ثمة من يشكك في إيجابية الخطوة التاريخية التي أقدمت عليها الحكومة الكويتية بتقديمها لمشروع قانون يمنح الكويتيات حقوقهن السياسية. القانون صوت عليه مجلس الأمة الكويتي وأيدته غالبية حضرت جلسة مجلس الأمة تألفت من "35 صوتا من بينهم 14 وزيرا"، مقابل رفض "23 صوتا"، وامتناع رئيس المجلس "جاسم الخرافي" عن التصويت، إذ إن إجمالي من حضر جلسة التصويت بلغ "59".
القانون منح المرأة الكويتية حقوقها السياسية وأفسح لها المجال لخوض الانتخابات البلدية والبرلمانية ترشحا وتصويتا في العام ،2007 ما يوسع من قاعدة الناخبين كي ترتفع من "145" إلى "400" ألف ناخب وناخبة، كما أن بموجبه - أي القانون - يستطيع رئيس مجلس الوزراء التعيين الفوري لأول وزيرة كويتية. أهم تجليات خطاب التشكيك برزت في أربع أمور هي:
1- إن منح الحق السياسي للكويتيات، لا يعني البتة نجاحهن في الحصول على أي من مقاعد مجلس الأمة أو المجلس البلدي، وهي إشارة تشكيكية إلى استحالة تحقيق أي تقدم ومكاسب للنساء في ظل الوضع السائد لمجتمعاتنا والنظرة الدونية لها، إضافة إلى الإخفاقات التي منيت بها البحرينيات اللواتي خضن الانتخابات في ،2002 وفشلهن في إيصال أي من المترشحات سواء إلى قبة المجلس الوطني أو المجالس البلدية.
2- أيضا أثيرت الزوابع والاعتراضات هنا وهناك بشأن نظرية المؤامرة، وكون إقرار مشروع القانون قد جاء كمحصلة لإلحاح وضغوط مارستها ولاتزال الإدارة الأميركية سواء على الكويت أو بقية دول المنطقة، وذلك لإعطاء النساء حقوقهن السياسية، وقيل أيضا إنها خطوة تأتي في سياق مشروع الدمقرطة الأميركي للشرق الأوسط، ولاسيما أن أهم بنود أجندة المشروع، تدعو إلى فك أسر النساء العربيات والمسلمات وإشراكهن في الحياة العامة لمجتمعاتهن العربية والإسلامية.
3- تحدثت الصحافة ووسائل الإعلام صراحة ومن دون مداراة عن "صفقة" استرضاء للنواب أقدمت عليها الحكومة الكويتية تمثلت "برفع الرواتب" بمقدار 50 دينارا كويتيا "167 دولارا" لموظفي الحكومة والقطاع الخاص والمتقاعدين من الكويتيين، مقابل الموافقة على تمرير قانون منح الحقوق السياسية للكويتيات، إذ رأى بعض المحللين أن الزيادة ستضع عبئا إضافيا على كاهل الموازنة العامة يبلغ "11 مليون دينار/400 مليون دولار".
4- هواجس وتوجسات لم يغفلها المتشككون، بسبب مواقف بعض النواب خلال ثماني ساعات من المداولات سبقت التصويت، واستخدمت فيها بنود إجرائية لتعطيل التصويت وإفشال الجلسة التي حشدت لها الحكومة واخترقت المعارضين، ما دعاهم إلى اقتراح بند حملوا فيه الحكومة اشلكويتية على إضافته في بنود القانون الانتخابي وهو ينص على: "ألا تخالف إجراءات الانتخاب أحكام الشريعة الإسلامية"، ما يعني بحسب المحللين إتمام عملية الانتخاب بشكل مستقل بالنسبة إلى الرجال عن النساء. التوجسات لم تغفل تصريح أحد نواب السلف المعارضين في البرلمان: "وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم... ان المرأة الكويتية ستقف مع من عارضوا التعديل لأنها تعلم أنهم فعلوا ذلك حرصا على المجتمع وتطبيقا لأحكام الدين".
السؤال: هل يمثل ما سبق سببا وجيها وداعيا من دواعي التوجس والارتياب في جدوى منح المرأة الكويتية حقوقها السياسية؟
"نعم"، لو نظر إليه من زاوية ما أطلقته بعض المصادر الصحافية وحملته بعض أجهزة الإعلام من آراء وأطروحات أثناء استطلاعها لرأي النساء الكويتيات والخليجيات وأفراد المجتمع عامة ورصدها لردود الفعل تجاه الحدث، طبعا من الآراء والتحليلات المطروحة ما اتسم بالتشكيك في مدى جدوى وأهمية ذلك القرار، وخصوصا إذا ما قاربنا ذلك بأمرين: أولهما، فشل البحرينيات في خوض تجربة الانتخابات، وثانيهما، هو الصورة التي تبثها وسائل الإعلام عن المرأة ودورها في تمييع قضاياها وحصرها في منظور استهلاكي يتمثل في عرضها كسلعة، تؤدي إلى ترسيخ رؤية سطحية واستعراضية إلى جسدها ولا تدفع بها إلى المستوى الإنساني.
"لا"، لأنه وللوهلة الأولى قد يعتقد أن تلك التوجسات والتشكيكات في محلها، وخصوصا إذا لم يتم تفكيكها وقولبتها وقبل بالتشكيك كأمر واقع، وبأنه لا جدوى لأي مبادرة نسائية باتجاه تحريك الوضع الآسن وتغييره، فضلا عن اليقين بلا فائدة ترتجى، والواقع من الصعوبة تغييره.
كل ذلك طبعا يتناسى ان قطار التاريخ لا يقف مطلقا عند محطة واحدة وحيدة. وعليه تأتي ضرورة الوعي إلى ان نضالات النساء الكويتيات وغيرهن في المنطقة، لم تأتي من فراغ إنما جاءت في سياق الجهود المضنية المتراكمة لنساء العالم أجمع في الحصول على حقوقهن، علاوة على ما حققته منظمات الأمم المتحدة من تقدم في مساندة الدفاع عن حقوق المرأة باعتبارها جزءا لا ينفصل عن حقوق الإنسان، وكذلك بالنسبة إلى تراكم التقدم الفكري وبلورة الوعي السياسي وتحقيق المزيد من المساواة ما بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات والأدوار في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والقانونية والاجتماعية في المجتمع، هذا بلا أدنى شك دفع باتجاه ارتفاع الأصوات الداعية إلى تحرير المرأة كونها نصف المجتمع وثروة بشرية تتوافر على قدرات عقلية وإمكانات مادية تسهم في تنمية المجتمعات.
و"لا" ثانية لأن قانون منح المرأة الكويتية للحقوق السياسية، ليس بحمل كاذب كما يعتقد البعض، لا بل هو الأصل والجوهر، وهو إطلالة تاريخية وثمرة من ثمار الديمقراطية، لا يجب الاستهانة به أو الاستهتار، هو حق أصيل لكل النساء يضمنه لهن وجودهن الإنساني في هذه المجتمعات، ويستحققنه لمشاركتهن في تدوير الحياة وبعثها، من خلال دورهن كأمهات ومربيات للأجيال، وكمواطنات شريكات يسهمن في تنمية وبناء مجتمعاتهن. إذا الأصل هو حصول النساء على كامل حقوقهن كمواطنات من الدرجة الأولى تماما كما الرجال. كما لا يغيب عن البال أن دولة الكويت مثل غيرها قد صادقت على الكثير من القوانين والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان بما تتضمنه من حقوق للنساء في المجتمع، ما يلزمها بتنفيذ بنود تلك الاتفاقات، وأولها تمكين المرأة ومنحها الحقوق السياسية.
و"لا"، لأن حصول النساء على حقوقهن السياسية شأن، ووصولهن إلى قبة البرلمان أو عدم وصولهن إليه شأن آخر، إذ إن إخفاقات المرأة في الوصول إلى تلك القبب تعني ما تعنيه من وجود اشكالات مجتمعية تحتاج إلى حوارات في سياق المناخات السياسية والاجتماعية عامة، ومن جوانب تفاعلها مع بعضها بعضا في بيئتها وخارجها، ولاسيما أن عوامل تحديث المجتمع قد قادت إلى الاهتمام بقضية المرأة وجعلتها تتجاوز دائرة الذات والمفكرين لتكون على أجندة القادة السياسيين الذين ينظرون إليها كشريك في مشاريعهم التنموية. وهذا ما يستلزم التأكيد عليه، من أن الذي تحقق للكويتيات هو بمثابة رص الأساسات واللبنات الأول المساعدة على تحقيق المزيد من المكاسب عبر اسهامهن في العملية التشريعية، والمشاركة في عملية التنمية والبناء، وهذا الأمر يقتضي التحدي والانتقال إلى المراحل التالية بروح من التفاؤل والإصرار.
إن ما يضعف الموقف التشكيكي هو منظر الكويتيات اللواتي لم يخفين شدة فرحهن وبهجتهن لانتصارهن وتفاؤلهن لخوض التجربة، فقد اشتعل التصفيق ممن حضرن جلسة البرلمان، وأنشدن النشيد الوطني الكويتي كتعبير عن حس المواطنة، وشكرن النواب والحكومة، على دعمهم إقرار القانون، لم لا والتاريخ يرصد ويسجل لهن المراحل التي مرت بها حركتهن المطلبية منذ أكثر من 34 سنة، والتي استمرت بإصرار من خلال مطالبات بعض نواب مجلس الأمة، ودعاوى رفعت في العام 2000 إلى المحكمة الدستورية بشأن عدم دستورية قانون الانتخاب الذي كان يحرم النساء حقوقهن السياسية، ودعوتين أخريين من قبل مواطنتين ضد وزارة الداخلية لعدم قبول قيد اسميهما وأخريات في جداول الناخبين.
ستظل الرهانات القادمة بلا ريب، مرتكزة على اختبار قدرة الكويتيات والنساء الخليجيات عموما على كسر الحواجز والقفز على الأسوار والانخراط في الحياة العامة والمشاركة في الشأن العام بفعالية نوعية ومسئولية. الطريق ليس سالكا أبدا، إنما مثقل بحمل كبير من مورثات الأجيال المتراكمة التي تحاصر المرأة وتختصرها في صور وعلاقات وأدوار نمطية تسلبها ذاتها وإرادتها. وعلى رغم ذلك، الحدث يستوجبنا مباركة كل الكويتيات، والفرح لفرحهن، فهن في بلد ديمقراطي يستطعن اللعب فيه بدور سياسي مميز كما غيرهن من نساء العالم. لا مبالغة بتاتا في وصف اللحظة بالعرس الديمقراطي، كل الذي نتمناه أن تتكرر الأعراس في بقية الدول الخليجية والعربية والإسلامية
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 989 - السبت 21 مايو 2005م الموافق 12 ربيع الثاني 1426هـ