العدد 99 - الجمعة 13 ديسمبر 2002م الموافق 08 شوال 1423هـ

لماذا لم تذكر أسوأ جرائم صدام؟

روبرت فيسك comments [at] alwasatnews.com

لماذا لم تذكر أسوأ جرائم حرب صدام حسين على الإطلاق؟ لماذا لم يذكر طوني بلير ولا جورج بوش أسوأ جريمة اقترفها صدام؟ لماذا لم يشيرا في كل ملفاتهما إلى أولئك الشباب الخمسة آلاف من الجنسين الذين ألقي بهم في مراكز الاعتقال عندما سفّرت عوائلهم ـ من أصل إيراني ـ إلى إيران قبل أن يشرع صدام بغزوه لإيران في العام 1980؟

هل يمكن أن يكون السبب في تجاهل ذكر هذا الأمر هو أن هؤلاء الشباب الخمسة آلاف قد استخدموا كمحطات تجارب للمواد الكيماوية والبيولوجية والغازات التي كانت تصل مكوناتها الأصلية من الولايات المتحدة نفسها؟ فقبل شهور فحسب من غزوه لإيران في سبتمبر/ أيلول 1980، والتي قضى فيها مئات الآلاف من الجنود الإيرانيين حرقا بالغازات والجروح، فإن وزارة داخلية صدام أصدرت توجيها يحمل الرقم 2884 بتاريخ 10أبريل/نيسان 1980 ينص على أن جميع الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و28 سنة يُعفون من الترحيل إلى إيران، ويجب احتجازهم في مراكز الاعتقال حتى إشعار آخر.

وغالبية هؤلاء الشباب، ذكورا وإناثا، من الذين تأثروا بهذا الأمر العسكري كانوا من الأكراد. فلم تحظ عوائلهم بلقائهم مرة أخرى بعد ذلك. ولكن وصلت إليهم أنباء منذ ذلك الحين أن أبناءهم وبناتهم قتلوا خلال إجراء تجارب على الغازات والمواد الكيماوية في المختبرات العراقية.

وإذا راجعنا ملفات الحرب العالمية الثانية فسنرى أن أشد وأفظع جرائم تلك الحرب كانت التجارب اليابانية باستخدام الغازات والمواد الكيماوية ضد السجناء في الصين التي خضعت للاحتلال الياباني. كما أجرى النازيون تجارب على اليهود في معسكرات الاعتقال في أوروبا، والتي أفلت بعض الأطباء فيها من العقاب.

وكما هو دائما في العراق لم يوجد دليل على الجريمة! فالعوائل الكردية التي تحدثت إليهم «الإندبندنت» توسلت إلينا بعدم ذكر أسمائهم، على أمل ضعيف أن يكون أبناؤهم أو بناتهم وأزواجهم مازالوا على قيد الحياة. من بين هؤلاء أب لشاب أُخذ من منزله في بغداد، وأب آخر أُخذ ابنه ـ كما قيل له ـ إلى الخطوط الأمامية خلال الحرب العراقية الإيرانية وتوفي «شهيدا»! وذلك بعد أشهر من وفاته خلال تجربة من هذا النوع.

والمعروف أن وزارة الزراعة الأميركية أرسلت إلى العراق ـ وبتشجيع من الرئيس بوش الأب ـ عينات من المواد الكيماوية المستخدمة في حماية المحاصيل والمنتوجات الزراعية الأخرى، إلى جانب المبيدات والمواد السامة التي طوّرت لاحقا إلى مواد كيماوية حربية، على رغم تحذيرات بعض المسئولين الأميركيين من إمكان استخدامها ضد الإنسانية.

وقد ابتدأت الاعتقالات قبل نشوب الحرب في سبتمبر 1980 بقليل. وهناك 5 آلاف شاب كردي على الأقل تم القضاء عليهم بهذه الطريقة حسبما قال أحد اللاجئين العراقيين الذين قابلتهم «الإندبندنت».

وصرّح أحد المنشقين العراقيين بأن الصورة تتضح أكثر عندما نعرف أن الكثير من عوائل الشباب المختطفين غير معروفي العدد ربما ماتوا نتيجة استخدامهم كفئران تجارب في برامج أبحاث صدام في معامل ومختبرات التجارب النووية والبيولوجية والكيماوية. وتبعا للمصدر نفسه فإن العلماء العراقيين الذين فرّوا إلى الغرب قد أعطوا إشارات لبرامج التجارب البيولوجية، ولكنهم رفضوا قبول التهمة أو التجريم لأنفسهم لأسباب واضحة. ولكن العوائل العراقية والإيرانية الكردية تلّقت معلومات مروّعة عن مصير أقاربهم، مما أخرجهم من دائرة الصمت. فأحد الآباء فقد خمسة من أبنائه، ادعى أنه تمكن من الحديث مع نائب الرئيس العراقي، الذي أخبره أن أحد أبنائه سجن لمعارضته صدام، ولكنه عاش «صحوة ضمير» كما قال، فقرر المشاركة في الحرب ضد إيران وسقط قتيلا فيها ولم يُعثر على جسده!

وتبعا للاجئ عراقي كردي في لبنان، يعتبر المعارضة العراقية ـ التي تدعمها واشنطن رسميا ـ طابورا خامسا، فإن المخابرات الغربية كانت على علم مسبق منذ أمدٍ بعيد بمصير أولئك الشباب الخمسة آلاف أو أكثر. يقول: «أصبح واضحا اليوم أنه خلال الحرب ضد إيران أُخذ الكثير من الشباب إلى المختبرات في مناطق مختلفة من العراق وتعرّضوا إلى جرعات كثيفة من المواد الكيماوية والبيولوجية في ظروف وحالات كثيرة.

ومع كل نكسة عسكرية تُلحق بالعراق على الجبهة يتبعه ذعر في بغداد. وكانت هذه التجارب تتسارع. وهو ما يعني أن هناك حاجة إلى إرسال المزيد من المعتقلين إلى هذه المختبرات التي كانت تجرب غاز الخردل والأعصاب والسارين والجمرة الخبيثة وغيرها.

وفي المراحل الأولى من الحرب العراقية الإيرانية، اندفع الجنود الإيرانيون على طريق البصرة ـ بغداد الرئيسي واستطاعوا أن يقطعوا العراق إلى نصفين تقريبا. وهو ما كان موضع قلق بالغ في واشنطن. ولكن لم يكن من بين الاتهامات الكثيرة، التي رفعتها واشنطن ولندن ضد نظام صدام، أي ذكر لهؤلاء الشباب المفقودين الـ 5 آلاف، الذين اعتقلهم النظام قبل قليل من نشوب الحرب العراقية الإيرانية.

هذا الأمر يمكن أن يعكس حيرة الغرب في دعمه للعراق خلال تلك الحرب. كما يمكن أن يكون محاولة لتجنب أية مساءلة عن كيف استطاع صدام الحصول على الوسائل التي مكّنته من إنتاج تلك الأسلحة والمواد الكيماوية من الأساس

العدد 99 - الجمعة 13 ديسمبر 2002م الموافق 08 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً