العدد 4683 - الجمعة 03 يوليو 2015م الموافق 16 رمضان 1436هـ

عِشْ تعيساً من أجل وطنك!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من أروع ما قاله اللاهوتي الدنماركي وفيلسوف الوجودية المؤمنة سورين كيركغارد هي هذه العبارة: «الحبّ المثالي يعني أن يحبَّ المرءُ مَنْ بسببه أضحى تعيساً»، سواء إن كان المعنى يعود لمن تلقى التعاسة أم العكس. أتذكر هذه العبارة الجميلة لأدّعي فهماً مختلفاً وأوسع لها.

فالحب المثالي، والتعاسة التي تنشأ بسببه، لا علاقة لها بحب البشر لبعضهم فقط بل هي تمتد إلى أشياء أخرى قد تكون جماداً أو قِيَماً. فالأصل في الموضوع هو أن يتنازل المرء في سبيل مَنْ يحب حتى ولو أدّى به الأمر إلى التعاسة والضجر.

من الأشياء التي يمكن للمرء أن يعيش تعيساً بسبب حبه لها هي الأوطان! نعم، فالأوطان قد تكون سبباً لسعادة الناس لكنها أيضاً قد تتحوَّل إلى مصدر تعاسة لهم. متى يُصبح ذلك متحققاً؟ يُصبح عندما تتأمّر عليهم أنظمة ظالمة فاسدة لا حرمة عندها في مال أو عرض، ثم يزيد ثمن تغييرها عن ثمن البقاء تحت ظلمها بأضعاف، وبالتالي يكون في موقع «أم الولد» التي تحافظ على حياة ولدها بدل أن يُشطَر حتى ولو عانت بسببه.

وحين يقع ذلك الشيء، فإن التفسير والوصف يكون مفزعاً. إذْ كيف يمكن أن يكون الظلم والفساد أقل ضرراً مما ينشأ عن محاربتهما، فيصبح الظالم أظلم، والفاسد أفسد.

المعادلة هنا تكمن في مجموعة تساؤلات مشروعة ومُلِحَّة: هل يستحق أنه وفي سبيل معالجة خدش في مقدمة الإبهام أن أقطع الإصبع كله؟ وبناءً على ذلك هل يستحق الاستيلاء على أرض جغرافية مساحتها 100 كيلومتر حتى ولو تهجَّر منها 80 في المئة من سكانها، وأن يُدمَّر 90 في المئة من مبانيها وبنيتها التحتية؟ ثم، هل يستحق أنه ومن أجل أن أضع علماً أرتضيه على مبنى سكني، أن يموت 300 شخص ويُجرح ألفٌ من الأبرياء كما يجري الآن في سورية أو ليبيا أو العراق؟ هذا هو الواقع.

هناك حدود للعقل، وخطوط حمراء للشرف والوطنية. نعم، قد تنشب معركة بين نظام سياسي وشعبه على مجموعة خيارات سياسية هي غاية في التناقض بين الجانبين، لكن هذه الخيارات في نهاية المطاف تحت سقف الدولة مهما كانت الظروف.

وحين يظهر أن ما يجري قد غَلَبَ ماؤه طحينه يجب أن تُضرب الفرامل فوراً ومن دون شروط. فهذه المرحلة هي مرحلة التفسّخ التام، ومجيء الفرصة السانحة لدول ليس لها مصلحة بالوطن ولا الدولة ولا مستقبله كي تضع أنوفها في الأزمات الداخلية، عبر استعارة رخيصة لأبدان أبناء البلد لكي يتقاتلوا ويسيل الدم منهم بلا حساب.

سأقول شيئاً له علاقة بما ذكرت ثم أعلق عليه. قبل مجيء الربيع العربي بسنتين أو أكثر قليلاً، قام مركز «غالوب» لقياس الرأي العام بإجراء استطلاع لافت نشرته مجلة الـ «فورين بوليسي». الاستطلاع بُنِيَ على افتراض أن الشعوب التي تحكمها أنظمة ديمقراطية هي الأكثر «ترجيحاً للسلوك السياسي السلمي»، بينما تتراجع تلك النسبة «لدى الشعوب التي تعيش تحت ظلّ أنظمة قمعيّة وشمولية».

وقد صِيْغَ سؤال الاستطلاع على النحو التالي: هل تعتقد بأن الجماعات المقهورة التي تعاني من الظلم يُمكن أن تُحسّن أوضاعها بالوسائل السلميّة؟ جاءت الإجابات لافتة. فمن قالوا نعم في الدول الأقل ديمقراطية هم الأكثر تأييداً من غيرهم، حيث صوَّت القرغيزستانيين بنسبة 77 في المئة، والهايتيين بنسبة 71 في المئة، والباكستانيين بنسبة 70 في المئة، بصوابية الوسائل السلمية في المطالبات السياسية.

وزادت الصدمة عندما قُورِنَت النتائج بدول أوروبية متقدمة مدنياً ولها تاريخ طويل في رعاية الحريات العامة وتعيش تحت أنظمة حكم ديمقراطية. فمثلاً أيَّد السويديون ذلك بنسبة 59 في المئة فقط، بينما وافق على ذلك 54 في المئة من الأميركيين لا أكثر. وهما نسبتان أقل من نِسَب الدول الأقل ديمقراطية. هذه النتائج أعطت قراءةً لأصحاب القرار لمسألة التشدد في المناطق العربية والإسلامية. وبناء على تلك الثقافة «الأفقية» يأتي السؤال الآن: لماذا كل هذا التشدُّد المتمدِّد في بلداننا العربية؟

قناعتي الشخصية، هي أن منطقة الشرق هي أميل إلى المسالمة، لكنها وبصورة عامة لديها قابلية أكثر من غيرها للتعامل مع الروحانيات والميتافيزيقيا كونها معهد الديانات الأرضية كما ذكرت في السابق، وبالتالي يمكن لأي أحد أن يُثوِّر ذلك المخزون ليتحوّل مباشرةً من الكمون إلى الظهور والانفجار. من هنا يجب أن تكون الإجابة على السؤال أكثر اتساعاً.

فهذا التثوير وصناعة صورته الإعلامية، ثم توجيهه وتوجيه مشاته على الأرض، وتزويدهم بكل ما يحتاجونه من أدوات يُضرَم من خلالها النار يحتاج إلى جهات داعمة حقيقية بكل ما له علاقة بالدعم اللوجستي. قد تقوم به أجهزة استخبارات عالمية أو دول أصغر. هذا ليس منطقاً تآمرياً بل هو شيء حقيقي وله مصاديق على الأرض.

أعود وأقول، بأن ما نشاهده اليوم في غير دولة عربية من دمار، يفرض على الجميع أن يُحبّوا أوطانهم حتى ولو جعلت حياتهم بغير ما يودون. فمنسوب الحركة ما بين المعقول والمأمول وما دونهما يمكن معالجته إذا كان هناك نسبة ولو بسيطة من الحياة وأدواتها، لكن لن يكون هناك سوى الموت إن لم يتسع الأمر حتى لشهِيقٍ واحد.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4683 - الجمعة 03 يوليو 2015م الموافق 16 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 9:43 ص

      احم احم

      بعد اتريد اتعس من هدا الحال ؟ هو احنا تعساء قبل التقشف بالتقشف شنو راح ايكون حالنا ؟
      ممكن انت ما رحت لدوائر حكومية وشفت موظف بحريني يستهزء ابك او ايميز لكن انا شفت ؟ الكارثة هدي طبيعة الانسان البحريني ؟ فانت لو غيرت الحكومة او النظام هذولة اللي منك وفيك شنو ايغيرهم

    • زائر 1 | 4:00 ص

      النتيجة

      العض على الجرح

اقرأ ايضاً