الشراكة أداة مهمة في إنجاز خطط العمل التنفيذي ضمن منظومة الاستراتيجية الوطنية والدولية لبناء السلوك البشري وإنجاز أهداف التنمية المستدامة. وللشراكة متطلباتها وآلياتها، وهي متنوعة المناهج والاتجاهات، كما أنها متداخلة في طبيعة تكويناتها التنظيمية واتجاهات وظائفها التنموية، وتكون في بعض الحالات شكلاً من أشكال التحالف والتعاون المؤسسي، كما أنها نمطٌ من أنماط العمل الاجتماعي في جوهر تكوينها ومناهج عملها ونشاطاتها. بيد أنها في مجمل الحالات تمثل الأداة الفعلية لإنجاز أهداف الخطط التنموية والبيئية، والارتقاء بجودة المنجز في بناء السلوك البشري وتعضيد فاعلية أهداف التنمية المستدامة.
التجارب الوطنية والدولية في مجال العمل البيئي وخطط العمل لإنجاز أهداف التنمية المستدامة، تشير إلى الأهمية الاستراتيجية للشراكة في إحداث التحول النوعي لتحقيق جودة المنجز للخطط التنموية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وفي تنمية الوعي وبناء القدرات البيئية وإنجاز مهام الرقابة البيئية، وتعضيد قدرات العمل التنفيذي لالتزام بقواعد النظام وأحكام القانون البيئي، والشراكة المتداخلة في تشكيلة عملها التنظيمي والتي تدخل ضمنها مؤسسات القطاع الحكومي والخاص ومؤسسات المجتمع المدني، التي تشكل قوة فعلية في مؤثراتها الإيجابية لإنجاز أهداف الاستراتيجيات الوطنية للبيئة.
والشراكة كمنهج وأداة فاعلة في توحيد الجهود ضمن منظومة العمل الوطني والدولي وإنجاز أهداف التنمية المستدامة، صارت في مقدمة أولويات اهتمامات المجتمع الدولي ومحور أساسي في المشروع الدولي البيئي. ويمكن تبين ذلك في منظومة مبادئ الوثائق الدولية بشأن البيئة والتنمية المستدامة، حيث يحث المبدأ (24) في وثيقة مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية العام 1972 الدول بالإشارة إلى أنه «على جميع الدول، كبيرة وصغيرة، أن تتولى بروح من التعاون وعلى أساس المساواة، معالجة المسائل الدولية المتعلقة بحماية البيئة والنهوض بها». والتأكيد في المبدأ (9) في وثيقة إعلان ريو بشأن البيئة والتنمية العام 1992 على أنه «ينبغي أن تتعاون الدول في تعزيز بناء القدرات الذاتية على التنمية المستدامة بتحسين التفاهم العلمي عن طريق تبادل المعارف العلمية والتكنولوجية، وبتعزيز تطوير التكنولوجيات وتكييفها ونشرها ونقلها، بما فيها التكنولوجيات الجديدة والابتكارية».
وتؤكد الدول مسئولياتها والتزاماتها لتعزيز الشراكة في (46) في وثيقة القمة العالمية للتنمية المستدامة العام 2002 بالتشديد على القول «وسوف نواصل –كحكومات- العمل من أجل إقامة شراكات ثابتة مع القطاع الخاص، وقطاع العمل، والمجتمع المدني، وكافة المجموعات الرئيسية، مع احترام الأدوار المستقلة والمهمة لهؤلاء الشركاء الاجتماعيين».
وجاء مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (ريو+20) ليؤكد ذلك النهج ويوسع دائرة الشركاء، ويؤكد على جميع القطاعات المؤسسية والمجتمعية كشركاء رئيسيين في إنجاز أهداف التنمية المستدامة.
التوحد القطاعي في العمل البيئي أحد الأنماط المبتكرة للشراكة المتداخلة في إدارة عملية التنسيق المؤسسي لإنجاز أهداف خطط التوعية وبناء القدرات البيئية، وجرى اعتماد هذا المنهج ضمن منظومة الشراكة في العمل البيئي المتمثل في إنشاء لجنة التوعية والتثقيف البيئي في الشارقة، وهي مبادرة غير مسبوقة على المستوى الوطني والإقليمي على أقل تقدير، وتحسب للشارقة. وتضم في منظومة عملها مجموعة المؤسسات متنوعة الاختصاصات والوظائف والأهداف، تمثل القطاع البيئي والبلدي والصحي والاجتماعي والاقتصادي والتربوي والتعليمي والثقافي والأمني والمجتمع المدني والخاص. والنظام الأساسي للجنة الذي اعتُمد بموجب قرار المجلس التنفيذي لحكومة الشارقة رقم (12) لسنة 2004، يمثل الآلية المنظمة لمنهج التوحد القطاعي في العمل البيئي، وحدّد أهداف اللجنة في توحيد خطط وبرامج الدوائر والهيئات الحكومية والمؤسسات الأهلية والخاصة في مجال التوعية والتثقيف البيئي، وتنظيم الجهود المجتمعية وتفعيل مساهماتها في صياغة وتحقيق الخطط والبرامج الخاصة بالتوعية والتثقيف البيئي المرتكزة على قاعدة الموروث الثقافي والحضاري لمجتمع الامارات للارتقاء بمستوى الوعي البيئي، وتطوير مرتكزات وأسس التنسيق المؤسسي في مجال إعداد وتنفيذ خطط وبرامج التوعية والتثقيف البيئي، وتطوير البناء المؤسسي البيئي، وتحفيز جهود العمل التطوعي وتنظيمه وتوسيع مجالاته في الشارقة، للاستفادة منه في دعم استراتيجية الدولة، وتحفيز مؤسسات القطاع الحكومي والخاص في تبني مشاريع حماية البيئة والحفاظ على الحياة الفطري وتنميتها.
المنجز النوعي لمنهج التوحد القطاعي في العمل البيئي في تجربة الشارقة أكد حضوره في تفاعل المجتمعات المحلية مع البرامج البيئية ومساهمتها في تنظيم الأنشطة البيئية، والمبادرات المتفاعلة للمدارس في إنشاء الأندية البيئية وتنظيم المحاضرات والمعارض والأسابيع البيئية، والتفاعل النوعي للقطاع التربوي والتعليمي مع المناشط البيئية، وتفاعل القطاع الإعلامي مع القضايا البيئية والاهتمام بنشر الرسائل البيئية في وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، والتفاعل الملموس للدوائر الحكومية وإنشاء لجانها البيئية، وتعزز القناعة لمؤسسات القطاع الخاص في دعم برامج التوعية وبناء القدرات البيئية وتبني نهج إدخال مفهوم الإدارة البيئية في نشاطاتها الصناعية والانتاجية. وذلك المنجز جعل من النشاط البيئي ثقافة مجتمعية وتنافسية ساهم في الجهود المؤسسية والاجتماعية لتحقيق جودة الخطط والمشاريع البيئية.
إن تلك الثوابت تؤكد على أن منهج التوحد القطاعي في العمل البيئي تجربة نوعية للشراكة ينبغي الأخذ بها والاستفادة من فوائدها في بناء السلوك البشري وإنجاز أهداف التنمية المستدامة.
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 4668 - الخميس 18 يونيو 2015م الموافق 01 رمضان 1436هـ