كثر الحديث عن التعليم وإصلاحه في الوطن العربي، وكان تقرير التنمية العربية الأول قد ذكر أن نحو 56 مليونا من المواطنين العرب أميون. كما توجد دلائل عدة على تناقص الكفاءة الداخلية للتعليم وتتبدى في ارتفاع نسب الرسوب وإعادة الصفوف الدراسية. وتتردى نوعية التعليم بحيث تغلب عليه ثلاث سمات أساسية هي تدني التحصيل المعرفي وضعف القدرات التحليلية والابتكارية واطراد التدهور فيها. أما في منطقة الخليج فلابد من الإقرار بداية بأن دول المنطقة قد حققت الكثير في العقود الخمسة الماضية في مجال التعليم إلا أننا نلاحظ أن مستوى التعليم العام لا يرقى إلى ما حققته دول العالم المتقدمة في هذا المجال، فالنظام التعليمي لا يتناسب مع متطلبات التنمية الاقتصادية الحديثة ولا مع حاجة سوق العمل. وعلى رغم ازدياد أعداد المتخرجين من برامج التعليم والتدريب فلا تزال تلك الأعداد دون المستوى المطلوب مهنيا وفنيا. كما أن إلزامية التعليم لم تفرض في أي من دول المنطقة على رغم ثرائها وقدرتها على تعليم جميع مواطنيها.
وهناك توجه جديد يلاحظ في دول مجلس التعاون وهو افتتاح أعداد كبيرة من الجامعات والكليات الأجنبية في السنوات القليلة الماضية. فمثلا افتتحت جامعة كورنيل الأميركية فرعا لكلية الطب في قطر بكلفة عالية تقدر بمئات الملايين من الدولارات وتبعتها فروع لجامعات أخرى في تخصصات مختلفة. كما سيفتح فرع لكلية الطب في جامعة هارفرد في الإمارات العربية المتحدة، وكذلك تم في البحرين افتتاح فروع لجامعات بريطانية وكندية وأميركية. وافتتح فرعان للجامعة الأميركية في الشارقة والكويت وهناك عشرات الجامعات الأجنبية التي ستفتتح مستقبلا.
إلى جانب الكليات والجامعات الأجنبية هناك مؤسسات تعليمية ابتدائية وثانوية أجنبية أو خاصة تؤسس في مناطق مختلفة في الخليج، إذ يمارس التعليم باللغتين العربية والإنجليزية. وإلى جانب تلك المؤسسات التعليمية تم افتتاح جامعات ومدارس أهلية خاصة، ما يدل على أن معاهدنا التعليمية الحكومية لا تفي بالغرض المنشود في التعليم. فاقتصاد دول الخليج مرتبط ارتباطا قويا بالاقتصاد الغربي ولابد من دراسة الأسس والمناهج العلمية المناسبة للحياة الحديثة بجميع جوانبها. ولكن ما يحد من منفعة تلك المؤسسات التعليمية هو اقتصارها على أبناء الأثرياء الذين يستطيعون الإيفاء برسومها المرتفعة، بينما تبقى الغالبية من أبناء الخليج رهينة التعليم الحكومي العام. لذلك فتوجهنا ينبغي أن يكون لتطوير التعليم في المدارس الحكومية التي يؤمها غالبية المواطنين ورصد موازنة كافية للنهوض به. وحسنا فعلت دولة الإمارات عندما طورت برامج التعليم في جامعة العين من حيث تكثيف برامج اللغة الإنجليزية وتدريس معظم المقررات بتلك اللغة. كما أن نسب موازنة التعليم في دول المجلس لا تشكل إلا نسبة بسيطة من إجمالي الموازنة، خصوصا إذا قورنت بموازنة الدفاع في كل دولة.
ومن الملاحظ أن بعض الدول النامية وخصوصا دول الشرق الأقصى، قد أثبتت نجاحها في مجال إصلاح التعليم. فلننظر إلى سنغافورة ونجاحها في إصلاح التعليم إذ أصبحت مثلا يحتذى، وهي اليوم نموذج لنجاح دولة نامية صغيرة ووصولها إلى مصاف الدول المتقدمة، وذلك بفضل تركيزها على إصلاح التعليم. فقد بدأت سنغافورة إصلاحاتها في الستينات من القرن الماضي. وكان أول إصلاح لها عندما انفصلت عن ماليزيا العام 5691 هو إصدار قانون بإلزامية التعليم، والتوسع في بناء مدارس للمرحلة الثانوية وتوجيه انتباه أكبر للتعليم العالي، وكذلك تدريب المعلمين، وزيادة الاهتمام بالبحث العلمي وإصلاح المناهج وبدء تعليم اللغتين "الإنجليزية واللغة الأم" لزيادة الإنتاجية. كما تم التركيز على الرياضيات والعلوم والمواد التقنية، وإنشاء مدارس التدريب المهني والمؤسسات التجارية التعليمية لخلق قوة عاملة للتصنيع. وتضاعفت هذه الاهتمامات في العقد الماضي بحيث توفرت إصلاحات لتحسين رياض الأطفال وتوفير المراحل الإبتدائية والثانوية وزيادة المنح الدراسية والأنشطة، بحيث تجذب أعدادا مؤهلة من المدرسين وتوفير مقاعد كافية للدراسات العليا.
هناك ثلاث حقائق يتفق عليها الخبراء بشأن التعليم والتدريب هي: ان التعليم والتدريب هما مفتاح التقدم والتطور على المستوى الوطني والفردي، وان العولمة من أهم حقائق عصرنا الحاضر، وسيكون تأثيرها شاملا على التعليم والتدريب، وأن التكنولوجيا أداة مهمة للتعليم والتدريب، ولكنها ليست عصا سحرية للتخلص من جميع مشكلات وأمراض التعليم المزمنة.
نعم... يجب أن تثار تلك الضجة بشأن إصلاح التعليم. واقتراحنا هنا لتطوير التعليم والنهوض به هو تأسيس صندوق خاص بالتعليم تسهم في تمويله دول مجلس التعاون الست، وتشرف على هذا الصندوق مجموعة من التربويين المشهود لهم بالكفاءة. ويستعين الصندوق بالمنظمات التربوية مثل اليونسكو وغيرها، كما يتعاون مع الدول المتقدمة في هذا المجال والتزود بخبرتها، ويكون مقره عاصمة إحدى دول المجلس يتم اختيارها لاحقا.
إن التعليم في المنطقة يحتاج إلى إعادة نظر، ويتطلب رؤية واضحة وتصميما من قبل صانعي السياسة، ويتطلب قبل هذا وذاك زيادة في المخصصات وإحلال الشخص المناسب للإشراف على هذا المرفق الحيوي الذي يرتبط بمستقبل الخليج ونهضته. من دون ذلك سيظل التعليم رهينة الماضي يجتر مخلفات الأجداد ويعجز عن اللحاق بالتقدم الحاصل في مختلف الدول
العدد 982 - السبت 14 مايو 2005م الموافق 05 ربيع الثاني 1426هـ