العدد 987 - الخميس 19 مايو 2005م الموافق 10 ربيع الثاني 1426هـ

الاشتراكيون الألمان يستعدون نفسيا لسقطة جديدة

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

يقع مكان الجمعية البرلمانية وراء مبنى الرايخ مقر البرلمان الألماني الاتحادي "بوندستاج" وهو يشبه ملجأ سريا لأعضاء البرلمان الذين يخلدون إليه ويجلسون فيه على مقاعد جلدية وثيرة يحتسون النبيذ ويناقشون بهدوء مختلف القضايا السياسية المطروحة.

لا يسمح عادة للصحافيين بدخول المكان إلا إذا حصلوا على دعوة. وقد تم تأسيس هذا المكان في العام 1951 على غرار ناد بريطاني وهو ما وصفه نائب رئيس الكتلة البرلمانية للاتحاد المسيحي فولفغانغ شويبلي في الذكرى الخمسينية لتأسيسه بالمكان الذي يلجأ إليه أعضاء البرلمان للاسترخاء وتبادل الآراء بهدوء.

في هذا المكان بالذات راح في الأسبوع الماضي رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم هانز مونتيفيرنغ ووزير المالية هانز أيشيل يبحثان قضايا ملحة لا تدعو إلى التفاؤل أبرزها عملية الاقتراع المقبلة في ولاية شمال الراين وستفاليا التي هي مصدر قلق للمسئولين في الائتلاف الاشتراكي الأخضر الحاكم في برلين. تطرق مونتيفيرنغ مع مسئولين في حزبه إلى المشكلات التي يواجهها وفي مقدمتها المشكلات المالية التي تعاني منها الدولة في ضوء التوقعات بالحصول هذا العام على قيمة أقل من الضرائب، وكذلك عدم وجود أفكار لمواجهة هذه الانتكاسة الجديدة. أكثر ما يخشاه وزير المالية الألماني هو خسارة ماء الوجه. فهو يبحث عن سبل لمواجهة العجز تارة بالتفكير في زيادة الضريبة المفروضة على البضائع والخدمات وتارة يفكر في فرض ضريبة على تذاكر السفر بالجو. في ذلك اليوم أفرغ البرلمانيون زجاجة نبيذ بعد أخرى ليخففوا غيظهم من الوضع المالي لخزينة الدولة والألم النفسي للروح الاشتراكية.

حاول زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي، مونتيفيرنغ، قدر الإمكان أن يخفف من حزن الحاضرين، لكن عبثا. ظلوا جالسين حتى طلبت إدارة الجمعية البرلمانية منهم مغادرة المكان بعد مضي أكثر من ساعة على نهاية فترة دوام العاملين.

يعكس الوضع الحالي للحزب الاشتراكي معاناة قيادته من التعب ومن الحيرة. منذ أكتوبر/ تشرين الأول العام 1998 حين استعاد الاشتراكيون السلطة بمساعدة الخضر، خسروا ربع عدد أعضاء الحزب. كما أن ثلثي العمليات الانتخابية التي جرت منذ ذلك الوقت حسمت لصالح الاتحاد المسيحي المعارض. وفي عدد من هذه العمليات الانتخابية مني الاشتراكيون بهزائم ثقيلة.

الانتصارات السياسية التي يتحدث عنها الحزب الاشتراكي الحاكم، موجودة على الورق فقط، في الإعلانات المدفوعة التي تنشر في الصحف والمجلات وعلى الملصقات التي تمولها دائرة الصحافة والإعلام التابعة للحكومة الاتحادية. هذه الانتصارات ليست متوافرة في الحقيقة. لا تزداد البطالة ارتفاعا فحسب بل تزداد معها النقمة الشعبية وأجواء التشاؤم كما أن مشكلات الموازنة العامة أسوأ مما يتوقعه المستشار شرودر. وينظر أعضاء الحزب بغيظ ومرارة كبيرين وهم يرون المواطنين يسخرون من برنامج الإصلاحات الذي وضعه شرودر. بعد مرور 142 سنة على تأسيسه ومرور سبع سنوات على تسلم الحزب الاشتراكي السلطة مع الخضر، يواجه الحزب أزمة نفسية خطيرة لا يعتقد المراقبون أنه سيتحرر منها في المستقبل القريب. هناك خوف حقيقي من أن يخسر الاشتراكيون السلطة. فقد توقف بريق نجومية الائتلاف الاشتراكي الأخضر باعتراف الكثير من المحللين السياسيين.

وستكون أم الهزائم في ولاية شمال الراين وستفاليا أن يتوجه الناخبون في هذه الولاية التي هي أكبر ولاية ألمانية "18 مليون نسمة" إلى صناديق الاقتراع يوم الأحد المقبل لانتخاب برلمان جديد. وتشير التوقعات إلى خسارة الاشتراكيين أهم معقل لهم، إذ يحكمون هذه الولاية منذ 39 عاما وستكون هزيمة تاريخية. وستتسبب الهزيمة المحتملة في نهاية عمر آخر ائتلاف اشتراكي أخضر على صعيد الولايات ويبدأ العد العكسي لنهاية عمر الائتلاف الحاكم في برلين. ويأخذ مسئولون في الحزب الاشتراكي الديمقراطي على شركائهم في السلطة التابعين لحزب الخضر عدم ابتكار أفكار جديدة مستقلة بهم ليمنحوا الناخبين الشعور بأنهم يستحقون الحصول على أصواتهم. وما حدث قبل وقت قصير كان انتكاسة للخضر. فقد مثل يوشكا فيشر سائق التاكسي الذي شاء القدر أن يحصل على منصب نائب المستشار ووزير الخارجية بعد تسلم الاشتراكيين والخضر السلطة في العام ،1998 أمام لجنة تحقيق برلمانية للدفاع عن دوره في فضيحة التأشيرات. خسر فيشر مركزه في قائمة السياسيين الأكثر شعبية في ألمانيا وعلى رغم تمسكه بمنصبه فإن فئات متزايدة من الناخبين الألمان يجدون أنه يتعين عليه التنحي عن منصبه بعد اعترافات موظفين كبار في وزارة الخارجية بأنه جرى تحذير الوزير من النتائج السلبية لنظام منح التأشيرات الذي وافق عليه فيشر. وكما ذكرت وسائل الإعلام الألمانية استغلت عصابات تهريب الأفراد في أوروبا الشرقية هذا النظام وحققت من ورائه أرباحا طائلة. كما مكنت التسهيلات آلاف الأوروبيين الشرقيين من دخول الأراضي الألمانية بصورة مشروعة واستغلوا تأشيرة السياحة للعمل والبقاء بصفة غير مشروعة.

تشير آخر عمليات استطلاع الرأي التي تمت في ولاية شمال الراين وستفاليا إلى أن الاتحاد المسيحي المعارض يتقدم بـ 11 نقطة على الائتلاف الاشتراكي الأخضر. لم تسهم الانتقادات التي وجهها مونتيفيرنغ للرأسمالية أخيرا في زيادة شعبية الحزب بل ألحقت به المزيد من الضرر. ويرى مونتيفيرنغ مهمته القادمة في عودة الثقة بالاشتراكيين. غير أن الخطر الذي يحدق بجهوده، أن يواصل المستشار دعوة المواطنين للرضا عن برنامج الإصلاحات التي ينظر البعض في الحزب الحاكم بريبة وشك نحوها ويشيرون إلى أن الوضع إذا استمر على ما هو عليه اليوم فستحصل الدولة في نهاية العام 2008 على عوائد ضريبية قيمتها 66 مليار يورو أقل عما هو متوقع. يرى التيار اليساري في الحزب الاشتراكي أن الوقت حان ليكشف عن مقترحاته، عوضا عن اعتماد التقشف والتوفير يجد أنه أفضل لو تم استثمار مليارات وزيادة مديونية الدولة لهدف الاستثمار من أجل توفير وظائف عمل. ويجد التيار اليساري أنه يكون أفضل لو تم تنفيذ هذه الفكرة قبل موعد الانتخابات التشريعية في سبتمبر / أيلول العام .2006 لكن شرودر يعارض مثل هذه الفكرة بشدة ولا يرغب في تعطيل برنامج الإصلاحات الذي طرحه ويريد مواجهة العجز الجديد في موازنة الدولة من خلال بيع حصص مملوكة للدولة في شركات ومن خلال التوفير. يتفق المحللون في الرأي على أن الضغط سيشتد على الائتلاف الاشتراكي الأخضر إذا خسر الانتخابات في ولاية شمال الراين وستفاليا كما سيصبح مستقبل وزيري الاقتصاد والمالية في مهب الريح. في الغضون يجري تداول أسماء لخلافتهما وسيكون التعديل الحكومي آخر خطوة يلجأ لها شرودر قبل بدء الحملة الانتخابية العام .200

العدد 987 - الخميس 19 مايو 2005م الموافق 10 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً