قد يخطئ المرء أو يخونه ذكاؤه، ويأخذه إلى حيث لم يقصد من القول أو الفعل، ولكن الإنسان السوي، لا يتكرّر ذلك منه مراراً، وإلا أفصح بذلك عن أنه قال وفعل، بما في حقيقة مخزون وجدانه، وبذلك فإنه مردودٌ إليه أو عليه في حال أصاب أو أخطأ.
ونخص بالحديث هنا أولئك، مدّعي العلمانية ومدّعي الليبرالية، المشوّهِين لمفهوم الدولة المدنية الحديثة، جراء علومهم حد القشرة من الفكرة والمعايير، أو نتيجة السباحة مع التيار وإلى أينما أخذهم، وكذلك المتزمتون من الدينيين، في كل المذاهب، المنتمون إلى فكر الأزمنة السحيقة الغابرة، إذ يجتمع كل أولئك في العامل المشترك، من التطرف، الذي هو الطريق إلى الهاوية لكلا الطرفين، اللذين يلتقيان، إما من حيث يعلمون ويخبثون للمصلحة، وإما أنهم لا يعلمون على الصعيد العملي، بما هو أبعد من أرنبة أنوفهم. ويتبجح الفريق الأول بالنظريات السفسطائية، ويسحب الفريق الثاني أذيال دهره في فتاوى الغرق في كهوف الظلام، لتحتدم بين الفريقين المجادلات العقيمة، التي لا تأخذهم إلا إلى كراهية الآخرين، والتحريض على بغضهم، بما يرميهم وهم يرومون، حجر عثرة للجمود في الوضع السياسي والحقوقي والاقتصادي والاجتماعي، بما يخدم أنظمة الاستبداد، ويشجّعها على الإتيان بمظالمه من حيث جهوزية وانشغال الساحة الشعبية بالفرقة والكراهية.
في هكذا وضع سياسي على الصعيد الشعبي، متنافر الأقطاب، مشوب بالكراهية والرفض للآخر، فيه المتطرف السياسي الإسلامي يكفّر العلماني، والمتطرف العلماني يرى أن الدين والإسلام السياسي، فيه نحرٌ للدولة المدنية والحقوق المدنية والسياسية، فكلا هذين المتطرفين يخوضان نزاعاً، يرى كلٌّ منها فيه أنه فرعون، ويرى الآخر أنه قراقوش.
هذه النوعية من الصنف السياسي، تجد كل التشجيع والحماية من قبل السلطات، التي تتيح لها المنابر المحمية من خلال غض طرف القوانين عنهم، وإن تمّت شكايتهم أفلتوا من العقاب، وهما بالإضافة إلى فريق ثالث من المبرورين من السلطات والمُوَجَّهين، وغيرهم تابعون هم أقلية في المجتمعات الواعية، إلا أنهم مسنودون باستغلال السلطات لأجهزة ومؤسسات الجبر والعقاب الرسمية، التي أسلم بها المواطن لكي تحفظ السلطات حقوق جميعهم وتصونهم، كما هو مرسوم في دستور الدولة المدنية الحديثة.
ففي الدولة المدنية الحديثة، يتوافق الشعب مالك زمام أمره، مع نظام الحكم الذي يرتضيه، ويبني القواعد الأساسية التي يقوم عليها نظام الحكم والنظام السياسي لإدارة الدولة، في وثيقة عهد هي الدستور، الذي فيه الشعب هو الأصل والمصدر لجميع سلطات الدولة، ينتخبها ويراقبها ويحاسبها، ويعفيها ويبدلها، بتفويض سلطات الدولة، كلاً في اختصاصها، الرئاسية/ الملكية، والتشريعية والقضائية والتنفيذية (الحكومة). وفي حال المملكة الدستورية كما هي حالنا في البحرين، فهناك رئيس للدولة، عليه واجب حماية الدستور، وحماية لزوم الارتهان إليه من قبل جميع السلطات، وبما لا يخالف نصوصه، لأي سبب كان، ولذلك يحمى الدستور الملك أيضاً بالصون الملكي، الذي لا ينزله إلى معترك السياسة، من أجل أن يكون على مسافة واحدة من جميع السلطات ومن جميع مكونات الشعب الدينية والمذهبية والعقائدية والفكرية والسياسية، بما يضعه في حالة القبول العام من قبل الجميع وقبول جميع أحكامه وقراراته، بما يتيحه له الدستور من مهام وحقوق ملكية.
ثم تأتي السلطة التشريعية، التي تشرّع القوانين، وتراقب تنفيذها بما لا يخرج عن الدستور، ومبادئه في حرية وكرامة المواطنين، والمساواة بينهم أمام القانون وفي الحقوق والواجبات، ثم تأتي السلطة القضائية التي تحكم بين الناس وبعضهم البعض، وبين السلطات وبعضها البعض، وبين الناس والسلطات، وبين جميع مكوّنات المجتمع سواء الرسمية أو الفردية أو الجماعية، وفي جميع الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية، وكل ما يلزم الفصل فيه بحسب القوانين.
ثم تليها السلطة التنفيذية، التي تقوم بدور رسم الخطط لخدمة المواطنين والمجتمع، في جميع مجالات الحياة، بما يحقق مبادئ الدستور في صون الثروة الوطنية، واستثمارها في مصلحة المواطنين ولجميع الأجيال، وتخصيصها لمنافع المواطنين بالتساوي، دون التفرقة لأيّ سببٍ كان، وهي في ذلك تقوم بدور الوكيل المدير، تتقاضى أتعاباً معلومة لقاء الإدارة، وتخضع لتنفيذ سياسات وقرارات مفوّضي الشعب، المتمثلين في السلطة التشريعية، بما يشرّعون من مهام وتوكيلات للحكومة، من حماية المجتمع من الجريمة، والحفاظ على السلم الأهلي، وتمثيل المجتمع من خلال النيابة العامة أمام السلطة القضائية. جميع هذه السلطات مستقلةٌ عن بعضها ولا تخضع إحداها للآخر في حال من الأحوال، وإلا حق إبدالها.
ومتى ما اكتمل بناء مؤسسات الدولة هذه، تشاركت مسئولية إصدار الأوامر لقوى الأمن والجيش، للقيام بمهامها الداخلية المعتمدة على استخدام القوة اللازمة بحسب تقرير السلطات المعنية لمستوى الحالة، هذه التعليمات والأوامر، تتطلب نصاً دستورياً يشترط القرار بالإجماع، لرئاسات السلطتين التشريعية والتنفيذية، وقيادة كل من الأمن أو الجيش حسب القوة المستخدمة، وموافقة السلطة الملكية/ الرئاسية.
وهكذا في الدولة المدنية الحديثة، التي تسود فيها المواطنة المتساوية، تقوم السلطات بدورها الحقيقي في تحقيق العدالة والحرية والمساواة والأمن والطمأنينة، وتوفير العلم والتضامن الاجتماعي وتكافؤ الفرص بين المواطنين، وفي حفظ المجتمع من الجهل والفاقة والفرقة، وحفظ حقوق المواطن المدنية والسياسية، وتصون الملكية ورأس المال، وتوفّر فرص العمل، وتحمي المعتقدات الدينية وأماكن العبادة، وتصون وتدعم مؤسسات المجتمع المدني، وتوكل لها مهامها بما يرفد عمل المؤسسات الرسمية في الدولة...إلخ.
متى ما حققت الدولة كل ذلك، لا يتبقى عليها إلا حماية أفراد المجتمع من تعديات بعضه على بعض، بما لا يجعلها تناصر هذا على ذاك، وإلا انخرط عقد الدولة المدنية الحديثة، بما نرى اليوم من تباغض وتنافر بين بعض من مكوّنات المجتمع، ومناصرة الدولة للبعض ومعاداتها للبعض الآخر من المواطنين، بما أوصلنا إلى عنق الزجاجة لأزمة البحرين، التي كان حلها أسهل بكثير على أثر تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، عوضاً عن كل ما تم هدره من أموال ميزانية الدولة، للصرف على بعثات محلية ووافدة أساءت إلى البحرين في المحافل الدولية، وللصرف على ما يدعو بعض الوزارات لتضاعف ميزانيتها بدعوى الحاجة لحفظ الأمن، الذي ما أسهل تحققه، لو قامت الجهات المعنية بتطبيق الدستور وخاصة المادة (4) «العدل أساس الحكم...»، ومواد الباب الثالث من الدستور-الحقوق والواجبات، من المادة (17) الى المادة (31)... لكانت البحرين بألف خير.
إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"العدد 4673 - الثلثاء 23 يونيو 2015م الموافق 06 رمضان 1436هـ
شباب وشابات زائر 3
من النووع الي يحقد على جمعية الوفاق وجمعيات الحق الي مع الوفاق الي اتخاف على شعبه ووطنهه وهاده الشخص تعليقاته فى كل المواضيع عن الجمعيات وعمره ما انتقد الحكومة والنواب فى معاملتهم القاسيه على الشعب انتبهوا الى تعليقاته كله ضد جمعية الوفاق
الشعب مصدر السلطات هذا عماد الدولة المدنية
فهل سعينا فعلاً لتأسيس هذا الشعار أو أسسنا جمعيات مذهبية نريدها هي مصدر السلطات السنية تريد هي المصدر والشيعية كذالك لماذا لم نؤسس جمعيات من كل فئات الشعب حتى فعلا تمثل النموذج للشعب المصغر وتكون فعلا مصدر السلطات
الفرصة ماتزال قائمة أمام الشعب لانشاء الدولة المدنية الحديثة
فهل ننشا أساسها الصحيح والوحيد وهي الجمعيات المدنية الوطنية التي تقبل الجميع من كل الاتجاهات وكل الديانات وكل المذاهب وكل الأفكار كلهم ينصهرون في هذه الجمعيات ويكون المعيار الوحيد فقط الكفاءة لا غير وكل واحد يبقى على مايؤمن هذه حرية شخصية محترمة المهم يكون خادم للشعب كله يذهب إليه في أي بقعة
اذا؟
لماذا كل هذا؟ وهل العدل جريمه؟لماذا الفرقه؟هل فرض علينا انا نعيش عبيد وساده؟ علينا واجبات وليست لنا حقوق؟العدل اساس الحكم فقط شعار الي ان يخلص النفط وتجتاح البلد الازمات حينها سيتذكر الساده العبيد لكي نبقي عبيد الي الابد