العدد 997 - الأحد 29 مايو 2005م الموافق 20 ربيع الثاني 1426هـ

حفلة وطن

عبير إبراهيم abeer.ahmed [at] alwasatnews.com

إنها حفلة عيد ميلاد لشخص يدعى "وطنا" شاركه فيها أصدقاؤه المقربون "جزيرة"، "ساحل"، "نخلة"، "عيون"، "سمك"، "روبيان". .. وكل من يشع اسمه زرقة واخضرارا!... ولكن وجود الأصدقاء لا ينفي أبدا وجود أشخاص آخرين لا يرغب "وطن" في حضورهم، ولكنهم فرضوا عليه عنوة وخصوصا "أبوكرش" و"متنفذ" و"صاحب المقام الرفيع"!...

بدأ الحفل بأغنية عيد الميلاد شارك فيها الجميع ببهجة وفرح، ولكن النظرات تختلف، فلكل فئة عيون مختلفة... الأصدقاء ينظرون إلى "وطن" محاولين إدخال البهجة إلى نفسه بأية طريقة... وغير المرغوب فيهم أعينهم على الكعكة يلتهمونها بنظراتهم!

خلصت الأغنية... وبينما الأصدقاء يهنئون صديقهم، لم يستطع غير المرغوب فيهم مقاومة الكعكة فهجموا عليها كل يلتهم منها وبشراهة لا يمكن وصفها... حتى إذا ما أتخمت بطونهم عادوا أدراجهم مخلفين أصدقاء سال لعابهم للكعكة، ولكنهم لم يذوقوا إلا فتاتها - هذا إذا تمكنوا جميعهم من الحصول عليه - ولكنهم لم يستطيعوا التعبير عن حسرتهم تلك إلا بالدموع ومواساة "وطن" واسترجاع صورة كعكة لم يبارح شكلها ولا رائحتها أذهانهم!

قد تبدو تلك قصة للأطفال تلقى عليهم في حصص المكتبة ليستخلصوا منها الأفكار الرئيسية والوصول إلى العبرة في النهاية، ولكنها فعلا قصة وطن... جزيرة أم تمخضت عن عدة جزر... والجزر تحيلنا إلى البحر والسواحل... ثم إلى السمك والروبيان وإلى نسمة هواء عليل تريح الذهن بعد عناء طويل، ولكن من أين لنا الحصول على كل ذلك وهو عبارة عن مواد أساسية صنعت منها تلك الكعكة الشهية بشكلها ورائحتها؟ تلك الكعكة التي استولى عليها غير المرغوب فيهم مخلفين لنا الفتات الذي إن لم نعجل بالبقاء عليه فلا يمكننا أبدا ضمان بقائه بعد أن ترتاح المعدة الشرهة وتطمع في قطعة أخرى من الكعكة أو صنع غيرها ولو تكلف الأمر استيراد المواد من الخارج وصنع كعكة أكبر وأجمل تكون من نصيب غير المرغوب فيهم فقط لا غير!

لا يمكنني وصف حال جزيرتنا - هذا إذا بقينا على مسمى جزيرة حفاظا على الموروث لا أكثر - إلا بالكعكة الشهية التي تهافت عليها الطامعون منذ القدم وخططوا لسلبها هويتها الجزيرية ليحيلوها إلى قطع اسمنتية يعود نفعها على أناس دون آخرين في حسبة ظالمة بين أبناء أرض واحدة يحملون جنسيتها.

قلت: طمع فيها الطامعون منذ القدم... أولئك كانوا في غالبيتهم غرباء عن الوطن، ولكن الطامع فيها اليوم هو ابن الوطن نفسه بعد أن ربى كرشه وترس جيبه وتمترس على كرسيه وجمع له الخدم والحواشي، فكانت إشاراته كلها تذهب نحو اقتطاع جزء من الوطن وضمه إلى امبراطوريته الآخذة في الامتداد يوما عن يوم... فيما أصحاب الأجساد الممشوقة غصبا وقهرا واضعون أيديهم على خدودهم والحسرة تطفر من أعينهم وإن قووا لحظة على الكلام فلا يعدو كلامهم حمل لافتة تنديد واعتصام خلف أسوار مقبرة السواحل والخضرة! أما آن لنا أن نسحب هوية الجزيرة الخضراء من بحريننا العريقة ونعيد كتابة تاريخها لأننا بدأنا فعلا بطمس كل معلم للتاريخ حتى المقابر؟ فبأي وجه سنقابل أبناءنا؟ وكيف سنستطيع إقناعهم بأن الأرض الاسمنتية التي ولدوا عليها كانت في يوم من الأيام جزيرة يتبارك بها البعيد قبل القريب وتملك مليون نخلة لا وجود لواحدة منها في زمانهم وربما سنحرق بعد حين حتى صورها ونعيد برمجة الماضي وذكرياته ليوافق روح العصر... وطن المتنفذين؟

إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"

العدد 997 - الأحد 29 مايو 2005م الموافق 20 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً