تنافس كبير بين القنوات الفضائية لإنتاج المسلسلات الرمضانية
هل تحول شهر رمضان المبارك إلى سباق محموم بين القنوات الفضائية العربية بحيث أصبح هذا التنافس يقود لتقديم مستويات من الأعمال التي لا تناسب الشهر الفضيل ولا غيره من الشهور؟ وهل التنافس لنيل نصيب الأسد من المشاهدين يبرر عرض مسلسلات وبرامج فيها من الإسفاف والقصص الرخيصة التي تسيء للمشاهد أصلاً؟
إن الحصول على أكبر حصة من المشاهدين يعني وضع القناة على خريطة المعلنين وبالتالي ضمان الاستمرار في المنافسة حتى الموسم المقبل، ولهذا فتحت منتديات (ستازتايمز) ملفاً حول الموضوع رصدت فيه لجوء بعض القنوات الفضائية لشراء حقوق بث بعض الأعمال المتميزة أو التعاقد مع عدد من نجوم الصف الأول أو الكتاب لحصر ما يقدمونه على شاشاتها، فيما تلجأ قنوات أخرى لامتلاك حق العرض الأول أو المشاركة مع غيرها من قنوات في عرض عدد من الأعمال الرمضانية.
تردٍ واضح في المحتوى
ويكمن خلف تحويل شهر رمضان المبارك إلى مهرجان سنوي لتقديم الأعمال التلفزيونية سبب أساسي وهو أن نسبة مشاهدة التلفزيون ترتفع في هذا الشهر، وهو ما تنبه له المعلنون فأخذت المساحات المخصصة للإعلان ترتفع سنوياً ويرتفع معها ثمنها، كما ظهرت أنماط تسويقية جديدة مثل حق الرعاية البلاتينية والذهبية والفضية التي يدفع المعلن مقابلها ليختار أوقات بث إعلاناته بحسب البرنامج أو الوقت الذي يختار رعايته.
وبالمقابل تحول التلفزيون خلال شهر رمضان المبارك إلى أداة تسويقية بالدرجة الأولى على حساب الترفيه ما أثر بالتبعية على طبيعة الأعمال المقدمة خلاله، فهناك تنافس محموم لإنتاج الأعمال التلفزيونية خصيصاً لهذا الشهر وانخفاضاً ملحوظاً لها مقارنة ببقية أشهر العام، إضافة إلى أن المسألة تحولت من رسالة فنية يحاول الفنانون تقديمها إلى عملية تجارية بحتة تراعي العائد على حساب المضمون، وعليه أصبح من الطبيعي أن نشهد تردياً في محتوى ما يقدم على الشاشة الفضية بشكل سنوي.
من الهادف إلى التجاري
وتخصص القنوات الفضائية لتثبيت نفسها على خريطة المنافسة ملايين الدولارات تذهب معظمها للمنتجين المنفذين ومنهم إلى النجوم ثم الفنانين والأبطال والفنيين وهكذا حتى تضيق الدائرة على مهل، إذ تعتمد فكرة المنتج المنفذ على قيام شركة بإنتاج عمل معين ثم بيعه على القنوات الفضائية لتحصل مقابله على أرباحها بحسب الاتفاق سواء كان للعرض الحصري أو ببيعه على أكثر من قناة، فالمسألة مربحة من الجانبين، وعادة ما يدير شركات الإنتاج التنفيذي نجوم وفنانون يستفيدون من علاقاتهم ويرسمون الأدوار الأساسية لأنفسهم وينتجون الأعمال ويسوّقونها على القنوات أو التلفزيونات الرسمية بحسب نفوذهم.
ومع تحول الأعمال التلفزيونية الرمضانية من أعمال فنية هادفة إلى أعمال تجارية هدفها الربح المادي تردّت الدراما في الوطن العربي والخليج خصوصاً فتحولت المسلسلات إلى التسطيح والتسخيف ومحاذاة المحاذير وعرض الإثارة لجذب أكثر عدد من المشاهدين وابتعدت عن طرح القضايا ومعالجتها من منظور اجتماعي ولم تكن البرامج الكوميدية بعيدة عن ذلك إذ تحولت هي الأخرى من رسم الابتسامة بالموقف والكلمة إلى التهريج والتقريع، وكان من الحتمي أن تنهار القيم الفنية وتنسحب من الساحة أمام راية العائد المادي والربح.
وعلى هذه الظاهرة يعلق الناقد الفني أحمد ناصر قائلاً إن أحد أسباب تردي الدراما في منطقة الخليج العربي هو المنتج المنفذ، فالقنوات الفضائية لا تنتج أعمالاً تلفزيونية بشكل مباشر بل تعتمد على المنتج المنفذ، ونظراً لأن أغلبية المنتجين المنفذين هم من كبار النجوم نجدهم يستلمون 25 ألف دولار أميركي على الحلقة وينتجونها بـ 15 ألفاً ليحصلوا على صافي ربح لهم يقدر بـ 10 آلاف دولار! ومن الأسباب أيضاً تردي الأعمال الدرامية هي أن كتّاب الدراما يكتبون بحسب ما يريده المنتج، فالمسألة بالنهاية تخضع للمادة وهذا طبعاً يأتي على حساب المشاهد انطلاقاً من سياسة أن الريموت كونترول موجود ومن أراد تغيير القناة فهو حر.
نجاح بعض الأعمال
ولكن بالمقابل لا يمكن إغفال حقيقة نجاح بعض الأعمال في تسويق نفسها وحصولها على مقابل جيد إضافة إلى كونها قدمت للمشاهد فناً وطرحاً معقولين وناقشت قضايا فعلية وأعطت حلولاً ملموسة ضمن الأطر والقوالب الفنية التي عرضت من خلالها، إضافة إلى أنها قدمت للساحة أسماء فنية جديدة وأثبتت تألق ونجومية بعض الفنانين، بالتالي فإن هناك وجهاً آخر للأعمال التلفزيونية في شهر رمضان ينبغي التأمل فيه وهو أن من يستطيع فرض نفسه وسط هذا الكم من الأعمال فقد اختطف النجومية بجدارة. وهو ما يؤكده الناقد الفني مفرح الشمري الذي صرح لصحيفة «الشرق الأوسط» أن هناك عدة أعمال تميزت منها «جنون الليل» لمحمد الفردان و «الإمبراطورة» لفجر السعيد رغم كل الانتقاد الموجه له إضافة إلى «طاش 14» الذي استطاع أن يقدم شيئاً مختلفاً، ولكننا مع ذلك رأينا كيف أنه استطاع الدخول في العميق وتحدث عن بعض القضايا الحساسة ما حدا بمنع بعض حلقاته كما علمنا.
وحول إشكالية الكثافة في الإنتاج يرى عدد من النقاد أنه في هذا الموسم تضيع الأعمال الجيدة لكثرة ما يقدم، فهناك أعمال ظلمت في العرض وسط هذه الكثافة، فتقديم عمل خلال شهر رمضان أصبح هو المهم، ولهذا ترى تكدُّساً في الأعمال، ومتى ما تمعنت في العمل الواحد تجد في حلقة منه تطويلاً وفي أخرى حوارات مكررة وهكذا حتى تنتهي حلقاته بنهاية الشهر، والسبب يعود إلى أن شهر رمضان موسم يعتمد عليه المنتجين ولهذا هناك كثافة في الإنتاج.
العدد 4672 - الإثنين 22 يونيو 2015م الموافق 05 رمضان 1436هـ