التفاتة «منصور» أو ناصر القصبي في المشهد الأخير، عندما فقست «بيضة الشيطان» في آخر الحلقة الثالثة من مسلسل «سيلفي»، لم تكن مجرد التفاتة، كانت صرخة استهجان إنسانية.
هكذا كان الأمر، الابن يقاطع عملية ذبح أبيه، لأنه يريد أن ينال الشرف والقربى إلى الله بنحره بيديه! أوديب «ملك طيبة» قتل أباه خطأً، من دون أن يعلم أنه أبوه، وتزوج أمه من دون علمه، وكان ملكاً عظيماً، لكنه عندما أدرك الحقيقة في النهاية، فقأ عينيه وتنازل عن عرشه، وعاقب ذاته على ما يعدّ إحدى أبشع الجرائم الإنسانية - الأخلاقية في التاريخ. (للمزيد)
وطالما عزف الأدباء والفلاسفة والشعراء على وتر «مأساة أوديب»، حتى فرويد عميد المحللين النفسيين استغلها، وعبث بها قليلاً ليحولها إلى «عقدة». لكن «أبا عكرمة» (ابن القصبي في المسلسل - الممثل السعودي خالد عبدالعزيز)، الذي «نفر» إلى أرض الجهاد، وتخلّى عن حياة الرفاهية والأمان في السعودية، مفضلاً نصرة الدين لا يتورع عن التبرع، بل التنافس على «نحر» والده الذي أتى ليعيده إلى حضن أمه المكلومة. وهي عملية نفذها فعلياً عنصر «داعش» جراح الأنصاري، الذي قتل والده في ساحة الإعدام في الرقة متهماً إياه بالردة.
مشهد يذهب إلى البراعة السينمائية ويرسم حجم ذهول المجتمع من واقع يعيش فصوله منذ سنين، ذلك الذي شكّلته رقبة ناصر القصبي و«أرجوحةٌ» وسكينٌ حادّة وزي الإعدام البرتقالي وحاجبان معوجان سقطت عنهما الملامح الإنسانية في وجه «أبي عكرمة»، والأخير يصرخ بالرغبة في الحصول على شرف جزِّ رأس أبيه! وربما استحق المشهد إحدى جوائز «إيمي» أو «غولدن غلوب». لخّص القصبي في مسلسل «سيلفي» المعروض في «إم بي سي»، الذي أثار ضجة كبيرة في السعودية والعالم العربي خلال حلقتيه الثانية والثالثة، «الرسالة» التي تحدثت عن مأساة التطرف والإرهاب بواقعية ودرامية، وأتخمها بالكوميديا السوداء، وختمها بالدم القاني، وبحسرةٍ اقشعرت لها الأبدان. تجاوزت الصدمة في مشهد القصبي الأخير، نظيرتها في مقاطع الإعدام الفردي والجماعي «الحقيقية» المتداولة بين حين آخر، لأنها هذه المرة تجاوزت ما سبق. ولأن المشاهدين توقفوا لحظة ليفكّروا في هذه النهاية، سواء صدّق بعضهم أن المتطرفين فعلوها من قبل أم لا، إلا أن كثيرين أضحوا يعلمون أن «غسل الأدمغة» والوقوع في مستنقع التطرف والكراهية يمكن أن يصنع مفاجآت مأسوية وأن يعمي أبصاراً وقلوباً في الصدور. هزّت «بيضة الشيطان» بجزءيها المجتمع السعودي، وأكثر من ذلك عربياً، كما لم تفعل مقالات كتّاب ودراسات باحثين وخطابات سياسيين وفتاوى تحريم، وهزّت كذلك المعنيين بالموضوع، فجاءوا من أقصى «تويتر» يهدّدون القصبي بالقتل والانتقام عبر حسابات «داعش» ومن لفّ لفّها.
صنعت الحلقة بحراً من الوعي بالمفارقة بين «أوديب» و«أبي عكرمة»، فالاثنان أضحيا في النهاية «عُمياً»، الأول «ندماً» والثاني «فرحاً وتطرفاً».
..
لو كان بهم خير لهددو اسرائيل وغيرها
ممتاز جدا
مقالة روعة بكل معنى الكلمة
روعة بلا نهاية
هذا التعليق اكثر من ممتاز. كاتبه عظيم يستحق كل التقدير.