في المجتمع البحريني والخليجي، ومع كل التطور التقني الهائل في وسائل التواصل والفضائيات وانتشار الأجهزة الذكية، لكننا نعشق تلك الأمسيات في بيوت الله. الجوامع والمساجد والمآتم الحسينية ومجالس الذكر كلها، ونشتاق أيضًا لتلك الليالي التي نحمل فيها المصابيح أو الفوانيس، كلها كانت أياما من الزمن الجميل، إلا أن لكل زمان دولة ورجال، ولكل جيل سماته وملامحه.
شهر رمضان المبارك في الدول العربية يجمع المسلمون في كل الأشياء الجميلة والنقية والحلوة، ولكل شعب عربي وإسلامي بعض العادات التي تتفق أو تختلف مع تلك الدولة أو تلك، لكن مباهج الشهر الفضيل بالزينات والبهجة هي السمة التي تجمع كل الدول الإسلامية.
المقلوبة في فلسطين
ولنبدأ من فلسطين، فلا يختلف رمضان كثيراً في فلسطين، فبرغم الاحتلال الإسرائيلي فإن شهر رمضان له عاداته من إفطار وسحور وحلويات، وصلاة التراويح للرجال والنساء في المساجد والساحات العامة، وقيام الليل وقراءة القرآن وزيارات الأهل. ومن أهم الأطعمة الفلسطينية المقلوبة، وهي مكونة من الأرز ومقلي الباذنجان أو الزهرة أو البطاطس، وكذلك البصل المقلي والثوم، توضع اللحمة بعد النضج أسفل الوعاء (الحلة) ثم يوضع الثوم المقلي ثم يوضع الأرز وتوضع بعد ذلك التوابل ويسكب المرق وتوضع على نار هادئة حتى النضج، ثم توضع ملعقة سمن على الأرز، وبعد ذلك تقلب في صينية وتقدَّم كما هي مع اللبن (الزبادي) أو سلطة خضار.
شباكية وبغرير في المغرب
وفي المغرب، يستقبلون شهر رمضان بفرحة عارمة وقلوب تواقة، ويعيش أكثرهم هذا الشهر في صيام حقيقي وطاعة مطلوبة، فكلنا يعرف حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي معناه أن كثيراً من الناس ليس لهم من الصوم إلا الجوع والعطش، ولذلك يحاول البعض أن يستفيد من هذا الشهر بالتقليل من الأكل والإكثار من الطاعات كالتصدق وتقديم وجبات الإفطار للمحتاجين وقيام الليل وقراءة القرآن الكريم. وفي المغرب تشتهر الموائد في رمضان بشربة الحريرة، والتمر والحليب و(الشباكية) و(البغرير) و(الملوي)، فيما تعتبر شربة الحريرة في مقدمة الوجبات، إذ لا يعتبر كثيرون للإفطار قيمة بدونها، ولذلك بمجرد ذكر شهر رمضان تذكر معه (الحريرة) عند الصغار والكبار على السواء، كما ينتشر الباعة المتجولون على الطرقات والأماكن الآهلة بالسكان ليبيعوا هذه الوجبات دون غيرها. وبعد الحريرة تأتي (الشباكية) وهي حلوى تصنع غالباً في البيوت بحلول الشهر الكريم، ويتشابه الاحتفال برمضان في المغرب بتونس.
وفي الجزائر يختص الشعب الجزائري خلال شهر رمضان بعادات نابعة من تعدد وتنوّع المناطق التي تشكله كما يشترك في كثير من التقاليد مع الشعوب العربية والإسلامية الأخرى. وتتميز الجزائر بالحمامات التي تلقى إقبالاً كبيراً من العائلات في الأيام الأخيرة من شهر شعبان للتطهّر واستقبال رمضان للصيام والقيام بالشعائر الدينية وتنطلق إجراءات التحضير لهذا الشهر الكريم قبل حلوله بشهور من خلال ما تعرفه تقريباً كل المنازل الجزائرية من إعادة طلاء المنازل أو تطهير كل صغيرة وكبيرة فيها علاوة على اقتناء كل ما يستلزمه المطبخ من أوانٍ جديدة وأغطية لاستقبال هذا الشهر. وتتسابق ربات البيوت في تحضير كل أنواع التوابل والبهارات والخضر واللحوم البيضاء منها والحمراء لتجميدها في الثلاجات حتى يتسنى لهن تحضير ما تشتهيه أفراد عائلتهن بعد الصيام.
مصر.. ابتهالات وفوانيس
لنذهب إلى مصر، فإقبال الصائمين على المساجد وكثرة حلقات الدروس والوعظ وتلاوة القرآن الكريم هو ما يلفت النظر في المدن والقرى المصرية، ويستقبل المصريين الشهر الفضيل بالألحان والأهازيج الشعبية والابتهالات الدينية، وتزيَّن الشوارع والحارات بالأعلام والزينة الورقية ومن القماش والبلاستك منذ الأسبوع الأخير من شهر شعبان، بحيث تشهد الأحياء والأزقة في مصر ظاهرة جميلة بربط الحبال بين البيوت المتقابلة، تعلّق عليها الزينة والفوانيس.
ويلاحظ زيادة المصلين في المساجد منذ رؤية الهلال وحتى وداع رمضان خاصة في حي الحسين، والسيدة زينب وغيرهما في القاهرة أو في المدن والمحافظات الأخرى، إضافة إلى زيادة بيع المواد التموينية واللحوم والياميش التي تجد لها باعة صغار يقفون بعرباتهم في الحارات والطرقات وينادون على البلح، أو الفول السوداني أو الخروب أو قمر الدين،حيث تظل الشوارع مزدحمة لنهاية الشهر، وكذلك بيع الفوانيس والحلويات التي ينتشر بيعها في كل مكان.
وقصة استعمال الفوانيس بكثرة في رمضان هي قصة طويلة تعاد فصولها في كل رمضان ضرورة، فقد كان المصريون في القديم يستعملون الفوانيس (الشمعية) التي تستعمل الشمع كأداة للإضاءة، والأطفال في الشهر الفضيل حكاية ظريفة وجميلة، فهؤلاء يخرجون ليلة رؤية هلال رمضان إلى الطرقات سواء مع أقرانهم من الأطفال، أو إلى جانب أفراد عائلتهم، مرتدين أحلى ما عندهم من ثياب، وحاملين الأعلام والفوانيس الرمضانية، يغنون الأناشيد والأهازيج الخاصة بهذا الشهر الكريم في فرحة جماعية عارمة.
تفضل يا سيدي الله يحييك..
أهم مظاهر الاستعداد والاحتفاء بقدوم شهر رمضان في المملكة العربية السعودية تبدأ قبل الشهر بفترة طويلة، البعض يعتبرها مهرجان رمضاني حيث يقوم أهلها بشراء كميات كبيرة من الرطب وتخزينها في الثلاجات تمهيداً لهذا الضيف الكريم ، ولكن إذا ما آذن شهر شعبان بالمغيب تحلق الناس حول شاشات التلفزيون منتظرين انقطاع البث المعتاد ثم ظهور المذيع وعلى محيَّاه بسمة مضيئة ليزف للناس إعلان مجلس القضاء الأعلى بدخول شهر الخير والبركة والغفران والعتق من النار.
أما أهم ما يميز هذا الشهر فهو الموائد الرمضانية التي تُبسط قبيل المغرب في الحرم النبوي الشريف لتقَدِّم للمعتكفين والزائرين الوجبة الخفيفة: حبات من الرطب ورشفاتٍ من القهوة العربية، وقليلٍ من اللبن ونوعٍ خاص من الخبز يطلق عليه أهل المدينة اسم (شُرِيك) وأجمل ما في هذه الموائد أن يقف صاحبها بنفسه ليصطاد المارين ويجلسهم على مائدته وعلى ثغره ابتسامة، وعلى لسانه عبارة محببة: «تفضل يا سيدي الله يحييك»، و لعل ما يميز شهر رمضان في المملكة العربية السعودية بطابع خاص لا يوجد في أي بقعة من بقاع العالم الإسلامي لوجود الحرمين الشريفين أن يزداد في النصف الثاني من الشهر الكريم أعداد القادمين من أجل العمرة وللاعتكاف في الحرم النبوي أو المكي، وتبدأ صلاة التهجد في مساجد المملكة بعد صلاة التراويح وتستمر حتى منتصف الليل والتي دائما ما تنقل على الهواء مباشرة عبر عدد كبير من الفضائيات.
مدن «عمان» ..أسرة واحدة
وفي سلطنة عمان شهر رمضان له سحره الخاص وخاصة في الولايات والقرى العمانية التي تتحول طوال أيام الشهر إلى أسرة واحدة يجمعها نداء الأذان بالصلاة وهو يرتفع من مئات المآذن التي تنتشر في كل ربوع عمان يجمعها الحب والتآلف على مأدبة الإفطار.
ومع أذان المغرب يخرج أبناء عمان من كل حدب وصوب يتجهون إلى المساجد لأداء الصلاة التي يحرصون عليها وبعد العودة من أداء الصلاة يبدءون بتناول الإفطار ، وعادة ما يتكون من وجبة خفيفة تختلف من منطقة لأخرى وتتكون وجبة الإفطار من أنواع الفاكهة المختلفة والتمور واللبن والعصائر المختلفة، وبعدها يذهبون لأداء صلاة العشاء وصلاة التراويح وعقب الصلاة يجتمع أبناء القرية وشبابها وشيوخها في حلقات يستمعون فيها إلى بعض الدروس والمحاضرات الدينية التي عادة ما تدور حول أفضال الشهر الكريم . ومع اقتراب الساعة من العاشرة مساء تبدأ وجبة العشاء التي تتكون من اللحوم والدواجن والثريد والهريس وأنواع مختلفة من الأطباق الرمضانية، بالإضافة إلى بعض أنواع الحلوى المحلية وخلال أيام شهر رمضان الكريم تبدأ كل القرى العمانية في إعداد بعض الدورات الرياضية التي تشمل العديد من الألعاب الرياضية وحلقات السمر التي يشارك فيها شباب القرية أو المنطقة.
كما تتخذ الأسواق كل الاستعدادات لاستقبال الشهر الكريم من بينها إصدار سلطان عمان السلطان قابوس توجيهاته بتوفير كل المواد الغذائية بأسعار تدعمها الدولة وذلك في إطار تخفيف الأعباء عن المواطنين، وفي المجال الرياضي تنظم الأندية العمانية دورات رمضانية خاصة وفق برامج لتبادل الزيارات بين أندية الولايات وشبابها.
بثيث وخبيص الكويت
وتتلخص ملامح رمضان في الكويت حيث إقبال الناس على المساجد وتلاوة القرآن والذهاب إلى الأسواق والدواوين والسهر أمام الفضائيات، والبعض يقيم الليل بعد الساعة الثانية صباحاً، وهناك مظاهر أخرى كثيرة من التواصل مع الأرحام وإعداد الولائم ودعوة العائلات لها وتبادل الزيارات وحضور دروس العلم بالمساجد. وفي الكويت تشتهر (الهريس) كطبق رئيسي، حيث تصنع من القمح المهروس مع اللحم مضافاً إليها السكر الناعم والسمن البلدي والدارسين (القرفة) المطحونة، وهناك أكلة التشريب وهي عبارة عن خبز الخمير أو الرقاق مقطعاً قطعاً صغيرة ويسكب عليه مرق اللحم الذي يحتوي غالباً على القرع والبطاطس وحبات من الليمون الجاف الذي يعرف بـ (لومي)، حيث يفضّل الصائم أكلة التشريب لسهولة صنعها وخفة هضمها على المعدة ولذة طعمها، وهي عبارة عن خبز التنور إلا أنه في الوقت الحاضر يستخدم خبز الرقاق وهو خبز رقيق. وهناك الجريش الذي يطبخ من القمح واللقيمات وهي حلويات، وتعرف بلقمة القاضي وتصنع من الحليب والهيل والسمن والزعفران والعجين المختمر وتقطع لقيمات وتلقى في الدهن المغلي حتى الاحمرار ثم توضع في سائل السكر أو الدبس، وهناك أيضاً البثيث والخبيص اللتان تصنعان من الدقيق والتمر والسمن.
الشورجة في بغداد
أما في العراق يبدأ رمضان قبل قدومه بأيام عديدة، فتكون الحركة غير اعتيادية في الأسواق والمحلات، وباستطاعة المرء أن يشاهدها، لتدل على مجيئه الكريم حيث يشتري المسلمون مستلزمات رمضان قبيل حلوله بعشرين يوماً، وتوضع الزينة والإنارة الضوئية على معظم محلات الملابس والحلويات. ويتكون الإفطار من الشوربة التي تتكون من: عدس وشعيرية وكرافس أخضر، والأرز والمرقة التي تتكون من فاصوليا وبامية وباذنجان، إضافة إلى الكباب المشوي والكبب المقلية والنيئة.
وبعد صلاة العشاء والتراويح يتم تناول الحلويات التي أشهرها البقلاوة والزلابية والشعيرية والكنافة. ويُعد سوق الشورجة القديم في قلب العاصمة (بغداد) أكبر سوق تجاري في العراق حيث يشهد إقبال الناس عليه من كل مدن ومحافظات العراق ليتبضعوا ويشتروا لوازم شهر الصيام من مواد تموينية مثل العدس والماش والحبيِّة، والنومي بصرة والقمر الدين، والطرشانة، والحمص، إضافة إلى شراء اللحوم بمختلف أنواعها.
العدد 4672 - الإثنين 22 يونيو 2015م الموافق 05 رمضان 1436هـ