كيف سينسى أطفالنا مشاهد الدماء والأشلاء البشرية المتناثرة، والكتب المقدسة الممزقة وتلك المحترقة جرّاء انفجار هنا، أو اغتيال هناك؟
كيف لهم أن ينسوا صرخة طفلٍ في وجه قاتليه، وبكاء طفلٍ آخر ألماً لفقد والدته أو والده أو أحد أخوته وهو يردد: الآن عرفت معنى الموت؟
كيف سينسى الأطفال دموع أهاليهم وهم يشاهدون آخر الأخبار التي باتت كلّها حول الموت والحرب والإرهاب والقتل والغارات وكل ما لا يمتّ للضمير بصلة؟ كيف سينسون دمعة عجوزٍ وهي تردد: حسبي الله ونعم الوكيل، ومن حولها أشلاء ضحايا وجثة شاب لا ملامح له بعد أن طالت النيران كل جسده؟
كيف لهم أن ينسوا مشاعرهم في هذه الفترة وهلعهم وأسئلتهم البريئة التي قد لا نجد لها جواباً، وهي تستنكر قتل الأطفال والشيوخ والنساء والشباب باسم الدين أو بأي اسم آخر؟
كيف يمكننا أن نزرع لدى أطفالنا فخراً كالذي كان لدى آبائنا وأجدادنا لأنهم عرب، ويكفيهم فخراً أن يكونوا من «خير أمة أخرجت للناس»؟
كيف لنا أن نقنع أطفالنا أنهم من خير أمة، وقد أصبح بعض أبنائها يقتلون بعضهم في وضح النهار لأنهم لم يعودوا قادرين على التحلي بأخلاق رسول الأمة الذي عاش مع غير المسلمين في المدينة نفسها، وقال للمشركين في فتح مكة: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، ولم يسبِ أو يقتل حتى من كانوا يكيدون له ويؤذونه.
كيف نقنعهم أنهم من خير أمة وقد بات بعض أبنائها يبحثون لهم عن مأوى آمن في بلاد غير المسلمين، فهاجروا إليها لأنهم وجدوا فيها أماناً وسلاماً وديمقراطية ورزقاً، يفتقدونه في بلدانهم.
أسئلة كثيرة موجعة، ربما لا نعرف إجاباتها الآن بالضبط، ولكننا نستطيع التكهن بها بعد أن قرأنا الكثير عن ضحايا الحروب، وشاهدنا كيف دُمّرت نفسيات وعقول وصحة شعوب البلدان الذين عانوا حروباً واضطرابات أمنية على مر الزمن.
إن أطفالنا اليوم يعيشون تناقضات كثيرة، ولهذا لابد من الانتباه إليهم بشكل أكبر، ومحاولة الإجابة على أسئلتهم المتضاربة والكبيرة أحياناً حتى على فهمنا، خصوصاً وهم اليوم قادرون على قراءة آراء جميع المتطرفين من كل المذاهب والأديان بضغطة زر صغير عبر الأجهزة الحديثة. وحين لا يجدون التربية الجيدة التي تقيهم التطرف، وتجعلهم قادرين على الرد على كل من يدين دينهم وعروبتهم بشكل حضاري قائم على النقاش الذي يتناسب وسنهم وطبيعة فهمهم واستيعابهم، قد يتجهون يوماً لهذا التطرف على جانبيه: الكاره للدين والمغالي باسمه، الحاقد على العروبة والعرب، والمغالي بحبه لهما، وهو ما لا نريده كي لا ينتج جيل جلّ من فيه من المتطرفين.
نحن اليوم في أمس الحاجة لتعليم أطفالنا التسامح الديني والعرقي والمذهبي؛ لينعموا بالسلام والمحبة التي كان أجدادنا ينعمون بها، والتي يهاجر بعض أبنائنا عن ديارنا العربية والإسلامية بحثاً عنها.
بالحب والتسامح والتفاهم فقط، يمكننا خلق جيل يعي أن الآخر المختلف آيديولوجياً وعرقياً هو في بداية الأمر ونهايته بشر دمه غالٍ وأمنه سلامه مسئولية الجميع.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4681 - الأربعاء 01 يوليو 2015م الموافق 14 رمضان 1436هـ
واقع مؤلم
أصبتِ كبد الحقيقة المُرة
مقال جميل
شكرا للكاتبة