العدد 996 - السبت 28 مايو 2005م الموافق 19 ربيع الثاني 1426هـ

يوم التحرير يتميز عن كل عناوين الحرية والاستقلال

السيد محمد حسين فضل الله :

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

تحدث السيد محمد حسين فضل الله، في خطبة الجمعة، عن مناسبة يوم التحرير 25 مايو/ آيار قائلا انه يتميز عن كل عناوين الحرية والاستقلال في لبنان، وفي أكثر من دولة في المنطقة، لأنه وحده اليوم الذي تفجرت فيه الحرية شبابا ودما وجهادا وتحديا وإسقاطا للمحتل وهزيمة لجنوده، إنها الحرية التي لم تصنعها مفاوضات التخاذل، ولا مظاهرات الشعارات، إنه الشعب اللبناني في شبابه المجاهد في شجاعته المتحدية في حركة العنفوان في صناعة المستقبل، وكنت أقول وعلى هذا المنبر بالذات إن علينا أن ننتبه الى اللصوص الدوليين والإقليميين، الى السراق الذين يعملون لسرقة التحرير والنصر.

وهذا ما نراه تجلى في القرار 1559 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي، بفعل الضغوط الاميركية، لكي تستعيد "إسرائيل" موقعها السياسي، فتدخل الى لبنان من النافذة بعد خروجها من الباب، ولا سيما من خلال الوصاية الاميركية الجديدة التي تتدخل في كل شئون لبنان الانتخابية حتى في حسابات الترشيح، بالإضافة الى أكثر من عنوان سياسي تلتزمه المواقع الدينية والحزبية على المستوى الطائفي الذي يحرك الطائفية بطريقة غرائزية في سوق المزاد السري والعلني مع بعض الأغلفة الوطنية.

إننا نعتبر أن التحالف الاستراتيجي بين "إسرائيل" واميركا يجعل "إسرائيل" تنفذ الى أكثر من نسيج لبناني في الخفاء، وتثير مسألة سلاح المقاومة بأساليب مختلفة من خلال حاجة الداخل اللبناني الى صناعة الدولة والى الاستقرار، وإذا كان البعض يتحدث عن المفاوضات حوله كشأن لبناني، فإن الجميع يعرف أنه ليس هناك أيا طرح واقعي في هذا الشأن.

وفي ضوء ذلك، لا بد للشعب اللبناني الذي يعاني من دوامة التدخلات الاميركية، وبعض التدخلات الأوروبية، أن يكون واعيا في المسألة الانتخابية، وألا تذهب أصواتهم سدى للذين كانوا أو يمكن أن يكونوا السبب في إدخال البلد في أكثر من نفق دولي أو مشكلة داخلية، وألا ينساقوا انفعاليا في عملية الاختيار لهذا المرشح أو ذاك، وأن يبحثوا عمن يملك البرنامج على طريقة: "فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" "الرعد: 17"، أو من يملك الكفاءة والفكر والموقع والأمانة، لأن هذه الانتخابات أريد لها أن تكون المحطة التي تؤسس لما بعدها، فهي الأخطر في تاريخ لبنان.

وإنني أدعو اللبنانيين جميعا، ومسئولي الطوائف أكانوا زمنيين أم دينيين، أن يخرجوا من خطابهم الطائفي العشائري الفارغ من المسيحية والإسلام الى وحدتهم الوطنية، وأن يقلعوا عن لغة التخوين الى لغة الحوار، وعن لغة العنف الى لغة الرفق، لبنان ينتظر بناء الدولة المرتكزة على المؤسسات قبل أن يذهب في حمى الفوضى الاميركية "البناءة" أو الهدامة.

أيها اللبنانيون: انتخبوا لبنان ولا تنتخبوا المخابرات الدولية، ولا سيما الاميركية. كونوا أحرارا في دنياكم، ولا تكونوا أيتاما في مأدبة اللئام.

وليس بعيدا من ذلك، لا يزال الرئيس الاميركي يكرر كلامه عن الديمقراطية في لبنان، وعن "ثورة الأرز"، ولكنه يوجه ذلك الى الموقف من سورية لا الموقف من "إسرائيل"، لأنه يدعو الدولة العبرية على لسان وزيرة خارجيته أن تساعد لبنان والمنطقة في ما يسميه "نشر الديمقراطية"، لأنه يعتبرها "الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة"، كما أنه مع كل معاونيه في الإدارة والكونغرس يؤكد أن دعمه لـ "إسرائيل" هو الدعم المطلق الذي لا يقف عند حد، ولذلك فإنه سيؤسس في خطته الإسرائيلية لبناء الاستراتيجية اليهودية الصهيونية على حساب الشعب الفلسطيني.

وإذا كان الرئيس الاميركي قد تحدث عن دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، فإنه لم يتحدث عن طبيعتها وعن مكوناتها وعن حدودها وعن امتدادها، بل إنه تحدث عن شرعية المستوطنات الكبرى بشكل صريح، وعن الجدار الفاصل بطريقة ملتبسة، وعن رفض عودة اللاجئين الى ديارهم مع تشجيعه هجرة كل اليهود الى فلسطين لاستكمال اغتصاب أرض الفلسطينيين.

وهذا ما لاحظناه في الاجتماع الأخير بين الرئيس الاميركي ورئيس السلطة الفلسطينية، حين جدد بوش ضغطه على السلطة الفلسطينية لتفكيك فصائل الانتفاضة لأنها تمثل الإرهاب في زعمه، بالإضافة الى تركيزه على عنوان "الإصلاحات الداخلية" التي تجعل الأمن الفلسطيني بتفاصيله خاضعا للأمن الإسرائيلي، أما المساعدات المالية فقد تتعثر قرارات الكونغرس في تقرير المساعدات للفلسطينيين التي لا تأتي إلا بشروط تعجيزية عليهم.

وإذا كان الرئيس الاميركي يحاول الإيحاء بالإيجابية في بعض الأمور حيال الفلسطينيين، وخصوصا في حديثه عن الدولة الفلسطينية أو المساعدات المالية، فإن المسألة هي أنه يبيع الفلسطينيين والعرب كلاما ويعطي "إسرائيل" مواقف وأفعالا، وقد تعودنا منه أنه يقول الكلمة ثم يجمدها ثم يعمل على سحبها، كما في رسالة الضمانات لشارون التي أقر فيها بقاء المستوطنات والاستمرار في بناء الجدار العازل.

وفي هذا الجو، نطالع التقارير الجديدة لمنظمة العفو الدولية التي تحدثت عن الانتهاكات التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين من قتل وتدمير واسع النطاق ومتعمد للممتلكات والتعذيب واستخدام الفلسطينيين دروعا بشرية، والتي تمثل جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب. وتزامن ذلك مع آخر نشرة للمركز الإسرائيلي لحقوق الإنسان، أشار إلى نهج في صفوف الجنود الإسرائيليين لتنفيذ عمليات إعدام بحق الفلسطينيين الناشطين، وقد قتلت قوات الاحتلال 700 فلسطيني، بينهم 150 طفلا في الأراضي المحتلة.

إن هذا التقرير يدل على مدى الجرائم التي تقوم بها "إسرائيل" من دون أن تحرك اميركا ساكنا، حتى على مستوى الاستنكار. وإذا كان الاميركيون يهربون إلى الأمام في ذلك كله، فإننا نعتقد أن جرائم اميركا في العراق وأفغانستان وغوانتنامو وغيرها، تؤكد التوافق في حسابات الجريمة، الأمر الذي يفضح حقوق الإنسان الاميركية.

إننا نعتقد أنا رئيس السلطة الفلسطينية لن يحصل من اميركا على الالتزام الموقع من الرئيس الاميركي بخريطة الطريق وبرفض فكرة غزة أولا وأخيرا، كما تحدثت وزيرة الخارجية الاميركية، بل سيجعل الملهاة الكبرى هي الانسحاب من غزاة على أساس ما يمثله شارون كـ "رجل سلام" عند اميركا، وسيرجع الرئيس الفلسطيني صفر اليدين مع بعض المجاملات الخادعة؛ لأن شارون ومنظمة إيبك قد خططت لذلك.

وأخيرا، إن المنطقة تهتز بفعل السياسة الاميركية التي تنشر الفتنة بدلا من الوحدة، وتحرك الفوضى بدلا من الاستقرار والأمن. وبهذه المناسبة نقول للفلسطينيين:

حذرا من الخضوع للمندوبين الاميركيين الذين يؤكدون أن من الجنون أن يعتقد أحد أن الاميركيين يعملون بشكل محايد؛ لأنهم مع "إسرائيل" ضد العالم كله، ولا سيما العالمين العربي والإسلامي.

ونقول لأهلنا في العراق، أن يعملوا على رغم كل المآسي الدامية بكل مذاهبهم وأعراقهم وأطيافهم السياسية والدينية، على صون وحدتهم بكل الوسائل، وعدم السماح للفتنة التي يرعاها المحتل أن تنال من عزمهم، والسعي الدؤوب على إخراج المحتل، وإسكات الأصوات التكفيرية الساعية لتحريك خطوط الفتنة الدامية.

إن واقع المنطقة في حالة طوارئ، فعلى الجميع أن يرتفعوا إلى مستوى المرحلة

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 996 - السبت 28 مايو 2005م الموافق 19 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً