أسوأ ما صدرته لنا حكومات الاستبداد في التاريخ الحديث ضمن سلسلة أساليب الالتواء هو افتعال الضجيج. وهو سلاح تلجأ بعض الحكومات إلى استخدامه كلما حوصرت بضغوط الداخل والخارج من أجل قضية مطلبية ما كالتغيير أو الإصلاح، وذلك من أجل إلهاء الرأي العام بما يثير مشاعره ويصرف نظره عما هو أهم.

المثير في الأمر هو ما تركه ذلك التصدير من أثر على بعض العقول "المريضة" التي تمتطي هموم الناس جسرا لتحقيق مآربها "العرقية"، فأخذت تتطبع بطبائع الاستبداديين، وتحاول إثارة الزوبعات، مستغلة مركزها في الواجهة الإعلامية، لتتحول إلى اللسان الناطق بما تعجز الحكومة ربما عن نطقه.

نحن الآن أمام عقليتين من ذلك النوع، الأولى تتقن فن الالتواء ولعبة "الافتعال"، ما يجعل الحقيقة تلتبس على أذهان الكثيرين. أما الثانية فهي أقرب إلى الهمجية والارتجال، وهي بقدر ما تكفينا عناء الكشف عن نواياها بسرعة فإنها تشكل خطرا محدقا باللحمة الوطنية للمجتمع.

من المؤسف أن مثل تلك الزوبعات المفتعلة تنطلي على الكثيرين فتمتص حماستهم تجاه قضاياهم المطلبية، وخصوصا إذا وصل "الافتعال" إلى الطعن في المعتقد أو المبدأ. والخطير أن تكون تلك العقلية "المريضة" متربعة على منصب يساهم في صنع القرار، فحتى لو فشلت زوبعة أو زوبعتان، ما الذي يضمن لنا عدم تمرير الثالثة؟!

لذلك، لابد لعقلاء المجتمع أن يبقوا دائما بالمرصاد للعبة "افتعال الضجيج"