بدلاً من أن يتخذ مجلس النواب – وهو الذي من المفترض أن يكون ممثلاً عن الشعب البحريني بكل فئاته وطوائفه وتوجهاته – موقفاً إيجابياً من دعوة مجلس حقوق الإنسان المنعقد حالياً في جنيف إلى حوار جدي في البحرين يشمل جميع الأطراف للخروج من الأزمة السياسية، اتخذ المجلس وبشكل حرفي موقف السلطة من أن الحوار الوطني في البحرين شأن داخلي ليس من اختصاصات مجلس حقوق الإنسان!

وقال في بيان أصدره خلال جلسته الأسبوعية يوم الثلثاء الماضي في رده على الدعوة للحوار إن «الحوار الوطني في مملكة البحرين شأن داخلي ليس من اختصاص مجلس حقوق الإنسان ولا يجوز لأية جهة خارجية مناقشته أو الدعوة إليه»! وهو نفس ما جاء في رد المندوب الدائم لمملكة البحرين لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف السفير يوسف عبدالكريم حين قال «الحوار الوطني شأن وطني ليس من اختصاص مجلس حقوق الإنسان مناقشته»!

كان من الممكن أن يتخذ مجلس النواب موقفاً مغايراً تماماً، ينبثق من اختصاصات مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، والذي ينص على أن «المجلس مسئول عن تدعيم تعزيز جميع حقوق الإنسان وحمايتها في جميع أرجاء العالم وعن تناول جميع انتهاكات حقوق الإنسان وتقديم توصيات بشأنها».

حتى وقت قريب جداً لم يقل أحدٌ أن الدعوة للحوار في البحرين شأن داخلي لا يجوز لأي كان الدعوة إليه، وإنه من المحرمات التي لا يجب الاقتراب منها، حتى أن العديد من الدول والمنظمات العالمية والسفراء الأجانب، بما فيهم السفير الأميركي والبريطاني السابق، أكّدوا أن السبيل الوحيد للخروج من الأزمة هو من خلال الحوار الوطني ولم يعترض على ذلك أحد، بل بالعكس رحّبت حكومة البحرين بهذه الدعوات وأكّدت لأكثر من مرة أن السبيل الوحيد للخروج من الأزمة هو الحوار الوطني.

ما الذي تغيّر الآن؟ يمكن أن يكون للسلطة حساباتها وهو أمر طبيعي، ويمكن لجميع الأطراف أن يتخذوا موقفاً آخر ولهم الحق في ذلك أيضاً، ولكن أن يتبنى مجلس النواب المنتخب موقف الحكومة حرفياً، برفض الدعوات للحوار الوطني سواءً كانت من الداخل أو الخارج، فإن ذلك بالتأكيد لا يعكس رأي الشارع البحريني بكل توجهاته.

مثل هذه التصريحات سواء من الجهات الرسمية أو المنتخبة حول الحوار الوطني، وما يتخذ من إجراءات قانونية تجاه الشخصيات الوطنية المعارضة، يطرح سؤالاً في غاية الأهمية: هل أيقن البعض بأن وقت الحوار الوطني قد مضى بلا رجعة؟ وهل استنفدت جميع التفاهمات الوطنية بحيث لم يبقَ إلا أسلوب كسر العظم لإثبات «الانتصار»؟

حتى الآن لم نجد دوراً ولو محدوداً لمجلس النواب منذ الانتخابات التكميلية في سبتمبر/ أيلول 2011 وحتى الآن لسدّ الفجوة الطائفية والسياسية، وفي الاعتقاد السائد لا يمكن لهذا المجلس أن يلعب دوراً مؤثّراً ما لم يقرّر بمحض إرادته أن يكون الصوت المعبّر عن هموم وتطلعات الشعب البحريني بكل طوائفه وفئاته، وإلا فإنه سيبقى تابعاً مطيعاً للسلطة التنفيذية ومنفّذاً لأوامرها.

ليس من المستغرب فقط أن لا يقدّم مجلس نيابي (من المفترض أنه يمثل شعباً يمر وطنه بمحنة سياسية خانقة)، ولو ملاحظات أو مبادرات ولو كانت بسيطة وتافهة، ولكن ذلك يعد من المستهجن والغير مفهوم تماماً.

إن مجلساً نيابياً لم يستطع الحفاظ على مكتسبات الشعب المعيشية من دعم محدود جداً للسلع الاستهلاكية الأساسية مقابل ما يهدر من أموال طائلة في البذخ من قبل البعض، بالتأكيد لن يستطيع الحفاظ على كرامة هذا الشعب أو حقوقه الإنسانية والسياسية.