين، يظل الرجل في وسط هذه الحكاية الغريبة لغزاً، ربما حتى بالنسبة له.

ضوء

بريان دينسون، مراسل صحافي متخصص في التحقيقات، وكاتب مخضرم في «صحيفة أوريغونيان»، مرشح نهائي لجائزة بوليتزر في الصحافة عن فئة التقارير الوطنية، وجائزة روبرت كنيدي للصحافة، وفائز بجائزة جورج بولك، بالإضافة إلى العديد من الجوائز الأخرى. عمل كاتباً في خمس صحف يومية، بما في ذلك «هيوستن بوست»، كما كتب لمجلات وطنية، بما في ذلك «مكسيم»، «ريدرز دايجست»، و «رنينغ تايمز». غطى دينسون قضية نيكلسون كما وردت وقائعها من خلال قاعات محاكم بورتلاند، وكتابه «ابن الجاسوس» هو تتويج لدراسة استمرت خمسة أعوام. بيعت حقوق كتابه «ابن الجاسوس» في المملكة المتحدة وبولندا واستونيا، وتم شراء حقوق الفيلم من قبل شركة بارامونت بيكتشرز.


أشهر الجواسيس: فيليبي، فوخس، سورج، وريلي

هارولد أدريان روسل، اشتهر باسم كيم فيليبي، أحد أشهر الجواسيس في القرن العشرين، كان مسئولًا عن وحدة مكافحة نشاط السوفيات في جهاز المخابرات البريطانية، ولكن المخابرات السوفييتية (كيه جي بي) نجحت في تجنيده للعمل لصالحها.

انضم إلى العمل لصالح المخابرات السوفياتية، وقام بأعمال تجسس لصالحها في كل من فرنسا وإسبانيا أثناء الحرب، قبل انضمامه لفترة قصيرة للعمل في صفوف الاستخبارات البريطانية العام 1940.

يعتبر فيليبى الرجل الأبرز ضمن ما يعرف بـ «سلسلة جواسيس كامبردج الخمسة»، وعندما هرب زميلاه في الجاسوسية دونالد ماكلين وغاي بورغيس إلى الاتحاد السوفياتي العام 1951، ساء وضعه؛ لكنه سرعان ما استعاد مكانته بعد تحقيقات فشلت في إدانته، قبل أن يقرر ترك عمله في بيروت والهجرة إلى موسكو العام 1963؛ حيث بدأت تتكشَّف الأدوار التي كان يقوم بها لصالح السوفيات بعد أكثر من 23 عاماً؛ حيث ظل فيليبي يعمل لصالح الاستخبارات السوفياتية حتى وفاته العام 1988.

كلاوس فوخس

عالم الطبيعة النووي الألماني - الإنجليزي كلاوس فوخس، كان ضمن العلماء الذين يعملون في مشروع مانهاتن لصنع القنبلة الذرية الذي كانت تشترك فيه بريطانيا وأميركا، وقد أفشى أسرار المشروع كاملاً لصالح الاستخبارات السوفياتية، إضافة إلى معلومات أخرى تتعلق بالقدرات التسليحية الأميركية، لم يكن فوخس جاسوساً متمرِّساً لكن فترة 6 سنوات قضاها وهو ينقل المعلومات حول أحد أخطر القطاعات خطورة كان وحده كفيلاً لوضعه في مصاف أكبر رموز الجاسوسية.

ريتشارد سورج

شيوعي ألماني حاصل على دكتوراه في العلوم السياسية. تعرَّض للاضطهاد واضطر للعمل في منجم للفحم قبل أن تتصل به المخابرات السوفياتية لينتقل إلى روسيا ليعمل بالصحافة ويتلقى تدريبات على الجاسوسية.

أجاد سورج 5 لغات إجادة تامة في غضون أقل من 5 سنوات وقام بعمليات تجسُّس لصالح السوفيات في كل من: الصين وألمانيا النازية واليابان؛ ويعزى له الفضل في النصر الذي حققه السوفيات على الألمان وما تبعه من انهيار ألمانيا النازية، وانتحار أدولف هتلر، حين أوصى بنقل أكثر من مليوني جندي سوفياتي من سيبيريا إلى الجبهة الألمانية بعد تأكيده عدم نية اليابان مهاجمة روسيا واكتفائها بجبهات حربها مع الصين .

تم الكشف عن حقيقة نشاط سورج في اليابان بسبب خطأ ساذج؛ حيث قام بتمزيق ورقة تحتوي على إحدى المعلومات الاستخباراتية بدلاً من حرقها، تسبَّب الأمر في الكشف عن هويته وحكم عليه بالإعدام في اليابان العام 1944.

سيدني ريلي

لا تُعرف بالتحديد جنسيته ويرجَّح أنه ولد في روسيا أو أيرلندا. عمل لصالح المخابرات البريطانية، أجاد ريلي 7 لغات وحمل 11 جواز سفر بجنسيات مختلفة وتزوج أكثر من 11 امرأة.

عاد ريلي إلى لندن من إيران في العام 1917 ليمارس نوعاً جديداً من التجسُّس خلف خطوط العدو؛ حيث ذهب إلى ألمانيا وخلال ثلاثة أسابيع نجح في الحصول على معلومات مهمة عن خطط الهجوم الألمانية، كما تنكَّر في هيئة ضابط ألماني وأمضي عدة أيام في مقر للضباط في كونيغبرغ في شرق بروسيا يسجِّل كل ما يسمعه من معلومات. أما أبرز عملياته في ألمانيا فكانت حضوره اجتماعاً للقيادة العليا الألمانية كان يحضره القيصر نفسه. كما تمكَّن من إنذار الأدميرالية البريطانية عن هجوم بالغواصات الألمانية لتدمير خطوط الإمداد عبر الأطلسي.

كيم فيليبي - بريان دينسون
كيم فيليبي - بريان دينسون

العدد 4686 - الإثنين 06 يوليو 2015م الموافق 19 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً