المتتبع للمسيرة الصناعية في الخليج يلحظ بصورة لا تدع مجالا للشك أن هذه الدول لم تستغل الامكانات المهولة التي تتمتع بها لإنشاء صناعات ثقيلة وحيوية، فالمنطقة من أغنى البقاع على الأرض بالذهب الأسود والغاز وهي مؤهلة تماما لاستضافة صناعات ذات استهلاك كهربائي ضخم، إذا ما هي المشكلة؟، لدينا قائمة من الخيارات التي يمكننا استغلالها في مجال الصناعات الثقيلة خصوصا أن التطور التكنولوجي أتاح لكثير من الصناعات ان تستغني عن عدد لا محدود من الطاقات البشرية بفضل خصائص المكننة، كل هذا لا يدع حجة للعرب حيال الانخراط في المجال الصناعي وهو من أقوى ركائز الاقتصاد في العالم، فمن دون صناعة لا يوجد اقتصاد حقيقي يعتمد على ذاته بدرجة مقبولة.
وعلى رغم التجارب الخليجية الملحوظة في الصناعة فإنها ظلت خجولة وعلى حياء كبير... لكن هذه النظرة تغيرت ربما بصورة شخصية، فعند زيارة الغرفة التجارية في المنطقة الشرقية بالسعودية والاستماع لشرح الهيئة الملكية للجبيل وينبع وهي تساوي عندنا مجلس التنمية الاقتصادية تستوقف أمام تجربة صناعية جريئة منذ عقود بل مدينة بتروكيماويات وصناعات تحويلية عائمة في الصحراء، فتحويل قطعة من الرمال الصفراء الباهتة إلى قلعة صناعية ليس بالأمر الهين.
ومع التوسعة الجديدة التي تشهدها مدينة الجبيل وبناء مدن سكنية تتسع لعشرات الآلاف من العوائل ومع البنية التحتية المتطورة تصبح هذه المدينة بحق منتجعا صناعيا متكاملا يجذب الكثير من الاستثمارات، والجبيل تنتج الكثير من المواد البتروكيماوية وتشكيلة واسعة ربما لا يمكن لغير المختص حتى أن يحفظ اسماءها، وهذه المنتجات تدخل في الكثير من الصناعات كمادة أولية، وهو المطلوب، فالصناعة تبنى من الأسفل إلى الأعلى، وربما تكون المملكة اتجهت لخيار صعب في الاقتصاد، فالصناعة مكلفة للغاية وتنطوي على استثمارات ضخمة لكنها اذا ما قويت وجودت ستعطي الاقتصاد قوة وتبعده عن التذبذب مقارنة مع قطاع الخدمات الذي يتجه إليه الشرق الأوسط.
ولعل توجه المملكة الأخير للسماح بتداول الخليجيين للأسهم وتملك الشركات سيدفع الخليجيين إلى التفكير مجددا في القطاع الصناعي النشط في المملكة وإعادة تشكيل الثقافة أو المنظور الاقتصادي تجاه الصناعة التي يعتبرها الكثيرون مضيعة للوقت وتبديدا للأموال والجهد من دون أرباح ذات جدوى... لكن هنا استشهد بمقولة أحد المهندسين الصناعيين والمستثمرين في البحرين إذ قال "الصناعة تحتاج إلى صبر" فمتى نمتلك الصبر؟
إقرأ أيضا لـ "علي الفردان"العدد 985 - الثلثاء 17 مايو 2005م الموافق 08 ربيع الثاني 1426هـ