العدد 994 - الخميس 26 مايو 2005م الموافق 17 ربيع الثاني 1426هـ

شعار "من طهران إلى بيروت" يبحث عن مسالك وعرة في المنطقة

محمد حسين فضل الله:

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

حذر السيدمحمدحسين فضل الله، من أن الإدارة الأميركية لا تعمل على نشر الديمقراطية بل على منع انتشارها إلا في النطاق الذي يكسبها موقعا دوليا أو اقليميا لمصلحتها، مشيرا إلى تلاوين من الخداع الأميركي الذي يمارسه الرئيس الأميركي على العالم. وأشار إلى أن أميركا تؤسس لحروب عرقية وطائفية ومذهبية انطلاقا من العراق الذي نشرت فيه الارهاب وأبعدت عنه الديمقراطية وأرادته جسرا ينقل عنفها الدامي إلى المحيط. وحذر اللبنانيين من لعبة أميركا لتسويق الانتخابات اللبنانية في مشروعها، مشيرا إلى أن شعار من "طهران إلى بيروت" الذي أطلقه بوش يبحث عن مسالك وطرق ومواقع في طول المنطقة وعرضها.

جاء ذلك في معرض رده على سؤال في ندوته الاسبوعية عن نظرته إلى نشر الإسلام في العالم ودعوة الإدارة الأميركية لنشر الديمقراطية، فبدأ جوابه بالقول "إن الإسلام دين عالمي ورسالة عالمية تنشد الخير للبشرية جمعاء، ولم يأت رسول الإسلام "ص" ليكون المخلص والمنقذ لشعب من الشعوب، ولكنه كان يحمل في قلبه وعقله هم النهوض بالبشرية كلها نحو غد الخير والرحمة والعدالة على جميع المستويات.

كما أن الإسلام يؤمن بمشروعية الحق في أن يكون في مفاهيمه وأدواته في متناول الناس جميعا، وألا يحاصر في أية دائرة من الدوائر، بل أن تفتح له كل الآفاق، وبالتالي فإن على أصحاب الحق أن يعملوا على إيصال صوت الحق إلى كل الآذان. وهنا تغدو القضية رسالة، ويغدو إيصال صوت الإسلام إلى العالم قضية، إذ لا يمثل ذلك لونا من ألوان السيطرة والهيمنة وإخضاع الآخرين. والإسلام يسلك السبيل السلمي ولا يتبع أساليب القمع والقهر، لاعتبارين: لأنه لا يمكن قهر الناس على التدين والعلاقة بالله والأخذ بهذا الفكر، فالمسألة هنا ترتبط بالقلوب والعقول والقناعات التي لا يمكن فرضها تحت ظلال السيوف والسياط، والله تعالى ترك الخيار للناس: "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" "الكهف:29"، وثانيا لأن الرسالة التي تفرض بالقوة ستؤسس لانهيارها ذاتيا من خلال سلوكها لطرق الظلم والفرض والقهر.

والإسلام يؤمن بأن الغاية لا تبرر الوسيلة بل تنظفها، وأما ما يتحدث عنه البعض من أن الإسلام انتشر تحت ظل السيف فهو ما تدحضه الوقائع التاريخية، فالكل يعلم أن الفاتحين المسلمين لم يصلوا إلى جنوب شرق آسيا وإلى إندونيسيا وماليزيا وغيرهما، وإنما الذي وصل إلى هناك التجار المسلمون الذين حملوا بضاعتهم الفكرية إلى الناس قبل أن يعرضوا عليهم بضاعتهم التجارية، فلقوا القبول من خلال أسلوبهم الحكيم الذي التقى بالمضمون الفكري المبدع الذي شعر الناس هناك بأنهم في أمس الحاجة إليه. وحتى في إيران لم يكن السيف هو الذي أقنع الفرس أصحاب الحضارة العريقة بالإسلام، ولكن الإسلام اجتذبهم من خلال عناصره الفكرية والعقائدية، الأمر الذي جعلهم يتخلون عن عقائدهم لمصلحة الدين الجديد ودعوة التوحيد المرتكزة على الأسس العلمية المنسجمة مع الفطرة الإنسانية، وهذا ما يؤكده المؤرخون الإيرانيون أنفسهم.

إننا في الوقت الذي نؤكد أن عملية نشر الإسلام صاحبتها بعض السلبيات التي انطلقت وتنطلق من بعض الأخطاء التي ارتكبها الذين يدعون الانتماء للإسلام، لا من خلال ذاتية الإسلام الفكرية والعقائدية، فإننا نحيل الذين يعملون على تشويه صورة الإسلام وأنه انتشر بالقوة والعنف إلى ما قاله "غوستاف لوبون" من أن التاريخ لم يشهد فاتحين أرحم من العرب، ويعني بهم المسلمين، لأن الإسلام كان حريصا على أن يفتح العقول والقلوب قبل أن يفتح البلدان، وهذا ما يؤكده مؤرخون أميركيون معاصرون يعترفون بأن الأقليات عاشت في ظروف وأوضاع أفضل مع الإسلام مما عاشته مع الديانات والأفكار والرسالات الأخرى.

ونحن في الوقت الذي لا نؤمن بتصدير الفكر أو الثورة عن طريق الفرض، نرى أنه لا وطن للفكر، وأن منع الفكر الحق من الوصول إلى كل المواقع والآفاق هو اعتداء على حرية الفكر والأشخاص التي ضمنتها الشرائع والقوانين الدولية وأكدها الإسلام قبل الجميع. لقد حاربت أميركا إيران وعملت على حصارها منذ انتصار الثورة الإسلامية ولاتزال، تحت عنوان أنها تعمل لتصدير ثورتها، مع أن الإمام الخميني "قده" كان يقول: "إن معنى تصدير الثورة أن نعرف الإسلام كما هو، وأننا معنيون بإيصال صوتنا إلى العالم، ومكلفون بعرض الإسلام في العالم، وأن تصدير الثورة ليس بالقوة بل بالأخلاق الإسلامية". فهذه الحرب الأميركية المفتوحة على إيران كانت ولاتزال تستهدف منع حركة الوعي الإسلامي العام من الانتشار، لا من حيث أن الإسلام يمثل النقيض للغرب، فنحن لا نؤمن بهذه المقولة، إذ إن الإسلام يتأثر بالغرب الحضارة ويؤثر فيه، ولكن أميركا كانت ولاتزال تفكر في منع قوة بشرية إسلامية وعربية تملك كل عناصر الحضارة والفكر والعلم من أن تجمع شتاتها وتعود إلى موقع الصدارة في العالم.

إن أميركا لا تعمل على نشر الديمقراطية، بل على منع انتشارها إلا في النطاق الذي تكسب فيه موقعا دوليا أو إقليميا لمصلحتها، وعلى أساس أن يكون تابعا لها وسائرا في ركابها.. ولذلك فإن امتداح المسئولين الأميركيين لبعض ما يحدث في المنطقة ووضعه في سياق إنجازاتهم هو من تلاوين الخداع الأميركي للعالم وللشعب الأميركي أيضا، ولاسيما في الحديث عن أن مشروع بوش لتصدير الديمقراطية بات في قمة تصاعده، مع أن الذي نشهده في منطقتنا والعالم أن القمة في القتل والإرهاب والإبادة والمأساة انطلقت مع هذا الشعار الضبابي الذي لا يملك الأسس الفكرية والقيمية، بل يحمل كل عناوين السيطرة والهيمنة وإخضاع الشعوب.

إن الرئيس الأميركي عندما يرفع شعار نشر الديمقراطية من كييف إلى بيروت أو من طهران إلى بيروت، ليتحدث عن ثورة البرتقال في أوكرانيا، وثورة الورود في جورجيا التي تلتقي بـ "ثورة الأرز" في لبنان يحاول أن يخدع العالم، لأن بلاده لا يمكن أن تقدم نفسها كنصير أو كمنقذ للشعوب، وهي المسئولة عن مآسي معظم شعوب العالم، السياسية والاقتصادية، وهي المسئولة عن مأساة الشعبين الفلسطيني والعراقي، وعن كل هذا الدمار الذي يحل بالمنطقة، والمذابح التي تريدها واشنطن أن تؤسس لحروب عرقية وطائفية ومذهبية، انطلاقا من العراق الذي نشرت فيه الإرهاب وأبعدت عنه الديمقراطية وأرادته جسرا ينقل عنفها الدامي إلى المحيط.

ولذلك، فإننا نحذر اللبنانيين من أن أميركا التي تعمل لتسويق الانتخابات اللبنانية في مشروعها المسمى نشر الديمقراطية، قد لا تمانع في نشر الفوضى في لبنان في أعقاب الانتخابات لتوحي من أن الاستجابة لمتطلبات هذه الديمقراطية تقتضي سلوك طرق وعرة وخطيرة. كما نحذر أكثر من موقع إسلامي وعربي من أن شعار "من طهران إلى بيروت" الذي أطلقه بوش، يبحث عن مسالك وطرق ومواقع في طول المنطقة وعرضها، وعن محطات عربية وإسلامية قد تشهد مخاضا أمنيا يعقب المخاض السياسي الذي يراد له أن يظل محتدما في هذه الأيام. هذا الشعار الذي يراد له أن ينزع كل قوة إسلامية وعربية وأن يجعل إيران وغيرها كمواقع استهداف قريبة تحت العنوان النووي وغيره... وهذا الحديث الأميركي المتواصل عن أن العالم يشهد "تحولا باتجاه الديمقراطية"، هو بمثابة الإنذار للعرب والمسلمين أن شعار: "من مراكش إلى طشقند" قد سقط أو يراد له ذلك، لحساب شعار الهيمنة الأميركية الشاملة، فهل يصحو العرب ويستفيق المسلمون؟

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 994 - الخميس 26 مايو 2005م الموافق 17 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً