يسلط كتاب قديم نشره مؤسس صحيفة "الحياة" اللبنانية، كامل مروة يحمل عنوان: بيروت، برلين، بيروت، أضواء على العلاقة التي نشأت بين أطراف عربية والسلطة النازية في ألمانيا. وكان مروة نفسه قد عمل لدى دار نشر ألمانية تتولى ترويج الايديولوجية النازية في الدول العربية من دون أن يتحقق لها نجاح يذكر. يعترف مروة في كتابه أنه حصل على معاملة جيدة من قبل النازيين حين لجأ إلى المانيا بعد تحرير لبنان والمناطق المجاورة له من نظام فيشي الموالي للألمان من قبل القوات البريطانية والفرنسية في العام ،1941 وخصوصا أن مروة كان على صلة وثيقة بمفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني الذي ذكر المؤرخون أنه كان يسعى للتعاون مع هتلر. ما ذكره مروة عن حياته في ألمانيا النازية يختلف كليا عن مصير عرب ومسلمين غيره.

هذا ما حاول جاهدا أن يسلط الضوء عليه خبير الشرق الأوسط الألماني جيرهارد هوب الذي عاش في برلين قبل وفاته حديثا. ففي السنوات الأخيرة حاول أن يكشف عن ضحايا عرب تم الزج بهم في معسكرات الاعتقال النازية. وما زال طرح مثل هذا الموضوع للنقاش مسألة صعبة طالما ليس هناك بيانات رسمية ووثائق تاريخية يمكن الاستعانة بها للكشف عن الضحايا العرب الذين قضت عليهم النازية. غير أن ما استطاع هوب جمعه من معلومات يوضح أن نحو 80 ألف معتقل كانوا مسجونين في معتقلات ميدانية لأنهم كانوا يحاربون مع الجيش الفرنسي. وترك هوب ملاحظة مهمة وهي أن كل المعتقلات تقريبا كان فيها معتقلون عرب ومسلمين تراوحت أسباب اعتقالهم بين الانتماء للمقاومة والمشاركة في الحرب الأهلية الإسبانية. ولم تختلف معاملة النازيين لهم عن المعاملة التي لقيها خصوم النازية وحصل هوب على أسماء 450 معتقلا عربيا معظمهم من المغرب العربي، لكن يرجح أن عددهم الحقيقي كان أكبر مما ذكر حتى اليوم بكثير.

مازالت ألمانيا منذ أن وقعت في العام 1952 على اتفاق لوكسمبورغ الذي تعهد بأن تقدم تعويضات للمؤتمر العالمي اليهودي قيمتها 3,45 مليارات مارك، ترفض بحث ملف الضحايا العرب والاعتراف بآلامهم ومعاملتهم اسوة بغيرهم من اليهود الذين زج بهم النازيون في معسكرات الاعتقال. ويظهر أن "إسرائيل" احتكرت دور الضحية.غير أن العرب لن يحصلوا على اعتراف ألماني بما حصل لأقرانهم خلال الحكم الهتلري وما واجهوه في معسكرات الاعتقال دون تدخل السياسة ودون تعاون الجهات الألمانية. كل ما يعرفه العالم عن الهولوكوست أن اليهود فقط كانوا ضحاياه ومازالوا حتى اليوم يحصلون على تعويضات من ألمانيا فهل من سخرية القدر أن اليهود قبضوا تعويضات عن سجناء عرب ومسلمين؟

ما لم يسبق وان حصل في السابق حصل يوم الثامن من أيار المصادف مرور 6 سنوات على استسلام ألمانيا الذي وضع نهاية للحرب العالمية الثانية حين نظم 20 ألف شخص مسيرة في مدينة سطيف الجزائرية وأحيوا في مهرجان خطابي نظامي في نهاية المسيرة ذكرى سقوط ما يربو عن أربعين ألف ضحية في الجزائر أجهزت عليهم القوات الفرنسية في مختلف مدن محافظة القسطنطينية في الثامن من مايو / أيار العام .1945

لأول مرة انتفضت وسائل الإعلام الجزائرية مع حلول الذكرى الستينية لجرائم القتل التي نفذها الأوروبيون ضد العرب كي تشير إلى هذه الجرائم وإلى دور الجماهير في الاستجابة لنداء حركة التحرير الجزائرية ومن ثم احتفالها بالانتصار على هتلر كما كان الحال في الكثير من مدن العالم. وما زالت ألغام الجيش الألماني الذي قاده المارشال رومل، تنفجر حتى اليوم في الصحراء الليبية وتتسبب بقتل مواطنين محليين وإلحاق إصابات خطيرة بهم.

بالنسبة إلى هزيمة النازية فإنها كانت مهمة جدا للجزائريين. ذلك أن النصر الذي حققه الجزائريون بمساعدة جنود من شمال إفريقيا لم يعن بالنسبة إلى حركة الاستقلال الجزائرية نهاية المعارك في أوروبا فقط، فالجزائريون يرون أن سقوط النازية الألمانية كان آخر عائق أمام حصول الجزائر على استقلالها من الاحتلال الفرنسي.

ومع ذلك قابل الفرنسيون الاحتفالات والمسيرات الشعبية حينذاك بمجزرة لأن المستعمرين الفرنسيين والشرطة استفزوا المتظاهرين ما أدى إلى وقوع أعمال عنف استخدم الفرنسيون فيها الطيران الحربي ضد المدنيين. في فبراير / شباط الماضي فقط صدر اعتراف فرنسي رسمي بتلك المجازر. منذ عقود فإن يوم الثامن من مايو العام 1945 هو بداية حرب الاستقلال الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي. هذه معلومات موجزة جدا من كثير مخبأ في أرشيف الحكومات الأوروبية عن معاناة العرب نتيجة الحرب العالمية الثانية.

في هذا السياق صدر عن مكتب الصحافيين في منطقة الراين كتاب يحمل عنوان: ضحايانا ليس لهم أهمية... العالم الثالث أثناء الحرب العالمية الثانية. هذا الكتاب طرح في الأسواق في شهر أبريل/ نيسان الماضي ويتناول مثل الحوادث التي وقعت في الجزائر وغيرها من الدول التي كان يستعمرها الأوروبيون.

وينتقد الكتاب بصورة جلية الاحتفالات الرسمية الأوروبية الجارية منذ وقت في أوروبا بشأن الذكرى الستينية لنهاية الحرب العالمية الثانية وتجاهلها معاناة دول العالم الثالث، حتى حين دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زعماء وقادة من مختلف دول العالم بما فيهم صديقه المستشار الألماني جيرهارد شرودر، لمشاركة روسيا ذكرى الاحتفالات بانتصار الجيش الأحمر بمساعدة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا على ألمانيا النازية، أوحت هذه الخطوة إلى أن المناسبة حكر على مجموعة معينة من دول العالم. كما تجاهلت المناسبات الكثيرة لتخليد ذكرى الهولوكوست، مرة جديدة الإشارة إلى ضحايا غير اليهود. يقول الكتاب الذي يتضمن مجموعة كبيرة من الوثائق وتقارير وأقوال لشهود عيان ان التأريخ الحالي للحرب يركز فقط على أوروبا كمكان للحرب على رغم أنها كانت حربا عالمية. هكذا هو الوضع في ألمانيا الذي عبرت عنه عشرات المقالات وبثت برامج تلفزيونية وثائقية في هذه المناسبة ودار مضمونها حول معاناة الشعب الألماني.

على هذا النحو، تم تجاهل آلام غير الألمان وغير اليهود الذين واجهوا المعاناة والآلام نفسها وهؤلاء بحاجة لمن يتحدث عنهم وهذا ممكن فقط إذا أعيدت كتابة تاريخ الحرب العالمية الثانية بحس أكبر. فالعالم العربي الذي تعرض إلى تقسيم وتم اغتصاب أرض فلسطين من نتائج هذه الحرب المدمرة. غير أن معاناة العرب وخصوصا الفلسطينيين مازالت مستمرة نتيجة لها. وهذا ما لم يشر إليه احد في أوروبا بكلمة واحدة على رغم أن القتلى الصينيين الذين سقطوا في الحرب يزيدون على قتلى الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين. في حين توحي الأفلام الوثائقية أن الحرب العالمية الثانية بدأت باجتياح القوات الألمانية بولندا إلا أنها في الحقيقة بدأت في العام 1935 حين دخلت القوات الإيطالية اثيوبيا واجتياح اليابان في أراضي الصين وكوريا.

كانت هذه الحرب عالمية منذ بدايتها. وقام مؤلفو الكتاب الذي أعده صحفيو منطقة الراين بالبحث في ثلاثين دولة وتحدثوا إلى شهود عاصروا تلك المرحلة كجنود أو مدنيين. تصف تلك الحوادث التي لا توجد في الكتب التي تتناول الحرب العالمية الثانية بالتفصيل، أعمال عنف دامية قام بها الجيش الياباني في مدينة ننكنغ الصينية وراح ضحيتها 370 ألف قتيل. ومذبحة شاسيلليه الفرنسية التي تمت في العشرين من نيسان العام 1940 وتم فيها عزل الأسرى الأفارقة عن غيرهم قبل أن تعدمهم القوات الألمانية. كما سقط جنود ينحدرون من إفريقيا خدموا في جيوش القوة المستعمرة مثل فرنسا وبريطانيا وساهموا في تحرير فرنسا.

يتضمن الكتاب شهادة من الكاتب المصري المعروف إدوارد خراط الذي كان في السادسة عشرة من عمره حين وصل المارشال الألماني إروين رومل بلاد النيل وقال: لقد كنت واعيا سياسيا وثقافيا وكنت أعرف أن مجيء النازيين الألمان كان مجيء محتل ليحل مكان المحتل البريطاني. وكان واضحا لغالبية المصريين أن رومل كان طاغية يمثل نظاما ينظر إلى العالم بعنصرية. هناك حاجة ملحة لإعادة كتابة التاريخ وهذا حق الضحايا الذين تجاهلهم الذين أرخوا الحرب العالمية الثانية