في ندوة تحت عنوان «تدوين التشكيل» خصصتها «الوسط» للحديث عن جهود توثيق حركة الفن التشكيلي في البحرين، تمّت استضافة كل من الفنانَين التشكيليَين عبد الكريم العريض وعبدالله يوسف، وقد استعرض العريض تجربته وجهوده في توثيق الحركة التشكيلية منذ بواكيرها، وأهم المراحل التي عبرها مع الفن التشكيلي في البحرين، أما يوسف فذهب يسرد إشكاليات توثيق الحركة التشكيلية وما يجب أن يصاحبها من عملية نقدية واعية بطبيعة العملية الفنية، وشعدت الندوة مداخلات من قبل الناقد جعفر حسن والفنان التشكيلي حسن الساري.
في بداية المنتدى رحبت مديرة الندوة منصورة عبد الأمير بالحضور في منتدى الوسط الثقافي الرابع الذي خصصته للحديث حول «تدوين التشكيل» ليتناول تاريخ تدوين وتوثيق حركة الفن التشكيلي في البحرين وقضايا الكتابة عنه، مشيرة إلى أنه «ستبرز أمامنا أسماء، غاب بعضها ولا زال الآخر باقياً نابضاً بحب الفن مدفوعاً بالغيرة على ساحة تجد نفسها أمام تحديات لا تختلف كثيراً عن تلك التي تواجه كافة أشكال الفنون والإبداع. وأضافت: سنناقش أيضاً واقع تدوين الفن التشكيلي اليوم، ما يمر به من معوقات وما يتحمله مدونو الفن من مسئوليات تجاه كل الإخفاقات وما يقع على عاتق الفنانين التشكيلين أنفسهم.
نستضيف في هذا الملتقى متحدثَين هما من أبرز من كتب ووثق وأثرى ساحة الفن التشكيلي والكتابة عنه، هما الفنان التشكيلي عبدالكريم العريض، والمخرج المسرحي والفنان التشكيلي عبدالله يوسف.
محدثنا الأول هو الفنان التشكيلي عبدالكريم العريض الذي سيحدثنا عن تاريخ التدوين وبداياته، وأبرز من ساهم فيه، وأهم مشكلاته والمراحل التي عبرها حتى هذه اللحظة.
العريض فنان محترف، من مؤسسي أسرة هواة الفن وجمعية البحرين للفن المعاصر، أصبح رئيساً لجمعية البحرين للفن المعاصر لدورات عديدة سابقة وهو أحد مؤسسيها وروادها. وهو عضو وفد البحرين في المؤتمر الأول للفنون التشكيلية في الوطن العربي، دمشق 1977 .عضو وفد البحرين في المؤتمر العام الثاني للاتحاد العام للفنانين التشكيليين العرب في الجزائر.
افتتح العريض أول معرض خاص في البحرين عام 1960. بالإضافة إلى ذلك شارك في معظم معارض أسرة هواة الفن، وفي جميع معارض الفنون لفناني البحرين التي تقيمها وزارة الإعلام، وجميع معارض الربيع التي تقيمها جمعية الفن المعاصر، وكذلك العديد من المعارض في عدد من العواصم العربية والعالمية، منها الرباط والجزائر وسنغافورة والقاهرة والأردن.
أقام معرضه الشخصي الثاني عام 2002، والثالث عام 2007. شارك في ندوات عديدة داخل البحرين وخارجها. ندوة أصيلة في المغرب 1980
له كتابات في الفن والتراث الشعبي، منها كتاب نافذة على التاريخ (بيت العريض) 1999. كتاب حصاد الفن (تجربة الفنان الخاصة) 2002. كتاب المنامة خلال خمسة قرون 2006. كتاب المنامة الإنسان والتراث (Manama People & Heritage) النسخة الإنجليزية 2009. كتاب أيام الفن والأدب (Days of Art & Literature ) باللغتين العربية والإنجليزية 2013
حصل على العديد من الجوائز التقديرية منها جائزة الدولة التشجيعية للفنون عام 1948 وجائزة الدانة الذهبية من دولة الكويت وكان ذلك في عام 1999.
أما محدثنا الثاني في هذا المنتدى فهو المخرج المسرحي والفنان التشكيلي عبدالله يوسف الذي سيحدثنا عما تواجهه عملية الكتابة حول التشكيل والفن التشكيلي اليوم من معوقات وصعوبات. الفنان عبدالله يوسف فنان متعدد المواهب، متفرع الاهتمامات، عضو مؤسس بمسرح أوال، وقد شارك في معظم مجالس إدارة المسرح لسنوات. وهو أيضاً عضو مؤسس في جمعية البحرين للفنون التشكيلية ويشغل حالياً منصب نائب الرئيس، وهو عضو مؤسس في نادي البحرين للسينما. مخرج مسرحي وتلفزيوني، أخرج العديد من الأعمال والبرامج والمسلسلات التلفزيونية والأفلام الوثائقية، وقبل كل شيء هو فنان تشكيلي وسينوغرافي مسرحي.
وهو معلق أفلام وثائقية وإعلامية ومقدم برامج إذاعية. حائز على عدة جوائز أولى وتقديرية وشهادات جدارة عن عدد من أعماله المسرحية والتلفزيونية والمعارض التشكيلية.
في البداية أكد الفنان عبدالكريم العريض على الطبيعة الإنسانية للفنون فأشار إلى أن الفن مر بأدوار مختلفة كأي نشاط إنساني، حيث كان هناك عصر النهضة عندما كان الفن لا يزال محصوراً في قصور النبلاء والكنائس، إلى أن تحوّل إلى البيوت الكبيرة والنوادي والجاليرهات التي يرتادها المثقفون ومتوسطو الطبقات البرجوازية، وعند حلول القرن العشرين بدأ الفن هجرته الثانية من صالات المتاحف والنوادي إلى واجهات العمارات والشوارع وتغلغل في صناعة الأقمشة وتصميم العلب والأثاث، وأصبح أكثر قرباً وتلمساً للإنسان البسيط واستخدم كأداة للإعلام والإعلان التجاري، ومن خلال هذا التحوّل بدأت أيدلوجيات الفن تبرز من خلال القضايا الفكرية، والحروب التي حلّت بالعالم وأخذت عناوين المدارس الفنية تبرز كالتأثيرية والسريالية والحركة الدادية، في سويسرا بعد الحرب العالمية الأولى بدأت مدرسة (الباوهاوس) في ألمانيا وهي مدرسة للتصاميم الصناعية أو الأثاث المنزلي ومن خلال هذا الاتجاه الفكري للمدارس الفنية بدا أن الفن يجب أن يكون ضرورة للحياة حيث أن الفن والتصميم هما عناصر مهمة في حياة الناس.
وأضاف العريض أن هناك نظرة إلى فن ثان، وهو الفن الشعبي يأتي من خلال الترديد والمحاكاة، وهذا نجده لدى العديد من المبدعين الشعبيين الذين رسموا كثيراً من الأعمال الفنية في بيئات عديدة كانوا يمارسون هذا الفن كأطفال اعتياديين يرسمون على الجدران أو الأبواب أو على الأرض كبراهين ملموسة على نزعة الخلق المتأصلة في نفوس الأطفال وعندما لا يلقى الطفل الاهتمام التعليمي فإن هذا الحال التلقائي البصري المتميز للطفل يضمحل كلما كبر هذا الطفل، غير أن الاستعداد نفسه لم يختف إذ إنه دائماً بإمكان إيقاظه بحركات تدريبية بسيطة، ونستطيع تدريب الإنسان العادي فمثلاً لدينا فن البحارة في موسم الغوص الذين يقضون أربعة أشهر ثم يأتون إلى اليابسة وفي فترة الشتاء خرجت بعض أعمال الفنانين البحارة رسموا أعمالاً جيدة تتعلق بالبحر وسفن الغوص حيث يرسم الصورة ذات البعد الواحد إذ يرسم فيها جميع حركات الغوص.
وأتذكر أن جمس بلجريف في فترة بداية إنشاء مدينة عيسى حيث كنت أقف على الشارع أنتظر سيارة وهو قادم من عوالي وقف لي وركبت معه فسألني عن الفن والمكان الذي فتحته في 1972م، وسألني عن شخص كان يعمل في دائرة الإعلام وكنا في تلك الفترة نتعاون مع تلك الإدارة التي فيها حسين منديل وعبد الكريم خطاب، نعم سألني عن رسام في رأس الرمان اسمه أحمد الأغتم حيث كان يجالس بلجريف يريد إرسال هدية من البحرين لأخته التي تزوجت حديثاً، ولا يوجد شيء مناسب سوى رسمة للغوص والتي عزم أن يرسمها على خشب صناديق الشاي واقترحت عليه نجمع هذه الأخشاب ونحولها إلى لوح نعمل لها قاعدة من البونة البيضاء التي توضع على السفينة والبونة هي «نورة وصل» وتصبح اللوحة في حجم ثلاثة أمتار وسطحناها وأعطيناه اللوحة وأخذ يرسم فيها ستة أشهر تقريباً، أولاً حفرها وكان بيتهم قريب رأس رمان، وكنت أزوره وأتفقد ماذا كان يعمل؟ كان يخططها على البونة، ويحفرها، وبعدها يضع عليها اللون الأزرق ويمسحه وتظل الخطوط المحفورة، يقول أنه أخذ هذا الأسلوب عن واحد من عصر النهضة من مثل ما يكل أنجلو، وشيلي، أو رفائيل لكنها ذات بعد واحد لأنه لا يرسم الأبعاد الثلاثة ويريك أن سمكة القرش تقطع الغيص وترى الدم، وترى الناس يرون العمل متكاملاً وكأن الصورة حقيقة لموضوع الغوص، ويتابع العريض أتيت بهذا الكلام هذا لأبين أن هذا بحث قدمته في المؤتمر الأول الذي أقيم في دمشق في المنظمة العربية للثقافة والفنون سنة 1975م، وقد رسم الفنان اللوحة في 1948م ولازالت أخت بلجريف تحتفظ باللوحة حين كلمني عنها في 1972م وقد وثقتها في أحد الكتب.
وحول مفهوم الإبداع أشار العريض إلى أن كلمة إبداع مرادفة للجمال، وإذا نظرنا القاموس اللغوي نجد أن معناها ينحصر في كل محدث جديد وما ليس له مثال سابق وفنياً الإبداع يأتي محصلة لمعاناة فكرية ذاتية ثم التعبير عنها بإنتاج خاص مرتبط كلية بذاتيته الشخصية المبدعة من حيث التجربة للفنان، ويقال إن كل مبدع ذكي وليس كل ذكي مبدع بالضرورة، لأن الذكاء شرط أساسي من شروط الإبداع، لكن الذكاء بحد ذاته غير كاف للإبداع، وللنشاط الإبداعي ثلاث صفات المرونة والأصالة والطلاقة، وهي الوظائف الإنتاجية للمبدع مستقلة عن بعضها البعض، والإبداع وليد توتر، ويشابه هذ التوتر الذي تعاني منه نواة الذرة في بعض العناصر مما يدفعها إلى إطلاق جزء من طاقتها المختزنة في شكل إشعاع ذاتي كالإشعاع الصادر عن الطاقة المختزلة في النواة، والعنصر المقابل للإبداع إشعاع الفكر بالعقل المبدع، وفي المفهوم الشعبي يعتبر البدع الشيء الجديد ووعندنا يقال فريق البدع كما في المنامة وهو الذي كان ساحة خالية (برية) وعرف بأنه بدعاً مكان جديد بالقرب من مسجد ومدرسة العجم حيث أن هذه المنطقة تسمى فريق البدع قصدت من هذا التعريف إعطاء صورة للفن التشكيلي في البحرين قبل الحديث عن موضوعنا اليوم التدوين.
وحول دور الحضارة المعاصر وودورها في تحويل التشكيل من قيمة إستهلاكية إلى قيمة جمالية أشار العريض إلى أنه «حينما نأتي للبناء في أوربا في القرن التاسع عشر نجد البناء لم يكن جميلاً فالفنانون ابتدؤا ما يسمى (الفن السلفي) وهو أنك تنقل من الماضي صورة إلى الحاضر وتضيفها للشكل الموجود وتجمّله بها، فالفنانون خصوصاً في العمارة أخذوا الفن القوطي الذي نشأ في أسبانيا وجنوب فرنسا ونقلوا التصاميم منها إلى الفن الأوربي، ولذلك ترى الفن الأوربي قبل النهضة الفكتورية كلها مزركش ومزين، وأطلقوا عليه المدرسة السلفية في الفن المعماري ما قبل الكلاسيكية. هذه الكلمة جاء بها أرنولد توينبي الترجمة العربية الفن السلفي أما كلاسك أرت فما أتت في هذه الفترة، وأرنولد توينبي تكلم عن الفن في عدة مراحل منها الفن الفوضوي وتوظيف الفن في الدين فالآرثودكس استخدامو الفن في الدين.
الكتابة عن التشكيل
ماذا عن الكتابة عن التشكيل ودورك كفنان مهتم بتوثيق الحركة التشكيلية في البحرين؟
- بحسب مصادر التوثيق أول تقرير رسمي عن الفن التشكيلي كتب في التقرير عام 1948م حول معرض للفنون الجميلة الذي أقيم في قصر القضيبية بين طلاب المدرسة الثانوية للبنين وقد عرض مدرّس التربية الفنية الأستاذ حامد عبد الرحمن رسومات بالألوان الزيتية لمناظر من مدينة المنامة، والمحرق، وتتسم تلك الأعمال بالحياة الشعبية وبعض سواحل المنامة والسفن الشراعية، هذا أول تقرير رسمي عن التشكيل كتب في تقرير حكومي مصدره جيمس بلجريف نفسه.
ودخلت مادة الرسم ضمن المنهج الدراسي في مدارس في البحرين خلال هذه الفترة، وفي الفترة من سنة 1949م إلى 1957م أقيمت عدد من المعارض الشخصية لبعض أفراد الجالية الأجنبية في البحرين ومن أهمها معرض للفنان كارديفيد من البعثة الدنيماركية 1956م، وكان المعرض بالألوان المائية وجميع هذه الأعمال كانت تحيط قلعة البحرين والقرى المحيطة بها وعنده كتاب بها صادر عن وزارة الثقافة وفي متحف كوبنهاجن عنده مكان فيه هذه الأعمال وقد أهديتهم بعض الأعمال وقد التقيت بالفنان وكانت لدي علاقة خاصة به مع الفنان حسين السندي منذ تلك الفترة وأرسلت لهم بعض الأعمال وعرضت هناك.
أما جمعية هواة الفن سنة 1956م فتجمع الرسم والموسيقى فكانت تقيم معرضاً سنوياً للفن التشكيلي تحت اسم معرض الربيع تكونت مجموعة من الفنانين من ثمانية أشخاص تحت اسم (مجموعة فناني البحرين) التي ترسم في الهواء الطلق وتقيم جولات في القرى والسواحل والمناطق الطبيعية 1960م وهم راشد سوار، راشد العريفي، وعبد الكريم البوسطة، وناصر اليوسف، وعبد الكريم العريض.
افتتحت أول مكان لبيع الأعمال الفنية في سنة 1960 ومن هنا بدأت سوق الفن في شارع الشيخ عبد الله وكتب «جيمس بلجريف» في «تو ول كم تو بحرين» كتب أن هناك محل لبيع الرسومات للسواح سنة 1967م.
وكان عام 1966 عام مهم للحركة التشكيلة حيث أقامت شركة «كرارييل كرفل هيل» معرضاً تحت مسمى معرض الشرق الأوسط للفنون التشكيلية وشارك فيه فنانون من العراق وسورية ولبنان والأردن ومصر والبحرين والكويت بمعدل ثمانية أعمال لكل دولة وقد اختير من البحرين حسين السندي، وناصر اليوسف، وناصر العريفي، وراشد سوار وعبدالكريم البوسطة وعبدالكريم العريض، وسلطان السليطي، وعباس المحروس، وقد عرض المعرض في كل من لندن، وباريس وروما، والقاهرة ودمشق وبيروت، وبغداد والكويت والمنامة، وفاز بالجائزة عن مجموعة البحرين حسين السندي وقال «اسكرتون» حول أعمال المشاركين في المعرض إن جميع الأعمال المقدمة من البحرين هي من تراث البحرين وقد استخدم الفنانون أساليب الفنانين الأوربيين وإن اللوحة الفائزة «وموضوعها القلاف» للفنان حسين السندي، عمل جيد وقد استخدم الفنان أسلوب الفنان الإيطالي (كورنت) الذي هو من فناني فلورنسا.
وفي عام 1970م تبنت الحكومة إقامة معرض فناني البحرين وأصبح معرضاً رسمياً للدولة تحت إشراف وزارة الثقافة والفنون، وكان بإشراف وزارة العمل، ويفتتح رسمياً تحت إشراف رئيس الوزراء منذ عام 1970م، وهذا نوع من نماذج تبني الدولة للفنون التشكيلية مثلما هو موجود في بعض الدول الأوربية ففي تاريخ الفن بدأت الإمبراطوريات مثل النمساوية والمجرية وكذلك روسيا الذين وضعوا الفن على أساس أنه مهرجان سنوي يفتتحه الإمبراطور وتقدم فيه الجوائز والنياشين.
بدايات التوفيق
كيف كانت توثق هذه المعارض، ومن كان يكتب عنها، ومن هي أول الأسماء الموثقة؟
- العريض: توثقها الكاتلوجات، والصحافة كانت تكتب عنها أخباراً قصيرة، وقد كتبت عدة مقالات طويلة عنها، وأذكر أنني كتبت عن لوحة اليد للفنان عبد الله يوسف على أن الدم ليس شعاراً للحرية، فالأحمر لون للوردة لون للجمال.
- عبدالله يوسف: ما يشير له الفنان العريض هي: لوحة كولاج حيث استخدمت بطاقة الجثة في التصميم، لصديقنا المرحوم سلطان حافظ الذي كان عاملاً في مصنع شركة ألبا في الجزيرة الصناعية، حيث توفي بسبب حادث، سنة 1972م وأنزل عمال ألبا تعزية مع صورة سلطان فقصصتها ولصقتها في اللوحة واستخدمت نفس الخيط والبطاقة الوردية التي فيها سبب الوفاة والحادث، وكان عمال ألبا يأتون من المصنع وتنزلهم الباصات جنب فندق الخليج، حيث كان المعرض السنوي يقام في قاعة اللؤلؤة بالفندق، ويتجمهرون حول اللوحة وقد حضرت كل المراسم في بيتهم ومع الأهل والفريج.
ويتابع عبدالله يوسف إن تبرير استخدامي لليد أن سلطان كان طويلاً ويده كبيرة، وكنا كأصدقاء نخاف من يده، وهي أبرز شيء فيه وهي تمثل يد العامل، وقد جمعت في اللوحة رسم اليد وصورته من الجريدة والنعي والبطاقة، وتكوينات أخرى وأضفت الخيط الممتد من البطاقة وزهرة وحيدة، كانت اللوحة فترة عند قاسم حداد واسترجعتها منه ولازالت موجودة عندي؛ لأن هذه اللوحة دارت عليها قضية وهي أن شركة ألبا أرسلت لي موفداً ممن يعملون لديها يشعرني أن هذه اللوحة التي أثارت ضجة وقتها جراء الحادث، وذلك لأنها كانت صادمة وسط أعمال المعرض التي عن الطبيعة وكتب عنها في الصحف، حينها كنت غير قادر على التخلص من الحالة إذ كنت على موعد مع سلطان وكنت انتظره، ولما جاؤا بالجثة لفتت انتباهي البطاقة الوردية حيث التقطتها والناس تبكي وتشهد مراسم الدفن.
- العريض: بدأت الكتابة سنة سبعين واقترحت إنشاء متحف للفن الشعبي في صحيفة الأضواء وقصاصة المقال لازالت عندي، وكنا للتو أسسنا جمعية البحرين للفن المعاصر كان لدينا نوع من الاندفاع غير الطبيعي من الستينيات فكنا نحمل أعمالنا وندخل بها على المسئولين مباشرة، وأتذكر أن الشيخ عبد العزيز نادانا أنا وراشد العريفي لبناء بيت الشيخ عيسى في المحرق.
من هي الأسماء الموجودة التي كانت تكتب في الفن؟
- الأسماء التي أعرفها كانوا يجرون مقابلات مع الفنانين. ولم يكونوا يكتبون عن الفن مباشرة، أما كتابتي قفد بدأت مع صدور المواقف مع عبد الله المدني حيث استأجر محلاً في بيتنا في المنامة، وقبلها كتبت مقالاً في أن أحدهم قال عن لوحة اليد أنها تمثل الحرية، فقلت هذا مجرد عامل سقط أثناء العمل وهذا حدث وارد حصوله في أي مكان. بدأت مع الأضواء قبل 69 كنت أكتب وكان أحمد النشابة في هنا البحرين في 1975 يكتب عن الفن أيضاً.
عبدالله يوسف متى بدأت الكتابة في الفن التشكيلي؟ وما هي أهم إشكاليات الكتابة في الفن التشكيلي وتوثيقه؟
- عبدالله يوسف: أنا لا أكتب ولكن أحياناً يكون لدي تعليق على أحد الأعمال أو المشاريع، وهي ليست كتابة مستمرة، وهذه إشكالية الحركة التشكيلية في البحرين وهي أن تراكمها وحضورها يتفوق على المنطقة برمتها كحضور وعدد وكم يتفوق على عدد سكان البحرين نسبة، وهناك زخم كبير ولازال ويزداد.
وفي مفتتح الحركة الأدبية التي بدأت في منتصف الستينيات أسرة الأدباء والكتاب، أخذت شعار الكلمة من أجل الإنسان، وكانت الحركة التشكيلية موجودة، ولكن الإشكالية في أنه لم تنشأ علاقة حميمة بين الوسط الأدبي من كتاب ومبدعي تلك الفترة، ورغم نشوء الأسرة بخطها الاجتماعي والأدبي والثقافي إلا أن الحركة التشكيلية التي كانت منعزلة ولم تقم علاقة مع الحركة الأدبية بحيث أن التشكيليين يستلهمون مثلاً نتاجات الحركة الأدبية من روايات ودواوين شعرية وبما يمكنهم من استثمارها وتوظيف موضوعاتها بتحويلها إلى أعمال تشكيلية وبالتالي الحركة الأدبية وما فيها من نقاد يتناولون الحالة التشكيلية بالتحليل، وتكون هناك كتابات تحلل الأعمال التشكيلية، وتكون هناك حالة نقدية، هذا أثر على عملية التوثيق والتدوين ولذلك ترى العريض قبل قليل يحاول تذكر اسماً من الأسماء فلا يجد، وهو نفسه قد بذل مساعي في أن يسجل هذه الجهود لكنه كان ملزماً بنتاجه الإبداعي أكثر من أن يكتب أو يوثق، والجهة المناطة بها هذه المهمة كانت الحركة الأدبية بروادها وكتابها المعروفين لم ينشأ هذا في فترة الزخم السبعيني ولم تكن هناك علاقة بين التشكيلي والأديب والشاعر والروائي، علاقة جدلية حميمة في تلاقح الأفكار.
كنت الوحيد مع مؤسسي الأسرة ونشأت في هذا الكيان قبل أن يتكون كانت المجموعة من قاسم حداد، علي عبد الله خليفة وعبد الرحمن رفيع وغازي القصيبي ومحمد جابر الأنصاري ومجموعة كبيرة من الأصدقاء أسست الأسرة كنت في هذا الخضم، وكنت أقرأ نتاجاتهم وبالتالي عشت المناقشات التي تدور واهتمامي بالفن التشكيلي جعلني أستلهم الكثير من موضوعات العمل التشكيلي في المعرض السنوي وهذا ما جعل عملي التشكيلي في المعرض السنوي مغايراً لما يعرض وسط الطبيعيات والحياة الشعبية أو البحر وغيره، إلى موضوعات تعبيرية من ضمنها لوحة اليد، وحتى العناوين كانت مغايرة «خطوة في الحلم» الرأس، السيف، وهذه كانت عناوين ملفتة ومثيرة وخلقت أيامها حرجاً حيث أمر الوزير حينها طارق المؤيد بإخراج لوحاتى من المعرض، لذلك فالحركة الأدبية والممثلة في المجال النقدي لم تلتفت إلى الجانب التشكيلي فالعلاقة مهم أن تنشأ وتحقق الدخول إلى تجربة هذا الفنان أو ذاك، وهذا انفصام غريب ولذلك لم يكتب أحد، ولدي مقال وحيد كتبه محمد البنكي في ملحق رؤى عن لوحة مازلت أحتفظ بها من سنة 1994م استخدمت فيها مقطعاً من قصيدة لعلي عبد الله خليفة «كتب وأعواد ثقاب تضيء بالنور وبالدماء ذاكرة الوطن» فهو حلل العمل، وهنا الكتابة بمعنى التحليل للعمل التشكيلي لا توجد.
ولكن أليس هناك كتابات لقاسم حداد وغيره ولك أنت أيضاً؟
- عبدالله يوسف: كتبت عن تجربة الفنان أبوسعد حيث كانت له تجربته، في وجوه وبالإضافة إلى ثلاثة معارض، حاولت أن أقرأ التجربة وكتبت عنها، واحتفظ هو بهذه القراءة في كتيب خاص به، وكانت بعنوان بوسعد يصعق الروح بكهرباء التشكيل، وهو موضوع طويل وقد استأذنني أن ينشره في كتيب دائم له كتحليل لتجربته الفنية من خلال ثلاثة معارض، وأيضاً أسعد عرابي كتب عن تجربته والتراكم المعرفي في الحركة التشكيلية لم يستمر لأنه لم يكن هناك كتاباً، فيما عدا الأستاذ عبد الكريم لا تجد من له علاقة بالكتابة النقدية أو الأدبية.
التخصص مطلوب
ألا تعتقد أن الكتابة في الفن والتشكيل بحاجة لشخص متخصص في الفن والحركة التشكيلية؟
- العريض: تأسست جمعية البحرين للفن المعاصر كأول جمعية متخصصة في الفن التشكيلي في البحرين سنة 1970م، وهي تقدّم نشاطها المتواصل من تاريخ تأسيسها حتى يومنا هذا وقد أصدرت العديد من الكتب والنشرات، ونشر أخبارها الكثير من المجلات والصحف المحلية، وانضمت الجمعية إلى اتحاد الفنانين التشكيليين العرب سنة 1977م، وشاركت البحرين في أول مؤتمر حول الفن التشكيلي تحت رعاية الجامعة العربية في المنظمة العربية للثقافة والفنون، في سنة 1975م.
وكنت ضمن وفد البحرين وقدمت بحثاً حول الفن الشعبي في البحرين تحت عنوان فن البحارة، ولقي الاستحسان من العديد من الأساتذة المعتبرين وشجعوني على الاستمرار والتوسع والبحث في هذا المجال والاقتباس من هذا الفن وتطويره، والبحث عن الهوية العربية في الفن على أن يكون الفنان ملتزماً بالأصالة والمعاصرة، والبحث في الجوانب الإنسانية في الفن العالمي.
في عام 1977 وبمناسبة إقامة أسبوع الفن العربي، وعملاً بتوصية الاتحاد العام للفنانين التشكيليين العرب أصدرت جمعية الفن المعاصر كتيباً، تحت اسم سجل فني، في عام 1982م أصدرت الجمعية كتاباً باللغتين العربية والإنجليزية تحت عنوان رواد الحركة التشكيلية في البحرين وقد نشرت مجلة فنون عربية والتي تصدر في بغداد تعريفاً شاملاً عن الكتاب، كما جاء ذكر الكتاب في وكالة رويترز القسم الثقافي تعريفاً في نفس الفترة وكان للصحافة المحلية دور في توثيق الحركة الفنية منذ الخمسينيات من القرن الماضي حيث تعد مصدراً مهماً من مصادر التوثيق لهذه الحركة الثقافية الفنية المهمة في حياة الإنسان. من مثل مجلة الأضواء إلى مجلة البحرين إلى بعض المجلات العربية، وهذه تحتاج إلى متابعة.
- عبدالله يوسف: المعرض السنوي الذي تم الاحتفال بمرور 40 سنة على تأسيسه والذي يحوي كل التشكيليين البحرينين، هذا المعرض كان يكتب عنه في مجلة هنا البحرين.
- العريض: كانت هناك كتيبات وكاتلوجات عن هذا المعرض كلها رميت وكانت موجودة بكميات في المتحف بعضها حصلنا عليها، حينما تأسس المعرض كان قسم المسرح والفنون بوزارة العمل وكان محمد خزاعي وكنت موظفاً في هذا القسم في فترة السبعينيات، وقد أقيم المعرض وبدأ من هناك منذ جرد الأعمال واختيارها وفرزها من خلال لجنة خارجية وعضو واحد من البحرين، ومن ضمنهم خالد الجابر وكمال الملاح، وهذه اللجنة تحدد الفائزين في المعرض بثلاث جوائز، واللوحة الفائزة تقتنيها الوزارة على أن لا تعود لفنانها مقابل الجائزة، هذا المعرض يتم توثيقه من خلال الصحف المحلية، الأضواء، ومجلة مواقف، ومجلة هنا البحرين، تكتب أخبار المعرض، ومن فيه من المشاركين والفائزين.
- عبدالله يوسف: الكاتلوجات ليست موجودة كلها الكميات التي ظلت وفاضت عن المعرض، وكانت تخزّن في قسم المسرح والفنون ولما نقل قسم المسرح والفنون في 1975م من وزارة العمل إلى وزارة الإعلام في الجفير نقلت هذه المواد كلها إلى المتحف لما صارت إدارة الثقافة والإعلام.
أقترح تدوين الحركة الفنية من خلال روادها، وعندنا عبد الكريم العريض الأكثر ريادة والبعد الثقافي يلازمه حيث الاهتمام بالكتابة وتدوين التشكيل، وأقترح أن يتم ذلك من خلال الوسط حيث نوثق الحركة التشكيلية من خلال كتاباته أو من خلال ما لديه من ذاكرة، لأنها المصداقية الحقيقية فهو عاش مفاصلها فأنا وغيري كنا متقطعين في الكتابة.
ومثلما تم تدوين الأمثلة الشعبية والحكايات والحزاوي نفس العملية يتم تدوين هذه الحركة التشكيلية تاريخها وأصولها ووعيها؛ لأنه لا يوجد كتاب يشمل كل ذلك.
وحتى الكتاب الذي صدر عن الثقافة عنوانه في حد ذاته ملتبس «الفن التشكيلي من الحداثة إلى المعاصرة»، ولو قلّبنا هذا العنوان ماذا يحدث، إنه عنوان في سياق ما هو موجود.
لماذا لجأت الوزارة إلى باحثة لبنانية حتى توثق تاريخ البحرين بينما تمتلئ الساحة بالفنانين والنقاد؟
- عبدالله يوسف: لتوثيق المعرض ومرور أربعين سنة تم اللجوء لي إذ كنت في قسم المسرح والفنون، وكنت من المهتمين بهذا المعرض وكان معي أحمد العريفي وأحمد غلوم وبعض الفنانين وكنا نحن نجمع الأعمال ونوزعها ونصفها وهناك لجنة اختيار، ولجنة تحكيم، وكانوا بصدد الاحتفال بمرور أربعين سنة على المعرض، وفوجئت أنهم يطلبون مني اختيار الأعمال التي أذكرها من تأسيس المعرض إلى الآن، هكذا يراد مني أن أختار أعمال أربعين سنة في يوم أو ساعات.
نحتاج للمناقشة التحليلية لتجربة الفنان والحركة التشكيلية من خلال المبدعين فيها وعناصرها الفاعلة فمن يقرأ تجربة عبد الكريم العريض تحليلاً ونقداً ويؤرشفها ويؤرخها، وكذلك راشد العريفي وغيرهم من مرتكزات الحركة التشكيلية، والبحرين تزخر بالمبدعين، وأقترح أن تبادر الوسط لأرشفة وتجميع وثائق الحركة الفنية سواء تطبع في كتاب أو على شكل ملاحق وقراءة التجربة لكل فنان أو لكل مجموعة على حدة، والاستشهاد بأعمالهم والانطلاق منها حين الكتابة عنهم، فأن تكتب عن العمل الفني من غير مشاهدته هذه مشكلة فالتشكيل فن بصري بدرجة أولى ومن المهم البحث عن معانيه، وإسقاطاته وترميزاته وتعبيراته، والسر في كيف نشاهد العمل، هذا الإنجاز التوثيقي والنقدي لو تم فإنه يخدم الفنان التشكيلي، والحركة الفنية وهو مطلب ملح، الآن لدينا كتاب رسمي وفيه تحيّز أيضاً، فهناك تشكيليون عرض لهم خمسون عملاً، وآخرون عرض لهم عملان فقط أو لم يعرض لهم أي شيء.
- سيد حسن الساري: البحرين تزخر بالفنانين ولكن السمة الواضحة فيهم التميّز، بالنسبة للكتاب التوثيقي لم يسلط الضوء على جيل الرواد.
- عبدالله يوسف: يبدو أن هناك كتابين والذي اعتمد رسمياً هو كتاب عزيزة سلطان، والذي يبدو أن عنوانه ملتبس ... من الحداثة إلى المعاصرة.
- جعفر حسن: هناك فرق أن تتكلم عن تاريخ الحركة التشكيلية باعتبارها مرّت بمراحل متعددة ذلك يختلف تمام الاختلاف عن البحث في التقنيات الفنية في المراحل المختلفة بمعنى البحث عن الجذور، فهناك من يرسم في المدرسة الدلمونية ويتبناها فنياً كما يتبنى آخرون نموذج من المدارس الأوربية من دون التصريح، فتجد وجوه وملامح ذلك بادياً في لوحاتهم، وتبحث في المصادر فتجد أن هذا الاتجاه موجود فعلاً، وهو غير خارج عن إطار الفن، لم تبحث الحركة التشكيلية في البحرين باعتبارها عملية تقنين، فحينما تقرأ تاريخ الفن في أوربا تجده داخل الكنائس الأوربية وتجدهم يتكلمون عن اختلاف التقنيات بين جيل وآخر، والمدارس الآن لا تدرس تقنيات الفن وإنما تدرس الانطباع عن الفن، فلا يوجد حقيقة منهج للتربية الفنية، وأتذكر أن الأستاذ عبدالكريم البوسطة درّسني في المرحلة الثانوية بمدرسة النعيم وكان يتكلم عن الفن بشكل مؤثر، وأنا أصغي لمن يتكلم أول مرة عن الفن باعتباره حياة، ومنذ تلك اللحظة انبثق في ذهني أن الفن شيء عظيم.
- العريض: لماذا تكلّم كريم البوسطة عن الفن بهذه الطريقة لأننا بدأنا كمجموعة صغيرة في 1966م، ومعنا كريم البوسطة وناصر اليوسف وحسين السندي كنا نزور المعهد البريطاني الثقافي اجتمع معنا «فيت سيمونس» فقال أنتم ترسمون، ولكنكم تحتاجون للتثقيف، ولدينا كتب فنية في المكتبة، واستعرنا تلك الكتب عن فترة الفنانين الانطباعيين، بعدها قدم لنا أفلاماً عن الفن واقترح حسين السندي فيلماً عن «كنيستفل، وتيرنر»، وهي أفلام موجودة في المعهد، وتم عرض الفيلم الذي كان يتحدث عن الفرق بين كنيستفل، وتيرنر، حيث كان الأول يرسم من الطبيعة والآخر من الأستوديو، والأول متأثر بالتأثيرين الفرنساويين، والآخر بالمدرسة القديمة للفنانين الإيطاليين، وهذا الحدث جعلنا نشتري بعد فترة كتباً مترجمة من مكتبة فؤاد عبيد، ومن هذا المنطلق كان عبد الكريم البوسطة يحب دائماً أن يتكلم عما حصله من هذه القراءة لطلبته، ودائماً ما كان الطلبة يتكلمون عن دوره في تثقيفهم عن أدبية الفن.
- جعفر حسن: الأدباء والكتاب برزت حركتهم الأدبية من 1969م مع تأسيس أسرة الأدباء والكتاب وفي ذات الوقت أفرزت، معها نقادها، أحمد المناعي، وعلوي الهاشمي، وإبراهيم غلوم، المسألة تتعلق بحركة ونشاط الحركة التشكيلية في البحرين، والفن التشكيلي في حد ذاته لم يفرز من داخله عناصر ناقدة قادرة على النقد الفني، وذلك ليس لعدم القدرة على الكتابة، والتي إما ذهبت في العموم أو انتابها ما يصيب أصدقاء المهنة عادة فعدو المرء من يعمل عمله، وهناك حساسية شديدة ما بين الفنانين أنفسهم.
التوثيق والنقد
ليس بالضرورة أن يكون توثيق الفن التشكيلي نقداً.
- جعفر حسن: أنا أتكلم عن النقد لأن النقد أثناء عملية التطور يحدث هناك تحولات، فحين أدرس تجربة فنان ما وأتكلم عن مراحل التجربة، وكيف انتقلت من مستوى إلى أخر، ودراسة التأثيرات الفنية.
- سيد حسن الساري: حالة السجالات الفنية كانت زوبعة وانتهت بين عامي 2006م و2007م حيث أن عبد الرحمن شريف أنزل نقداً لاذعاً، على الفنانين في صحيفة الوقت، عن المعرض السنوي كان جرّاء لقاء عابر، وكان الرد حينها بصورة منطقية ومدروسة.
- عبدالله يوسف: الحركة الفنية 99 من عناصرها منفصلون عن الحركة الأدبية فالتشكيلي هو بدرجة أولى قبل أن نسميه تشكيلي يملك موهبة فطرية، ولكن هل كل رسام هو فنان تشكيلي، ففي الستينات يقال فلان رسام وحتى السبعينات كانوا يسمونني عبد الله الرسام، ولكن الآن يقال لك الفنان التشكيلي حيث تغيّر الوعي الفكري، وهذا الوعي الفكري لا يأتي دون الالتحام بالأدب والثقافة كفكر وعندما يصل الفنان لهذه المرحلة لا يقوده الوعي الثقافي للحديث بالترهات لأنه ينأى به عن ذلك ويذهب به لتحليل العمل الفني كما عمل الفنان عبد الكريم حينما رد عليّ ولكن لم يسقط غيره، وهذه حالة ثقافية وفكرية تعمل على تأويل الفكرة في العمل الفني وترميزاتها وإيحاءاتها، والخروج من رؤية المساحة اللونية إلى قراءة للقرية والجدار والزي نفسه، وللحالة البصرية، اللونية الدقيقة هذا هو استكشاف التشكيل، فالوعي البصري يقوده وعي فكري تلمسه في اللوحة والمنجز الفني.
- حبيب حيدر: إذا أردنا أن نبحث في توثيق الحالة الفنية في البحرين من المهم جداً أن نبحث فيما قبل جيل الرواد فليس من المعقول أنه ليس هناك فن قبلهم، وأبسط شيء أنه إذا لم نحصل على أي لوحة، فالفن كان موجوداً في التشكيل في القبور، والخطوط الموجودة شاهدة على ذلك، ويمكن تتبع الفن في رحلته من استهلاك ومعايشة يومية من خطوط وكتابات ورسوم على الأواني والثياب والوسائد والجدران، إلى حالة فنية تختص بها الحضارة وتحول الفن إلى قيمة فنية، فمن المهم أن نبحث عن الفن حتى ما قبل جيل الرواد، ومع جيل الرواد أنفسهم، ثم مع رسامي المدارس الفنية، فحين جاءت أسرة الأدباء وصار لها نهج مختلف عن جيل الرواد الذين هم نشؤوا كرسامين والتقو فيما بينهم وأسسوا أسرة هواة الفن، أما ما صاحب أسرة الأدباء والكتاب من فنانين فهم جيل لهم رؤية مغايرة لها مصطلحاتها وأيدلوجيتها التي ربما جمعتهم زمناً على الأقل وجعلتهم يرسمون بشكل مغاير.
في البحرين لا يوجد مدارس فنية، بل يوجد سمات فنية يمكن تتبعها حيث تجد سمات كلاسيكية أو رومانسية عند العريض، أو البوسطة، وسمات واقعية لدى عبد الله يوسف ومن صاحبه، ثم سمات المعاصر أيضاً، وبعيداً عن سمات المدارس الموضوعية أو التحقيب، تجد مع مجموعة من الفنانين الآخرين عبور إلى الحالة الشكلانية أو الحداثة وما بعدها وما فرضته من خلط كل هذه السمات في بوتقة واحدة وتكوين حالة فنية.
والكلام أن في البحرين زخم فني كبير سواء في عدد الفنانين أوتميزهم، أو كما قال عبد الله يوسف: «إن تحت كل حجر تجد عشرة فنانين أو أكثر» أرى أن ذلك راجع لطبيعة السسيولوجيا الثقافية للقرية وطبيعة تعاطيها اليومي مع الرسم والخطوط في المناسبات وموسمياً نشهد رسوم البوسطة وغيره من الفنانين على واجهات اللافتات في أكثر من مناسبة، وكثير من الفنانين والرسامين الصغار يكبرون وينتقلون من حالة الرسم البسيط والعادي، وتتلقاهم المدارس الفنية المختلفة ويطورون من مواهبهم سواء بالدراسة أو بممارسة الموهبة ومشاركة الفنانين في المعارض المختلفة، فالبحرين ولادة وزاخرة بالفنانين بسبب الطبيعة السسيولوجية لإنسان هذا البلد المشحون بالآمال الكبيرة التي تتشكل في أكثر من صورة فنية.
العدد 4396 - الجمعة 19 سبتمبر 2014م الموافق 25 ذي القعدة 1435هـ