عزا نائب رئيس مجلس الأمناء المدير التنفيذي لمركز عيسى الثقافي الشيخ خالد بن خليفة آل خليفة «ما نراه اليوم من تحديات متمثلة في العنف غير المعهود والطائفية المتفشية؛ تعود إلى ذلك الفراغ السياسي والديني الحاصل والمتروك منذ فترة طويلة وما نتج عنه من أزمة ثقافية شاملة في الوطن العربي ككل».
وشدد الشيخ خالد في لقاء مع «الوسط» جرى في مكتبه في مركز عيسى الثقافي في الجفير على أن «ثقافة التسامح والسلام والتعايش برزت من خلال احتضان مركز عيسى الثقافي جلسات حوار التوافق الوطني وغيرها من اللجان المعنية بإزكاء روح التسامح بين مختلف أطياف المجتمع البحريني الواحد وتعزيز الوحدة الوطنية».
وأوضح أن «القارئ البحريني ما يزال من أفضل القراء و لديه ارث حضاري ينطلق منه، ولكن في ظل الحديث عن التحول الرقمي والالكتروني، فإننا لا نتحدث فقط عن المواطن البحريني، فالعالم الآن قرية صغيرة ومعظم الشعوب تتشابه في نقطة القراءة والإقبال على الكتب الإلكترونية».
وفيما يلي نص اللقاء معه:
لنبدأ أولا بواقعنا الكبير الذي تعيشه الأمة العربية، ألا تعتقد أننا نعيش أزمة إنسانية وثقافية قبل أن تكون دينية وطائفية، لنأخذ مثلا التفجيرات الإرهابية في الكويت التي حدثت قبل يومين، ألا تعبر عن أزمة في التفكير الإنساني فعلا؟
- المنطقة عاشت فترة طويلة في فراغ سياسي وديني، الأمر الذي سمح لأطراف خارجية أن تملا هذا الفراغ، ونتج عن ذلك أزمة ثقافية شاملة في الوطن العربي ككل، وكل ما نراه اليوم من تحديات متمثلة في العنف غير المعهود والطائفية المتفشية تعود مرة أخرى إلى ذلك الفراغ الحاصل والمتروك منذ فترة طويلة.
لا يوجد حل إلا بالتوعية بما نملك من دين وأعراف وتقاليد راسخة، أما ما أتى من الخارج في أشكال متعددة مثل داعش والقاعدة وغيرهما فهي ليست وليدة المجتمعات العربية، بل هي مستوردة لتهاجم كياننا العربي، فكل ما هو موجود الآن يحارب ليس العرب أو المسلمين بل يحارب الإسلام.
دعنا ننتقل إلى المكان الذي نحن فيه الآن، فقد تم اختيار مركز عيسى الثقافي مكانا للحوار الوطني بين المكونات الوطنية خلال السنوات الفائتة. ألا تعتقد أن المركز يمارس دورا وطنيا يتخطى دوره الثقافي؟ وكيف تجد ذلك؟
- بالعكس تماما، يجب أن نستوعب أن للثقافة أبعادا واسعة لا تنحصر في الفن والتراث وما شابه فحسب، بل هي أعمق من ذلك بكثير، فكما ذكرنا فالثقافة هي أسلوب حياة، ومنها نستخلص ثقافة التسامح والسلام والتعايش التي برزت من خلال احتضان مركز عيسى الثقافي جلسات حوار التوافق الوطني وغيرها من اللجان المعنية بإزكاء روح التسامح بين مختلف أطياف المجتمع البحريني الواحد، وتعزيز الوحدة الوطنية، كاللجنة الوطنية المعنية بمتابعة تنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق. ناهيك عن احتضان المركز حوار التوافق الوطني الثاني الذي كان وبإجماع معظم من شارك في الحوار بأن مركز عيسى الثقافي هو المكان الأنسب لقعد مثل هذه الجلسات التوافقية.
وامتد دور المركز ليكون مقرا للعديد من المناسبات الوطنية الهامة، حيث كان المركز مقرا للمركز الإعلامي لتغطية الانتخابات النيابية والبلدية، وكذلك أصبح المقر الرسمي لعقد دور الانعقاد للفصول التشريعية للمجلس الوطني.
لقد مضى على تأسيس مركز عيسى الثقافي قرابة 8 سنوات. ما الخدمات التي يقدمها المركز؟
- تنبع الخدمات التي يقدمها مركز عيسى الثقافي من منطلق أهدافه التي نص عليها الأمر الملكي رقم 18 لسنة 2008 القاضي بإنشائه، والتي تترجم في فضاءاته الرئيسية الثلاثة (مركز الوثائق التاريخية، المكتبة ألوطنية ومركز المؤتمرات)، فهناك خدمات تحقق أهدافا تتعلق بالقراءة والكتب والمطبوعات في مختلف حقول المعرفة والثقافة والتي تدخل في صميم خدمات المكتبة الوطنية ومهام أخرى تتعلق بجانب العناية بالتراث والتاريخ الحضاري للبحرين والأمة والتي تشكل أساس مركز الوثائق التاريخية، بالإضافة إلى تسخير كل قاعات وصالات المركز في إقامة الأنشطة والفعاليات والمعارض المكملة لمهام المكتبة الوطنية ومركز الوثائق التاريخية، فضلاً عن فعاليات تتعلق بحوار الثقافات والحضارات وتشجيع الإبداع الفكري، وعليه فإن هذه الخدمات تستهدف نشر العلم والثقافة والمعرفة وتعزيز المستوى الفكري لدى مختلف شرائح المجتمع سواء الباحثين أو المهتمين المواطنين والمقيمين وغيرهم.
هل تطورت الخدمات التي يقدمها مركز عيسى الثقافي خلال هذه السنوات؟
- من الطبيعي أن يواكب المركز كل تغيرات المحيط المجتمعي، وهذا لا يشمل البعد التقني فحسب، بل يطال جانب الذوق العام، والذي ينعكس جلياً في نوعية الأنشطة والفعاليات التي يقدمها المركز عموما، فعلاوة على ما يقدمه المركز من خدمات تتعلق بالجانب الثقافي والعلمي والأدبي، فقد أضحى المركز منذ 2011م حاضناً للعديد من الفعاليات التي تدخل في صميم الثقافة السياسية ونشر ثقافة التسامح والسلام المجتمعي، وتأريخ ذلك وتوثيقه، بالإضافة إلى توجه المركز في الفترة الأخيرة نحو تفعيل دور العلاقات الخارجية والتعاون الثقافي الفكري الدولي من خلال إقامة المحاضرات والندوات والمعارض بالتعاون مع مراكز ومؤسسات محلية وخليجية ودولية، وذلك سعيا منا نحو إظهار الصورة الحقيقية المنفتحة والمشرقة لمملكة البحرين، فضلاً عن الخدمات التي تؤصل وتوثق التاريخ الريادي للبحرين في مختلف المجالات، وبالتالي يعتمد تطور خدمات مركز عيسى الثقافي على المجتمع بالدرجة الأولى، وبذلك نكون مواكبين لتطلعات الجمهور بما يحقق ويعزز مكانة البحرين الفكرية.
وقد أصبح المركز عضوا مؤسسا في تحالف عاصفة الفكر، المبادرة التي أطلقها مركز الامارات للدراسات و البحوث الإستراتيجية بأبوظبي والذي يعتبر أول تعاون رسمي بين مراكز البحوث والدراسات والثقافة اقليميا لتكون سندا لمتخذي القرار الاستراتيجي. وسيكون أول لقاء ونشاط لهذا التجمع في اول من سبتمبر المقبل في ابوظبي.
من بين المساحة الكبيرة التي يخصصها مركز عيسى الثقافي للكتاب عبر المكتبة الوطنية وكذلك فعالياته وأنشطته الثقافية، أين يقع كتاب الطفل وفعالياته في تلك المساحة؟
- هناك حزمة من الخطط لرعاية الطفل في مختلف المجالات الثقافية التي تخصه، ولدينا قسم خاص بكتاب الطفل وألعابه الفكرية وأنشطته المناسبة له في المركز والمكتبة الوطنية، أما الخطط التي يعمل عليها المركز في هذا الصدد فهي تبدأ بالنشاط الصيفي الذي سيكون مركزا على تنمية ثقافة القراءة للطفل، وخلق إبداع وخيال مع الأطفال لتنمية شخصيتهم بما يخدمهم في المستقبل، ويخدم الوطن على المدى البعيد.
الثقافة التي ننشدها بالنسبة للطفل، تهتم بتنمية القراءة وحب العمل وتنمية الوعي بالإنتاجية وأهمية الطفل في مجتمعه.
إضافة إلى ذلك سوف تكون هناك مسرحيات وأنشطة متعددة تصب في هذا المجال، وسوف يتبنى المركز مسرحيات من تأليف وتمثيل الأطفال تعكس نمط تفكيرهم ونظرتهم للبيئة المحيطة بهم.
هل تعتقد أن المواطن البحريني ما يزال قارئا نهما للكتب، وخاصة في ظل التحول الرقمي والالكتروني؟
- القارئ البحريني من أفضل القراء ولديه ارث حضاري ينطلق منه، واعتقد انه استلهم القراءة على الألواح الالكترونية، ولكن في ظل الحديث عن التحول الرقمي والالكتروني فإننا لا نتحدث فقط عن المواطن البحريني، فالعالم الآن قرية صغيرة ومعظم الشعوب تتشابه في نقطة القراءة والإقبال على الكتب الالكترونية.
ومع تسارع وتيرة الحياة العملية والاجتماعية والتطور التكنولوجي الملحوظ، أصبح من السهل جدا الحصول على كتب ومجلدات وقرائها من خلال الألواح الكترونية أو الهواتف الذكية المحمولة. وهذا لا يعد عزوفا عن الكتب المطبوعة ولكن الناس دائما تختار الأسهل والأيسر والأسرع وما يناسب احتياجاتهم.
ولكن المشكلة في توافر الكم الضخم غير المحدود من المواد للقراءة على الصفحات الالكترونية ما يجعل الاختيار الصحيح والمفيد من المعلومات أمر في غاية الصعوبة وخاصة في ظل توافر المزايدات والتفاهات، ولذلك سيبقى الكتاب المفضل عند الكثيرين وسيكون عزيزا على اغلب القراء.
ولذلك لا يزال هناك جمهور كبير ممن يتمسكون بالكتاب المطبوع ويعتبرونه خير جليس، والمكتبة الوطنية بمركز عيسى الثقافي تستقبل يوميا العديد من الزوار والمراجعين بالإضافة إلى طلبة المدارس والجامعات. واليوم طلاب الجامعات هم من اكثر رواد المكتبة الوطنية مما دفعنا لتوقيع اتفاقية تعاون مع جامعة البحرين لإيجاد سبل افضل لخدمة طلبة الجامعات.
من الأهداف التي يشجع عليها مركز عيسى الثقافي، دعم الإبداع الوطني والثقافي على الصعيد الوطني. ما الدور الذي يقوم به المركز لدعم الباحث والمؤلف البحريني؟
- بداية، هناك بالمكتبة الوطنية بمركز عيسى الثقافي قاعة خاصة تسمى قاعة المطبوعات الوطنية والتي تضم كل ما كتب عن البحرين أو مؤلفات قام بكتابتها بحرينيون سواء كانت كتبا أو رسائل ماجستير أو أطروحات دكتوراه وهذا يعد تشجيعا ودعما للإبداع الوطني والثقافي.
ولا يقتصر دور المركز على ذلك فحسب، فقد قام المركز وبالمشاركة مع كتاب ومؤلفين بحرينيين بتدشين كتب ومؤلفات بحرينية، كذلك إقامة العديد من الأنشطة والفعاليات الداعمة للشباب في مجالات الرسم والإبداع الفني، ومجالات الشعر وكتابة التقارير والقصص الروائية، وغيرها من المسابقات الثقافية والفنية الهادفة، فضلا عن دعم ورعاية المركز العديد من المهرجانات الفنية ذات الصلة بالتراث والثقافة الوطنية.
وستنظم المكتبة الوطنية عن قريب ركنا خاصا شهريا لكل مؤلف ومفكر بحريني يعرض فيه مؤلفاته وبعض مقتنياته من الكتب في خطوة هامة للاحتفاء بمفكرينا. كما يكرم المركز كل عام في يوم الكتاب الدولي احد المؤلفين البحرينيين، وهذا العام كرم المركز منى الزياني كأول مؤلفة كتاب بحرينية.
ما أبرز الجهات الوطنية والخارجية التي يتعاون معها مركز عيسى الثقافي؟ وفي أي المجالات؟
- يعتبر مركز عيسى الثقافي مركز وطنيا منفتحا على مراكز الفكر على الصعيد المحلي والإقليمي والعالمي. أبواب المركز مفتوحة لكافة المؤسسات الرسمية والأهلية وكذلك الأفراد الممارسين للعمل الثقافي والعلمي والفكري، ما دامت نوعية الفعاليات أو المشاركات تتوافق مع أهداف المركز. أمثلة للجهات الوطنية (جامعة البحرين، ومجلسي الشورى والنواب، قوة دفاع البحرين، معظم وزارات المملكة بشكل عام وغيرها...).
أما على الصعيد الخارجي فهناك العديد من اتفاقات وبروتوكولات التعاون الموقعة مع عدد من المؤسسات كدار الملك عبدالعزيز بالمملكة العربية السعودية، مكتبة الإسكندرية بجمهورية مصر العربية، جامعة سيدي محمد بن عبدالله في فاس بالمغرب، وكل من وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، ومركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، والأرشيف الوطني بدولة الإمارات العربية المتحدة. اضافة الى توقيع اتفاقات تعاون مع سفارات عربية وأجنبية لتوطيد التعاون الثقافي مع دولها.
ومجالات التعاون هذه تتركز أساسا على التعاون الثقافي والعلمي وتبادل الخبرات العملية والمهنية وإقامة الفعاليات المشتركة.
منذ صدور الأمر الملكي السامي بتعيينكم نائباً لرئيس مجلس أمناء «مركز عيسى الثقافي» ومديراً تنفيذياً له في فبراير/ شباط 2015. كيف تجد حجم المسئولية الوطنية في هذا الموقع، وخاصة مع الثقة الملكية التي أوليتم إياها من العاهل؟
- أود بداية وقبل كل شيء أن أتقدم إلى سيدي صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى بالشكر وعظيم الامتنان على الثقة الملكية السامية التي شرفني إياها بتوليتي هذا المنصب والذي أعتبره تكليفا وتكريما وأسال الله أن يعنّي على تأدية مهامي.
المسئولية ليست سهلة، فمركز عيسى الثقافي ليس كبقية المراكز الثقافية، فمن الناحية المكانية، المركز يحتوي على المكتبة الوطنية والتي تتكون من 5 طوابق والعديد من القاعات المتخصصة، بالإضافة إلى مركز مؤتمرات كبير يضم كذلك العديد من قاعات المؤتمرات وصالات العرض، كما يضم المركز أيضا مركز الوثائق التاريخية الذي يحتوي على عدد كبير من الوثائق والمخطوطات التي تخص مملكة البحرين ودول الجوار. ولكن الأهم هو الناحية الثقافية، فالثقافة مجالها واسع وغير محدود ولذلك تغطية كل جوانب الثقافة سيكون شبه مستحل. وهي أسلوب حياة شامل تمس كل نواحي حياتنا بداية من السياسة و الاقتصاد والادب والمجتمع والشعر... إلخ.
والتحدي المقبل هو تفعيل دور هذه الفضاءات لخدمة الثقافة والرقي على الصعيد الداخلي والخارجي. فنحن هنا نتحدث عن بناء عقول وإعداد جيل واع فكريا علميا وعمليا، قادر على تحمل مسئولية بناء الوطن بكل أمانة وإخلاص، في جو يسوده التكاتف والتآزر من كافة أطياف الشعب، لنكون بذلك نموذجا إنسانيا راقيا ليس على المستوى المحلي فحسب ولكن على المستوى العالمي. فهذه هي الأمانة التي نحملها على عاتقنا في تحقيق تطلعات القيادة الرشيدة.
هل هناك مبادرات وطنية جديدة سيقوم بها المركز من أجل تعزيز مكانة البحرين على الساحة الثقافية؟
- نعم، هناك مجموعة من المبادرات التي نسعى من خلالها الى إعلاء اسم البحرين ثقافيا وفكريا، فنحن في هذه المرحلة سنركز على مبدأ تأريخ وتوثيق الأحداث والمناسبات التي تؤكد على المسارات الرئيسية للمملكة، وخصوصا في باب نشر ثقافة التسامح والسلام لمواجهة التيارات السلبية الناتجة عن التحديات والتغييرات الإقليمية، كما نسعى لإيجاد مبادرات تعاونية من خلال الشراكة مع مختلف المؤسسات والمراكز الفكرية والثقافية المحلية والعالمية في الاستفادة من مبدأ تبادل الخبرات عبر إبرام وتوقيع الاتفاقات ومذكرات التعاون والتفاهم التي ستنعكس مخرجاتها على تعزيز نوعية وجودة الخدمات التي يقدمها المركز بشكل عام، مع الأخذ في الاعتبار المبادرات التي تتعلق بالطفل والناشئة وتنمية مهاراتهم في التفكير والإبداع والإنجاز، لنكون بذلك مساهمين في بناء لبنة المجتمع بشكل سليم وفي جو خال من العوائق التي تمنع عجلة التنمية التي نسير في ركبها جميعا، والاستفادة عملياً من النماذج الناجحة على المستوى الداخلي والخارجي لإيجاد تلك البيئة.
يعتبر مركز عيسى الثقافي مركزا وطنيا بارزا. شخصيا ما تطلعاتك للرقي بالمركز وأعماله وأنشطته؟
- إن تطلعاتنا نابعة من رؤية جلالة الملك المفدى التي أرادها للمركز بأن يكون كما كانت البحرين منذ فجر نهضتها مركز إشعاع حضاريا، منفتحاً على مراكز الفكر الرصين في العالم، ومستوعبا كل جديد ومفيد من العطاء الإنساني، وأن يبقى رمزا على مر الزمن لتقدم البحرين ورقيها...».
وبلاشك أتطلع أن يكون المركز مظلة للمثقفين البحرينيين وملتقى فكرهم الذي من خلاله يتم ايصال هذا الفكر للمراكز الحضارية والثقافية في العالم.
العدد 4679 - الإثنين 29 يونيو 2015م الموافق 12 رمضان 1436هـ