عندما غادر ثلاثة شباب تلال ويست يوركشاير الجميلة من أجل تفجير أنفسهم في قطارات وحافلات لندن منذ عشرة أعوام، سرعان ما أثمر الذهول الذي سيطر على الناس في هذه المنطقة، التي تتسم بالتنوع العرقي في شمال إنجلترا، رغبة في التوحد. وتشابكت أيدي أحبار يهود، وقساوسة مسيحيين، وأئمة مسلمين، ودعوا معًا إلى السلام، وفق ما ذكرت صحيفة الشرق الأوسط اليوم الأحد (5 يوليو/ تموز2015 ).
واتفقت الشرطة وشخصيات بارزة في المجتمع على التعاون في جهود التصدي إلى العنف الإسلامي. وسرعان ما نظمت الحكومة برنامج طموح لضمان عدم وقوع أي هجمات شبيهة بتفجيرات السابع من يوليو (تموز) عام 2005 التي راح ضحيتها 52 شخصًا.
بعد مرور عقد من الزمان على التفجيرات لم تتكرر مثلها. مع ذلك عندما غادرت الشقيقات الثلاث منازلهن الشهر الماضي، وسافرن إلى سوريا مع أطفالهن التسعة للعيش في كنف «الدولة الإسلامية»، أوضح رد الفعل الشعبي مدى التغير الذي طرأ على محاربة بريطانيا للتطرف.
وأشارت السلطات همسًا إلى وجود خلل ما في حياة السيدات الاجتماعية أو في البيئة المحيطة بهن. ورد أفراد أسرهن قائلين إن الشرطة هي من دفعت النساء إلى هذا الفعل اليائس. وبدلاً من أن يوحد صفوف المواطنين، أصبح رحيل الشقيقات حلقة أخرى من حلقات نقاش مجتمعي تزداد مرارته وإثارته للفرقة والانقسام حول الطرف المسؤول عن توجه المئات من الشباب المسلم البريطاني إلى الانضمام لصفوف تنظيم أعلن الحرب على الغرب. إنه نقاش وجدال يضع الحكومة في مواجهة بعض مواطنيها، ويوضح مدى عمق انعدام الثقة لدى مسلمي بريطانيا في الأجهزة الأمنية للدولة.
وقال إلياس كرماني، مستشار في مدينة برادفورد وواحد من الشخصيات البارزة في الجالية المسلمة: «ما حدث على مدى العشر سنوات الماضية هو أن الاستقطاب زاد في المجتمع. نحن لم نحقق أي شيء، بل أخذنا نكرر الأخطاء نفسها». وبريطانيا ليست وحدها في هذا الأمر؛ فقد لبى آلاف من الشباب المسلم من الدول الغربية نداء تنظيم داعش، وغادروا مجتمعاتهم التي يرون أنها فاسدة، ومنافقة، وغير متدينة من أجل بدء حياة جديدة في منطقة حرب.
وساهم متطوعون بريطانيون في أعمال العنف في الحروب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ونشأ منفذ الإعدام، الذي بات يعرف في العالم باسم «السفاح جون»، في منطقة شمال غربي لندن التي يسكن بها أفراد الطبقة المتوسطة. واضطلع بريطانيون آخرون بأدوار قيادية في حركة الشباب المجاهدين الإرهابية الصومالية، أو نفذوا تفجيرات انتحارية في شمال أفريقيا، والشرق الأوسط بما في ذلك تفجير في العراق الشهر الماضي نفذه شاب في السابعة عشر من عمره قادم من برادفورد. ومع تنامي الخوف من أن يكون تحول تركيز المتطرفين، الذين نشأوا في الغرب، نحو تنفيذ هجوم آخر على الأراضي البريطانية مسألة وقت فحسب، ازداد الجدل بشأن المسؤول عن الاغتراب والتطرف حدة.
الإجابة بالنسبة إلى كثيرين في الحكومة، تتمثل في ضرورة نظر الجاليات المسلمة إلى نفسها. وأشار مسؤولون بداية برئيس الوزراء ديفيد كاميرون ومرورًا بمن هم دونه مؤخرًا إلى حالة الثلاث شقيقات من برادفورد من أجل دفع المسلمين البريطانيين إلى القيام بالمزيد من أجل مكافحة التطرف داخل أسرهم وجيرانهم.
وهاجم كاميرون في خطاب له المسلمين الذين «يقرون» الآراء المتطرفة «بهدوء». وأشار إلى أن هؤلاء الأشخاص يمكنون الآخرين من التحول بسهولة من «مراهقين بريطانيين إلى مقاتلين في تنظيم داعش أو زوجات لأفراد التنظيم».
مع ذلك هنا في برادفورد، حيث عاشت الشقيقات في منازل من الطوب الأصفر يعود تاريخ بنائها إلى قرن مضى بين جيران يتحدثون الأردو والإنجليزية، كانت كلمات كاميرون بمثابة استفزاز. وقالت سيلينا أولا، رئيسة مجلس النساء المسلمات، وهي منظمة لا تهدف للربح في برادفورد: «يقول رئيس الوزراء إن الوقت الحالي ليس وقت الإشارة بأصابع الاتهام إلى طرف ما، لكن هذا ما كان يفعله بالضبط. كذلك هذا ما تنفذه السياسات الحكومية». وتعلم أولا السياسات الحكومية جيدًا بحكم سنوات عملها في المدينة في إطار برنامج «بريفنت» الحكومي لمكافحة التطرف، التي تصل إلى أربع سنوات. ولم يكن يقتصر هدف البرنامج، الذي تم تدشينه في أعقاب هجمات السابع من يوليو، على التصدي لظهور إرهابيين محتملين، ولكن يشمل أيضًا تفنيد حجج التطرف نفسها، وتوجيه الشباب، الذي لا يتمتع بحس مسؤولية، إلى طريق أفضل. وقال كليف ووكر، أستاذ في جامعة «ليدز» قدم استشارات إلى الحكومة في أمور خاصة بسياسات مكافحة الإرهاب: «كان يمثل برنامج «بريفنت» تغيرًا كبيرًا، ويقوم على فكرة التعامل مع أفراد على حافة الإرهاب، والسعي إلى منعهم من الانجراف، وتقديم لهم آيديولوجية أفضل. وكان هذا منحى جديدًا بالنسبة إلى المملكة المتحدة».