هل يمكن أن يلعب التسامح دوراً في معالجة مشكلة التطرف التي تسود في مجتمعنا؟ وهل التسامح مشروع يمكن أن يتحقق في بيئة قامت على أساس التشدد والتعصب، وانتهت إلى ممارسة الإقصاء للآخر المختلف وعدم القبول به؟
على الرغم من تسارع الأحداث السياسية المضطربة في منطقتنا هذه الفترة، واستمرار حوادث التفجير لبيوت الله وفي أوساط المصلين في هذا الشهر الكريم – كما حدث مؤخراً في الكويت وقبلها في المنطقة الشرقية بالمملكة - إلا أنني أحببت أن أتناول البعد الأخلاقي لمشكلة التطرف وبما يتناسب مع أجواء هذا الشهر الفضيل.
في المعالجات الاستراتيجية بعيدة المدى، من المهم التركيز على إعادة ترسيخ القيم التي تشكّل الإطار الأخلاقي للعلاقات الإنسانية، وهي ذاتها ما تهدف إليه رسالات السماء، حيث إنها تعني إيجاد ضمانات من أي تجاوز واعتداء، بحيث تجعل من الضمير أداةً رقابيةً ذاتيةً تكبح حالة التعدي والطغيان والتجاوز على حقوق الآخرين.
التسامح في مفهومه التقليدي هو العفو عن الخطأ الواقع من الآخرين وعدم الرغبة في إيذائهم، ولكن المقصود هنا هو المفهوم الحقوقي بمعنى القبول بالآخر المختلف والاستعداد للدفاع عن وجوده وحريته. وجاء في قاموس «اللاروس» الفرنسي أن التسامح يعني احترام حرية الآخر وطرق تفكيره وسلوكه وآرائه السياسية الدينية. وجاء في قاموس العلوم الاجتماعية أن مفهوم التسامح يعني قبول آراء الآخرين وسلوكهم على مبدأ الاختلاف، وهو يتعارض مع مفهوم التسلط والقهر والعنف، ويعد هذا المفهوم إحدى أهم سمات المجتمع الديمقراطي.
إن التسامح بهذا المفهوم الحقوقي والإنساني الشامل هو الحل الاستراتيجي الأمثل لمعالجة حالة التطرف والفكر الأحادي القمعي، وما يتبعه من سلوكيات وأعمال تقود إلى التكفير والتخوين والصدام وممارسة الإرهاب ضد الآخر المختلف، أياً كان مجال الاختلاف.
ويقول جون لوك في كتابه «رسالة في التسامح» إن «التسامح جاء كرد فعل على الصراعات الدينية المتفجرة في أوروبا، ولم يكن من حلٍّ أمام مفكري الإصلاح الديني في هذه المرحلة التاريخية، إلا الدعوة والمناداة بالتسامح المتبادل والاعتراف بالحق في الاختلاف والاعتقاد».
وفي الحلقة الجميلة والمؤثرة التي عرضها أحمد الشقيري في برنامجه المتميز «خواطر» حول التسامح، قدّم لنا تجربة ثرية من محيطنا الخليجي، حيث استشهد بالتجربة العمانية في تأصيل ونشر ثقافة التسامح الديني في المجتمع. ونستنتج منها التأثير المباشر لنشر ثقافة التسامح على استقرار المجتمع، وقبوله بالتنوع المذهبي والفكري، والابتعاد عن اللجوء إلى التطرف والعنف.
إننا في أمس الحاجة إلى القيام بإطلاق مشروع وطني شامل لتعزيز التسامح في المجتمع، يعتمد على نشر ثقافة القبول بالاختلاف والتنوع والتعامل مع ذلك ليس من منطلق الأفضلية والتعالي، بل على أساس الاحترام المتبادل. وتندرج في ذلك مختلف مستويات التربية والتعليم ومجالات الثقافة والإعلام، وترشيد الخطاب الديني المتشدد، ووضع قوانين داعمة لضمان استمرار هذا النهج.
ولعل هذا الشهر الكريم وأجواءه الروحانية، يمكن أن يكون فرصة لمثلى لإطلاق مبادرات أهلية تدعم مثل هذه التوجهات والبرامج كي تساهم في لجم التطرف والانعتاق منها إلى رحاب الحرية والتسامح والاحترام المتبادل.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الشايب"العدد 4680 - الثلثاء 30 يونيو 2015م الموافق 13 رمضان 1436هـ
ا
.....نحن لا نعرف جون لوك نحن نعرف الله ونبينا محمد (ص) الا يوجد في ثقافة نبينا محمد (ص)
.....