يمكن أن تخرج من الأرض البور وردة، ولن يكون ذلك إلا بمثابة إعجاز بالنسبة لنا، نحن الذين تظل معرفتنا محدودة، وقدرتنا على التحكم في تلك البيئات لا تخلو من صعوبات وربما بدرجات تقارب المستحيل. ولكنها لن تكون كذلك بالنسبة إلى الخالق: الله جلت قدرته. لكن المتفق عليه عقلاً ومنطقاً، أنه لن يخرج من تربة وبيئة الكراهية مجتمع أو أمة متجانسة ومستقرة، منشغلة بالإنجاز، ومتفاعلة مع حركة الكشوفات والتعايش في العالم، ومنغمسة في الحب بالدرجة الأولى. أمة يتجاوز خيرها العالم، بالنموذج الذي تحياه، وتحاول أن تكون مثلاً للذين يخلون من الأمثلة والنماذج.
الكراهية مثل الأرض البور التي هي بمثابة مقبرة مفتوحة على كل ما يمكن أن يكون قابلاً للحياة، أو فيه بذرة من نمو. بؤرة لوضع حد لكل حياة أو ما يدل عليها. لم تنجز الكراهية إلا المآسي من حولنا. أمس واليوم، وكذلك غدا. لا تهديد فعلياً لكل هذه الحضارة الممتدة عبر آلاف السنين سوى الكراهية التي تفعل فعلها في إرجاع الإنسان إلى حيوانيته وبدائيته ووحشيته. ولا يستقيم ذلك مع مدنية تريد أن تستقر وتنجز وتتجدد مع مرور الوقت، كي لا تهرم وتمر بأطوار الاحتضار والانهيار.
لم تبدأ الفتن في الأرض إلا يوم قتل قابيل أخاه هابيل. كان الدم هو العنوان العريض لفتنة لن تنتهي موعودة بها البشرية، مع انهمار ذلك الدم. وكان منطلق ذلك القتل الكراهية.
بعد مئات آلاف السنين من القتل الأول، وانهمار الدم الأول، لم ينفصل الجنس البشري عن الأب الأول والأم الأولى: آدم وحواء. لم تتغير الجينات. لكن القتل لم يتوقف، وأخذ أشكالاً وصنوفاً من التفنن و«الإبداع» إذا صح التعبير، والكراهية لم تقتنع بالخراب الذي ستخلفه، في بدائية الحياة أو طور تقدمها وإنجازها المعرفي. لم تكن القنبلتان الذريتان اللتان ألقيتا على نجازاكي وهيروشيما في اليابان، مع نهاية الحرب العالمية الثانية قادمة من القرن الأول لميلاد البشرية، بل من القرن العشرين، حيث خلَّف الإنسان بيئته الأولى من الغابات والكهوف والجبال والصحارى إلى قمة ما يسمى المدنية، لكن ذلك الانتقال، وتلك القفزات، تمخّضت عن دماء وأشلاء لمئات الآلاف، وقبلها تمخضت عن أكثر من 50 مليون إنسان حصيلة تلك المدنية المتوحشة في الحرب الثانية. لم تكن القنبلتان تحملان طرود أغذية للذين طحنتهم الحرب من المدنيين، بل كانت تحمل لهم آخر اكتشاف للكراهية توصل إليه الإنسان ما قبل منتصف القرن العشرين. كراهية في أفظع وأقبح صورها.
كل ما حولنا اليوم من مشاهد الدماء والذبح والقتل والتفجير، لا يوحي بأي صورة من صور الحياة، بل يوحي بالهلاك والانهيار والسقوط الذي يُجر إليه الإنسان مثل البهيمة. الإنسان الذي كرّمه الله، واختصه من بين مخلوقاته لكي يكون خليفته في الأرض، ليخون تلك الأمانة ويتحوّل إلى قاتل وقاطع طريق ومخترع لأقصر الطرق إلى الموت والهلاك. كل ذلك مبعثه الكراهية لا الحب. مبعثه الأنانية التي بطبيعتها لا تحب الخير إلا أن يكون حصراً لها، ومثل ذلك لم ولن يكون خيراً في يوم من الأيام.
هل يكفي القول: رفقاً بهذه الأرض والإنسان أيتها الكراهية؟ إذا كان النادر من الفعل لم يأت بنتائجه، فكيف بقول لا يستسيغه ولا يطمئن له سوى الذين يجدون في الكراهية الهواء الذي يتنفسونه؟
بذلك كله، كأن الكراهية أول الطريق إلى نهاية العالم، وذلك ما يحدث اليوم.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4685 - الأحد 05 يوليو 2015م الموافق 18 رمضان 1436هـ
إنهم نموذج الفساد ومحل الكراهية
وما نرجوه ونطلبه من المولى هو أن يكفينا شرهم وبؤسهم وانحطاطهم وظلمهم الذي تأصل في حتى من يرتضون بهم........ .........
............
والكراهية معجونة فيهم، غلا مناص من تبلورها في جميع مفاصل تعاملهم مع الأرض ومن عليها ، بل حتى الهواء والماء لم ولن يسلم منهم
رائع
مقال جميل مكتوب بقلم راقي وفكر نظيف
سلمت يديك استاذة سوسن دهنيم
بوركت
{ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت أيدي الناس.}
صدق الله العلي العظيم