"امتلكت فن سيدي أدبا: كنز المعرفة الكتابية المكنون بأكمله؛ علامات الأرض والسماء. .. ودرست السماوات مع أساتذة زيت التقديس الجهابذة. وأوجدت حلولا لأسئلة طويلة معقدة في القسمة والضرب، وقرأت الخط الفني السومري واللغة الآكادية الغامضة التي يصعب تعلمها، مستمتعا بمطالعة أحجار ما قبل الطوفان".
آشور بانيبال
هناك الآن على "الإنترنت" "لاحظوا إني لم استخدم المفردة الشبكة العنكبوتية أو الشبكة من دون لاحقة من اللواحق التي أضيفت من قبل عباقرة العالم أجمع وذلك عن قصد حتى أعطي أولئك العباقرة من الأفراد الذين اخترعوا لنا هذه الأداة حقهم في غرس هذه المفردة في فكر كل إنسان أينما كان، فقط، عرفانا منا لهم لهذا الجميل الكبير والعظيم في آن، وأرجو ان نكف عن استخدام المفردة "شبكة" على أصالتها لكونها تحمل في رحمها من المعاني الشريرة أكثر من تلك المعاني النبيلة التي تحملها المفردة إنترنت على حداثتها" ما يزيد عن 332 مليون موقع له علاقة بالمكتبات وهي في ازدياد مطرد لا يمكن اللحاق به وبركبه، وهذه المواقع ليس باستطاعتي ومهما أوتيت من وقت وقوة النظر إليها نظرة خاطفة، ناهيك عن التمعن فيها وفيما تحتويه من أعمال فكرية تهدف إلى النهوض بالإنسان إلى أعلى المراتب، وهي تضخ - هذه المكتبات - في اقتصاد الدول من المنتوج الصناعي والمبالغ ما لا يمكن أن يقاس أو يقارن بما تصرفه الحماقة البشرية على الأسلحة بكل أنواعها لصد عدوان جماعة مأزومة وموهومة هنا أو هناك بالقوة والتسلح الهمجي، بدلا عن التسلح العقلي والفكري العبقري في الأدوات والمراجع بكل فئاتها التي تضمها بين دفتيها ما نطلق عليه اصطلاحا مكتبة.
مع هذا العطاء المميز للإنترنت والذي لو أحيا الله عظماء البشرية ممن أحبوا المكتبات وبذلوا الجهد الجهيد لحفظ تراث الإنسانية لنا على أسطح ألواح الطين وأوراق البردى والحجر وجلود الحيوان والورق وغيرها من مواد، والذي يقف على رأس قائمة العظماء أحد عظماء منطقتنا العربية في بلاد الرافدين: "آشور بانيبال" الذي أرسل الرسل في كل حدب وصوب لجمع ما تقع عليه أيديهم من تراث بشري وجمعه وحفظه وإحضاره إلى مدينته العظيمة آنذاك "آشور" فهذه رسالته العصماء التي وجهها إلى "شادونا" يقول فيها: "عند تسلمك لرسالتي هذه، خذ معك أولئك الرجال الثلاثة والرجال الضليعين من مدينة بارسيبا وأبحث عن جميع الرقم الموجودة في البيوت أو التي توجد في معبد ايزيدا... وتصيد الرقم النفيسة المتوافرة في ارشيفاتك والتي لا مثيل لها في آشور وابعث بها إلي". هذا مقطع من الرسالة التي تحوي على وصايا عدة لصيد واقتناص المعلومات المهمة التي هي ذات شأن وجمعها وإحضارها إلى مدينته ومن ثم إلى مكتبته؛ لقد تقدمنا تقدما ليس له مثيل في هذا المجال، مجال جمع المعلومات، فنحن لا نرسل الرجال الضليعين الآن دائما، بل نحن نستطيع - ونحن نتوسد الوسائد في غرف نومنا - أن نحصل على المعلومات وبكم هائل في فرع من فروع المعرفة، بل لأكن أكثر تحديدا في جزء من جزيء من فريع من غصين من غصن من فرع من فروع المعرفة! مع هذا العطاء المميز للإنترنت نجد كثيرا من الناس ومن الذين يتوخى الإنسان فيهم النضج العقلي والقدرة على التفريق بين الغث والسمين وهم على عتبات القرن الحادي والعشرين يعادون الإنترنت ويجدونها "بلوى" بلاهم الله بها، بل يدعو البعض منهم إلى سد منابعها وكأن الأمر بهذه السهولة أو يمكن تحقيقه بجرة قلم. انتهى ذلك الزمان إلى لا عودة إطلاقا، فالقادم أروع وأكثر خصوصية ولا يمكن تتبعه أو رصده. إنه زئبقي شريف يحب الإنسان ويحترم عقله.
مع اعتبارها إياها "بلوى" بلاهم الله بها نجدهم من أوائل الناس الذين يضعون على صدر صفحاتها صورهم وما يعتقدون به من أفكار ويزينونها بأفضل الرسوم والخطوط ويغرون بطرق مختلفة زوار صفحاتهم بمغريات عدة. لا غبار على ذلك فلهم الحق كل الحق في نشر أفكارهم ونشر صورهم وإعلام الناس بأخبارهم واختيار الطريقة المناسبة لكسب زوار جدد لها ومن مختلف المشارب. الغبار الذي نعترض عليه هو ذم هذه الأداة المستخدمة. فعلى بني الإنسان هؤلاء الكف عن لطم الخدود بما يفعل خارج الحدود فهذه الأفعال التي لا يرضون عنها، والتي يعتبرونها مشينة ومخلة بالآداب ليست صنيعة الإنترنت، بل هي حرفة تاريخية صاحبت البشرية منذ أقدم العصور، والإنترنت عراها أيما تعرية، كانت معهم منذ أمد بعيد وهم اعتادوا عليها أيما اعتياد، وهي في كثير من المناطق لا تعد عارا أو عدوانا على الأخلاق البشرية بقدر ما تعد سلوكا فرديا ومرضا يتوجب علاجه، بل وان لهذه السلوكيات تاريخا طويلا يدرس في أرقى الجامعات. والمواقع التي يعترض عليها على الإنترنت هي مواقع يعترض عليها في بلاد كثيرة، غير أنها لا تقف حجر عثرة بين الطيب والنافع والجميل الذي تقدمه الإنترنت إلى الناس جميعا.
في تلك البلاد تقف العقول لتجد الحلول لأية معضلة، وهي في حقيقة الأمر تجد الحلول الناجعة التي تسهم بدورها في دفع عجلة التقدم والتحضر البشري. في تلك البلاد لا تجلس العقول تبكي وتلطم الخدود وتلعن كل شيء من نور وظلمة، إنها تتفاعل وتصح وتصحوا.
معروف عنا إنا "أمة لا تقرأ"، وهي وإن كانت غير صادقة إلا انها لصقت بنا كما تلتصق الشوائب بالثوب الأبيض سريعا وتظهر فيه على غيره من ألوان.
هذه شبه الجملة: "أمة لا تقرأ" هي في طريقها إلى الضمور والاختفاء، فشبابنا اليوم يقرأون، وهم يقرأون كثيرا كثيرا، وإذا لم تصدقوا قولي هذا فحاولوا أن تلقوا نظرة سريعة على المنتديات وكثرة التجاوب مع ما ينشر من غث وسمين. الإحصاءات تشير إلى ذلك. فهناك على طرقها وحجراتها ومجالسها ونواديها تجد الإنسان العربي صريحا فصيحا "ليس لغة" يقول رأيه من دون خوف أو جزع، وقد تكون آراؤه خارج العصر والزمان، غير أنها آراء يجب أخذها في الحسبان. هذا الإنسان العربي يقرأ فيما يهمه ويجزعه ويتفاعل معه. إلى جانب تلك القراءات التي تهمه تجده يهتم بما هناك في كثير من مواقع المنتديات من صفحات مخصصة للشعر والرواية، وصفحات مخصصة للتعلم وصفحات مخصصة للكمبيوتر وتطبيقاته وأخرى مخصصة لما هو جاد وجديد في عالم المعرفة المتعلق بالهاتف النقال والفضائيات، وما يتعلق بالدين قد أصدق إذا ما قلت لكل الأديان السماوية والأرضية منها، ومواقع تعنى بالطبخ والوصفات الغذائية والحمية والقيم الغذائية والطب الشعبي والطب الحديث، ومواقع عن الفن التشكيلي وعن فلسفة الجمال ومواقع تبيض ذهبا لمن أراد ذلك.
الآن وقد بدأ الشباب العربي يزج بذاته في عالم القراءة وبدأ يكتب في مختلف الفروع ليعبر عن آرائه ومشاعره بحرية، لابد من توجيهه إلى أمهات الكتب لكي يطلع عليها ويتعرف على تراث الإنسانية العظيم، فهي متاحة مشاعة ليس عليها أقفال ولا هي في جوف النهر يحرسها جيش من الثعابين والحيتان، ولا هي في أعالي الجبال وسط الأدغال تحرسها الشياطين والجان، هي بكل بساطة بين يدي الجميع، وتظهر حالما نطلبها ليرسلها المارد لنا بعد أن يقول: "شبيك لبيك أنا الإنترنت بين يديك".
كما أن من أفضل المواقع التي تبيض ذهبا اليوم هي تلك المتعلقة بالمعلومات وعالمها البالغ السرعة والدقة إذ اليوم لم يعد من المقبول به عالميا أن تكون في يد الإنسان أينما كان المعلومة الخطأ والصورة المغلوطة عن أي شيء. من هذه المواقع المئتين والثلاثين وثلاثين مليون التي ذكرت في مقدمة هذه العجالة على عظمة عددها أورد هنا واحدا من المليون من البليون من القطرة من البحر المعلوماتي:
مكتبة الإسكندرية وهي مفخرة من مفاخر المكتبات العربية من الناحية المعمارية والتقنية، غير أن مجموعتها لاتزال في بدء مشوارها؛ مكتبة الكونغرس وهي مكتبة تخص الكونغرس الأميركي وهي إحدى أكبر مكتبات العالم، تحتوي على ما يقرب من 821 مليون مادة، منها تسع وعشرون مليون كتاب، ثلاثة ملايين تسجيل صوتي، اثنا عشر مليون صورة فوتوغرافية، خمسة ملايين خريطة، وما يقرب من ستين مليون مخطوطة، تشغل جميعها ما يزيد عن خمسمئة وثلاثين ميلا من الرفوف. المكتبة البريطانية وشعارها: "علم العالم ومعرفته"، وهي غنية عن التعريف بها مئة وخمسون مليون مادة يضاف إليها ثلاثة ملايين مادة سنويا، لها مجموعة تقدر بثمانية ملايين طابع بريدي تصطف على ستمئة وخمسة وعشرين كيلومترا من الرفوف تزيد بمقدار اثني عشر كيلومترا كل عام، يتطلب من الفرد ثمانين ألف عام لكي يتسنى له مشاهدة كل محتوى المكتبة بواقع خمس مواد في اليوم، يستخدمها ستة عشر ألف شخص يوميا وترسل المكتبة ما مقداره أربعة ملايين مادة حول العالم لطالبيها.
المكتبة الوطنية لهولندا، المكتبة الافتراضية، مكتبة الإنترنت العامة، المكتبة القومية للطب، المكتبة الرائعة: وهي مكتبة تضم ما يقرب من ستة وعشرين ألف مصدر يتعلق مجملها بالتعليم من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية. مكتبة بوسطن العامة وهي تحفة معمارية تطل على ميدان جبران خليل جبران وفيها تشبع بصري وبصيرتي من رائع الفكر البشري. مكتبة مدينة نيويورك. المكتبة الكهربائية التي تجعل من البحث متعة. "كويستا" هي إحدى المكتبات التي توفر لك كل ما تريد من كتب ودوريات ومجلات وغيرها من أدوات إلى جانب بعض البحوث الموضوعة مسبقا في موضوعات شتى تقدمها لك جميعا مقابل مبلغ زهيد من المال وقدره 04 دينارا بحرينيا لمدة عام، وتستطيع أن تستخدم جميع ما توفره هذه المكتبة من دون قيد أو شرط. وهذه المكتبة تزيد مكوناتها بمقدار 0052 كتاب و009 مقال.
افتتحنا بهذه العجالة بفقرة يزيد عمرها على ثلاثة آلاف سنة، فيها يفاخر أحد رموز منطقتنا الحافلة بكنوز التاريخ وبداية معارفه بأدبه الذي يعده فنا خاصا للسادة والمتمثل في "كنز المعرفة الكتابية المكنون بأكمله"، وهذا الكنز الذي لو نظرنا إليه بعيوننا اليوم وقسناه بما لدينا من كنوز معرفية لما تعدى عن سطر أو هامش ضمن كنوزنا العصرية لا غير. كم نحن في هذا العصر محظوظون لوجود مليارات من هذه الكنوز المعرفية التي لم نتعلم بعد الطريقة الصحيحة لتوظيفها التوظيف السليم لجعل حياتنا أكثر إشراقا ونورا وأداة لرفع شأن الإنسان. كما أرجو أن يعود العراق باني أول المكتبات في العالم إلى أخذ موقعه الريادي في إغناء العالم وإغراقه بنور ثقافته وعلومه.
كما ذكرت في بداية هذه العجالة فإن عدد المواقع ذات الصلة بالمكتبات بلغ عددها 332 مليون موقع غير أنه وحال انتهائي من هذه العجالة أضحت هذه المواقع 415 مليون موقع إضافة إلى مواقع تخص الكتاب فقط بلغ عددها 135 مليون موقع وستون مليون موقع له صلة بالموسوعات والمعاجم وأربعون مليون موقع له صلة بالموسعات وخمسون مليون موقع له علاقة بالمعاجم وهذه الأرقام من محرك بحث واحد فقط وباللغة الإنجليزية، وأترك لمخيلتك التي أعتقد بأنها في أوجها الآن لتتخيل العدد أو الأعداد باللغات الحية الأخرى بما فيها العربية.
لا أود أن أطيل حتى لا أقع في إشكالية مع مقص إدارة التحرير لا إرادة التحرير متمنيا لنا جميعا الاستفادة من هذا العالم المعرفي الكريم والسخي وأن نبدأ القراءة وبصوت مسموع حتى تنتفي عنا تلك المقولة الخطأ.
ختامها: "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" "الاسراء: 58"
العدد 980 - الخميس 12 مايو 2005م الموافق 03 ربيع الثاني 1426هـ