العدد 4669 - الجمعة 19 يونيو 2015م الموافق 02 رمضان 1436هـ

الفنان محمد المهدي: أسخر من «الأبطال الخارقين» كما استهزأوا بأمنيات طفولتي

في معرضه الشخصي بمساحة الرواق

العدلية - منصورة عبدالأمير 

19 يونيو 2015

«كأمنية زوجين بمكان يحتويهما، بلقاء دافئ يجمعهما، بطفلهما الأول ينشأ بين أحضانهما...

كأمنية طفل بالبطولة، طفل رأى في لعبه أيامه المقبلة، وجد في الرسوم الكارتونية خلاصه وخلاص العالم...

كأمنية طفل رأى في ذلك العالم الافتراضي الواسع بديلاً لعالمه المحاصر والمحدود، انتظر ظهور المنقذ من صندوق بلاستيكي ومن خلف شاشة صماء...

لتلك الأماني المحاصرة بأسمنت الواقع، لتلك الأحلام المبذولة للمتاجرين بها، لكل طفولتنا وأمانينا المأسورة بسياج من الخداع والتغرير...أقدم لكم (أمنية)».

بهذه الكلمات قدم الفنان محمد المهدي معرضه الشخصي المقام حالياً في مساحة الرواق للفنون تحت عنوان «الأبطال الخارقين» الذي افتتح يوم 17 مايو / أيار 2015 ويستمر حتى نهايات شهر يونيو/ حزيران 2015.

تشبث المهدي بطفولته وبكل ذكرياتها يبدو واضحاً في هذا المعرض، ليس عبر كلماته التعريفية بالمعرض وحسب، لكن ذلك الإحساس هو ما سيطغى على روح كل من يشاهد لوحاته وأعماله. هو في واقع الأمر ما يميز محمد كفنان تشكيلي له بصمة خاصة تتمثل في شخصيات لوحاته التي، ربما، تشبه تلك الشخصيات التي كان يخربشها في طفولته، لكن بملامح وخطوط أكثر دقة وحرفية، وبألوان مدروسة بعناية فنان مدرك لأبعاد أسلوبه الفني وبصمته المميزة. أولى خربشات محمد بدأت، على أية حال، حين كان في الرابعة من عمره، وهي خربشات صنعت أسلوبه المميز الآن وبصمته الخاصة.

يضم معرض محمد هذه المرة 35 عملاً تنوعت بين لوحات فنية زينت جدران مساحة الرواق للفنون، ومجسمات أسمنتية جاءت مميزة كباقي أعمال الفنان.

فضاءات «الوسط» التقت الفنان محمد المهدي على هامش معرضه، لتحاوره بشأن أسلوبه الفني، تشبثه بذكريات الأطفال، وموقفه من «الأبطال الخارقين».

سألته بداية عن تشبثه بذكريات طفولته بشكل واضح، سألته عن الأطفال وهم عنصر أساسي وشخصيات متكررة في لوحاته، وعن خطوطه الجميلة التي تذكر من يشاهد لوحاته بخربشات الأطفال، لكنها تنفذ بيد فنان ضليع ومحترف.

قال لي: «هذه بصمتي وأسلوبي كفنان. أنا أشتغل على خطوطي بنفس الطفل وبعقله، وأوزع الألوان ثم أركبها بروح هذا الطفل، لكنها خطوط وألوان مدروسة بشكل دقيق ومختارة بعناية ودقة».

وعلى رغم أسلوبه المميز والمعروف، يؤكد المهدي «كل موضوع يفرض علي مفردات جديدة ولذا قد تجدين أسلوبي متغيراً من معرض لآخر ومن لوحة لأخرى. عنوان معرضي هذا هو «الأبطال الخارقون»، ويناقش مضمونه أمنية طفل صغير يحلم بالحصول على لعبة تجسد أحد الأبطال الخارقين الذين تأثر بهم وأحبهم. أعتقد أننا جميعنا في طفولتنا عشنا هذا الأمر، تفرجنا على أفلام الكارتون وتأثرنا بها وأحببنا أبطالها وربما اقتنينا دمى تشبه أولئك الأبطال. لكن حين يكبر هذا الطفل ويدخل معترك الحياة ويعيش صعوباتها، تتغير أمنياته من دمية إلى زواج وبيت وغير ذلك، فيدرك حينها أن البطل الذي اعتقده يوماً المخلص، ليس سوى دمية».

تحضر شخصيات أولئك الأبطال الخارقين الذين أحبهم محمد يوماً وتأثر بهم في كل أعماله المعروضة، لكن بشكل سلبي يسخر فيه الفنان من أولئك الأبطال. في إحدى اللوحات يستغرق بات مان في نوم عميق، فيما طفلة تصرخ في أحد المنازل طالبة النجدة إثر مشاهدتها لجنود يهمون بالهجوم على منزلها. يحضر المنزل أيضاً كبناء، وهو إحدى أمانيه شاباً، في كل لوحات محمد وعن ذلك يقول: «عنصر البيت حاضر في لوحاتي، بل إنه حاضر بشكل أقوى في المجسمات المعروضة والتي تضم الأسمنت الذي تبنى منه البيوت، حيث قمت بمحاصرة الأبطال الذين اعتقدتهم خارقين وسط قطع أسمنتيه لأطرح تساؤلاً عما إذا بإمكانهم تخليص أنفسهم من هذا الأسر».

ويعلق «الأسمنت لغة تعبيرية أخرى بدلاً من اللون، فأنا هنا حاولت أن أكسر اللون. الموضوع كما أخبرتك هو ما يفرض الخامة والمفردة التي أستخدمها. وهذا الموضوع فرض علي استخدام خامة تصنع منها البيوت وأن أوظفها تعبيرياً، ولذا قمت بمحاصرة دمى تمثل شخصيات كارتونية مشهورة بين هذه القطع الأسمنتية، وكأنني اطرح سؤالاً عما إذا كانت هذه الشخصيات قادرة على تحقيق أمنيتي أو على الأقل تخليص نفسها من الأسر».

المهدي يؤكد أن سخريته من أبطاله الخارقين امتدت للسخرية من أوضاع العالم العربي التي لا يبدو لها في الأفق حل «تتفاجأ حين تكبر تجد أنه في الواقع لا يوجد مخلص أو بطل خارق. في إحدى اللوحات التي تأثرت فيها بالوضع العربي العام وهي تشبه لوحة العشاء الأخير في توزيع شخصياتها ولكنني أسميها طاولة الحوار. في هذه اللوحة يجلس بات مان بين جماعتين، محاولاً مصالحتهم لكن على وجهه ابتسامة ساخرة، فيما وجوه أفراد الجماعتين تبدو مهتزة غير واضحة، في رد فعل مني على كل ما يدور في الوطن العربي من صراعات ومشاكل بحاجة لمن يحلها، وفي دلالة على أنه لا وجود في الواقع لبطل خارق قادر على حل هذه المشكلات».

سألته عما إذا كان يشعر بالحنق على أبطال طفولته الذين جسدوا تلك الشخصيات الخارقة على الشاشة فأبهرت محمد وأوهمته بما لا يمت للواقع بصلة. فقال: «حين تكبر يصدمك الواقع بمشاكله وهمومه فتعرف أنه لا وجود لشخصية المخلص في حياتنا ولا أحد قادر على حل جميع مشكلات البشر. الآن حين أشاهد الأفلام الكارتونية مع أطفالي، أتذكر كيف كنت أنبهر بتلك الشخصيات وأتقمصها، وهي في الواقع لا تحمل أي مضمون بقدر ما تحمل من نوايا من قبل صناعها».

ويضيف «هذه الشخصيات لم تعدنا كأطفال لمعترك الحياة. ثم إن هؤلاء الأبطال لم يكونوا خارقين أصلاً، فهم لا يزرعون في الأطفال سوى العنف، ولا أعتقد أن أحداً استفاد منهم استفادة علمية أو مستقبلية».

يركز الفنان على اللون الأسود في جميع لوحاته، فهو «لون قوي وبارز يعطي تبايناً لونياً في العمل. ثم إن لوحاتي تحمل موقفاً سلبياً من الأبطال الخارقين على الأخص بات مان، الذي رسمته في إحدى اللوحات وهو يصور نفسه «سيلفي» مع زوجته فيما يبدو في الخلف منزل ذهبي، أرمز فيه للأرباح الطائلة التي حققها مخترع هذه الشخصية».

ويعلق محمد بأن له علاقة خاصة مع اللون الأسود «لدي انطباع خاص بشأن هذا اللون، ومن الصعب علي أن أتخلص منه فهو جزء من شخصيتي. لكن لأن وراء كل حدث سلبي أمر إيجابي وأمل، لذا طعمت اللوحات بألوان زاهية وفرحة. إضافة إلى ذلك، يتكرر اللون الذهبي في أعمالي فهو لون القدسية الذي نراه دائماً في اللوحات التي تصور السيد المسيح والأشخاص المقدسين. استخدمته لأضفى طابع القدسية على شخصيات الأبطال الخارقين».

يؤكد محمد على ضرورة إيصال فكرة كذب أسطورة الأبطال الخارقين للأطفال منذ وقت مبكر عبر تقديم شخصيات كارتونية مضادة تكسر فكرة البطل الخارق لكن تحمل أخلاقيات عالية، وقدرات خارقة مختلفة، إذ «ليس بالضرروة أن يكون البطل خارقاً في قدراته الجسدية، لكن يمكن أن يكون كذلك بقدرته على استخدام مهاراته العقلية كما هو الحال مع شخصية المحقق كونان».

يشار إلى أن الفنان محمد المهدي، شارك في عدد من المعارض في داخل وخارج البحرين، منها معرض البحرين جاليري للصحافة العربية الذي نظم في لندن العام 2013، وعرضت لوحاته في مزاد سوتبيز في لندن العام 2011. كذلك شارك في معرض سمبوزيوم قطر البحري العام 2011 وفاز حينها بالجائزة الأولى لأفضل عمل. كما شارك في آرت فير دبي ممثلاً جاليري البارح العام 2011. أقام معرضه الشخصي الأول العام 2009 في البارح للفنون التشكيلية تحت عنوان «الذاكرة المفتوحة»، كما أقام معرضاً شخصياً في العام نفسه في جاليري xva بدبي. ويعد المعرض المقام حالياً في الرواق ثالث معارضه الشخصية.

العدد 4669 - الجمعة 19 يونيو 2015م الموافق 02 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً