كل شيء يشدنا إلى ماضي الأجداد نعشقه.. أليس كذلك؟ وعندما أصبحت أمامنا مجموعة من الوثائقيات، كمسلسلات البيت العود وفرجان لول وغيرها من الأعمال التلفزيونية التراثية، فقد اعتبرنا ذلك توثيقًا جميلًا يربط بين الثقافة الشعبية والتراثية وبين ما ينشده جيل اليوم، ولهذا، فإن الكل منا يحب أن يعيش مع أجواء «رمضان زمان أول».. كيف كان الأجداد يقضون الشهر الفضيل؟ تفاصيل موجزة لكنها مهمة نحتاجها لكي ننعش أرواحنا بعظمة هذا الشهر.
حول مائدة الخيرات
وقد أعد الزميل بدر السعيد تقريرًا جميلًا نشرته وكالة أنباء البحرين حول العادات والتقاليد في المجتمع البحريني قديمًا، فشهر رمضان شهر تسوده الأجواء الدينية والاجتماعية، ويتميز بزيادة الترابط الأسري بين مختلف مكونات المجتمع، كما ينتظر أبناء الأمة الإسلامية هذا الشهر المبارك كل عام ليعيشوا نفحاته الروحانية، فهو شهر الخير واليمن والبركات والتواصل والتعاون بين أفراد المجتمع على اختلاف فئاتهم وأعمارهم وجنسياتهم مستمتعين بفعالياته طيلة ثلاثين يوما.
ويسلط الباحث البحريني إبراهيم راشد الدوسري الضوء على أهم عادات وتقاليد هذا الشهر الفضيل وما يشهده من إقبال على أداء الشعائر الدينية وقراءة القرآن الكريم والقيام بصلاة التراويح وحضور الحلقات النقاشية الدينية، فضلا عن اجتماع الأهل والأصدقاء حول مائدة الإفطار فيقول إن شهر رمضان المبارك تسوده الأجواء الروحانية والدينية والاجتماعية التي تتميز بزيادة الترابط الأسري والاجتماعي بين مختلف مكونات المجتمع، فنرى البحرينيين ومع قدوم هذا الشهر الفضيل وهم يتبادلون التهاني والتبريكات بهذه المناسبة الدينية سواء بزيارة الوالدين والأقارب أو بالتواصل عن طريق الاتصال وإرسال الرسائل النصية، والهدف هو مشاركة الآخرين هذه المناسبة الدينية الجليلة.
نبض بالتكافل والتعاضد
المساجد تكون عامرة طيلة شهر رمضان في كل الفروض وبالذات صلاة العشاء والتراويح، حيث تفتح أبواب الخير لتتلى آيات القرآن المجيد وتقرأ الأحاديث النبوية الشريفة، مشيرا إلى أنه تكثر في رمضان كذلك مساعدة الفقراء والمحتاجين ومناقشة كل ما هو مفيد ويهم أمر أبناء وطننا الغالي الذين يسترجعون في لياليه ذكرياتهم العزيزة، كما يحلو السهر والسمر للرجال والنساء من خلال إقامة الغبقات، وهي عبارة عن تجمع للأهل والأصدقاء لتناول وجبة عشاء متأخر بين الفطور والسحور، ويقدم فيها في الغالب السمك والأرز الأبيض «الشيلاني»، وفي وقتنا الحاضر يقدم ما لذ وطاب من الأطباق، وكذلك الأطفال والصبية والبنات يتجمعون ويسهرون ليتابعوا المسلسلات التلفزيونية ويتنافسون في الألعاب المختلف.
ويشهد المجتمع تماسكا اجتماعيا أكثر فيزيد أفراد الأسرة ترابطا ليشاركوا بعضهم البعض في أداء الأعمال المنزلية والدينية ويتناولون وجبة الإفطار، فالعوائل البحرينية تستعد مسبقا لهذا الشهر الفضيل من خلال شراء الاحتياجات من الأطعمة الخاصة برمضان، وهي حب الهريس والطحين بأنواعه المختلفة وخبز الرقاق واللحوم.
رائحة شهية تصل إلى الجيران
بعض العائلات تحرص على تزيين جدران المنزل من الخارج بالمصابيح ابتهاجا بقدوم شهر رمضان المبارك، حيث يستمتعون بمشاهدة المسلسلات الرمضانية، ويمتاز التلفزيون البحريني بإعداد وعرض الحلقات الرمضانية سواء كانت الدينية أو الاجتماعية، فجميعنا نتذكر الحلقات الشعبية لأم هلال والبيت العود وفرجان لوّل وغيرها من البرامج الشيقة التي كنا ننتظر عرضها بشوق.
يتميز البحرينيون عن غيرهم بتنوع أطباقهم خلال شهر رمضان المبارك وتتفنن أمهاتنا في إعداد الأطباق الشهية حيث تصل رائحة الطبخ إلى منازل الجيران والفريج، وبالطبع فان الأطباق الرئيسية الرمضانية القديمة هي الهريس والثريد واليريش والمجبوس والميدم والمشخول سواء كان باللحم أو الدجاج أو السمك أو الربيان والكباب والممروس والسمبوسه وخبز الرقاق العادي أو خبر الرقاق بالبيض والسكر، أما الأطباق الحلوة فهي كثيرة كالساقو واللقيمات والعصيدة والخنفروش والمحلبية والفالودة والتمر.
ويمتاز الشهر الفضيل بنشاط وحيوية الأطفال الصبية من خلال ألعابهم الشعبية، حيث كان الأولاد والبنات يلعبون بعد صلاة العصر حتى موعد مدفع الإفطار لعبتهم المفضلة الصييدة والصرقيع والخشيشة والقلينة والماطوع ولعبة البلبول ولعبة التيلة ولعبة الدوامة ولعبة الدحروي وغيرها من الألعاب الشعبية، ويستمر الأولاد في اللعب إلى وقت متأخر من الليل أما البنات فيلعبن في النهار ومن ألعابهن لعبة السكينه ولعبة واللقفه والخبصة ولعبة الحبل ولعبة قوم يا شويب وغيرها من الألعاب.
تلاحم أفراد المجتمع
أما المجالس الرمضانية التي تزداد في هذا الشهر الفضيل تلعب دورًا مهمًا في تقوية وزيادة التواصل فيما بين أبناء وطننا البحرين، فيلتقي أبناء المنطقة أو حتى من خارجها لتقوية النسيج الاجتماعي واللحمة الوطنية لتبادل الأحاديث الودية والاجتماعية والدينية ومناقشة أهم الملاحظات والمشاكل التي قد يعاني منها بعض المواطنين، كما تشهد المجالس قراءة القرآن الكريم وإقامة المحاضرات الدينية التي تحث على الوحدة الوطنية ونبذ الطائفية وتلاحم أفراد الشعب، وأن يكون الوطن هو بيت الجميع دون تمييز، بالإضافة إلى بعض المجالس التي تخصص وقتا للترفيه من خلال لعب الكيرم والدامة والكوت بوسته وغيره من الألعاب.
من أهم مظاهر وفعاليات شهر رمضان، هي ليلة القرقاعون وهي فعالية تقام في ليلة الرابع عشر والخامس عشر من رمضان ويشارك فيها الأطفال والكبار، حيث يقتني الأطفال الطبول والفريسه ليجولوا في الفرجان ويحصلوا على القرقاعون، وهو عبارة عن مجموعة من المكسرات والحلويات، أما الوداع فيخرج الرجال والنساء والصغار بالدفوف والطبول وهم ينشدون أنشودة تعبر عن وداعهم لرمضان وشوقهم لاستقبالهم له من جديد في السنة المقبلة، وعادةً ما تستمر الفعالية الثلاث ليال الأخيرة من رمضان.
والشهر الفضيل هو شهر الطاعات وترويض النفس على الصبر وتحمل الصيام والجوع والعطش، والإحساس بالفقراء والمحتاجين ومد يد العون والمساعدة لهم وإشراكهم في الخيرات والمسرات، فشهر رمضان هو مدرسة يتعلم فيها المسلم أفضل الدروس والعبر، وهو الإيمان الحقيقي بوحدانية الله لا شريك له.
العدد 4672 - الإثنين 22 يونيو 2015م الموافق 05 رمضان 1436هـ