قد تكون طموحات الشعوب العربية تضاءلت تجاه مشروعات الوحدة القومية، وإنشاء الدولة العربية الكبرى في ضوء الإخفاقات والهزائم المتوالية التي نزلت على الأمة العربية. إلا أنه بعيدا عن نتائج التاريخ وحقائقه، يمكن النظر إلى مشروعات الاتحاد من خلال مفهوم الدولة القطرية الذي طرحه بأسلوب حديث المفكر الأنصاري. وفي ضوء ذلك يمكن تحليل إمكانات قيام اتحاد ثنائي بين البحرين وقطر بعد أن تطورت العلاقات بشكل لافت منذ انتهاء النزاع الحدودي السابق بقرار تحكيم دولي.
تتيح الظروف الراهنة، واستشرافات المرحلة المقبلة فرصا كثيرة، قد تكون مجالا خصبا لتوثيق العلاقات تمهيدا لإقامة اتحاد كياني بين البحرين وقطر. ويمكن رصد أبرز هذه الظروف في الآتي:
أولا، بروز النظام الإقليمي الخليجي الجديد: شكل احتلال العراق مرحلة جديدة من مراحل تطور النظام الإقليمي الخليجي، إذ تحول النظام من نظام متعدد الأقطاب إلى نظام ثنائي القطبية تسيطر فيه قوتان إقليميتان هما السعودية وإيران. إلا أن السمة التاريخية التي ميزت النظام الإقليمي الخليجي هي وجود قوى كبرى أجنبية مؤثرة بدرجة كبيرة في تفاعلاته، وهو ما نراه في الوجود العسكري والسياسي والاقتصادي الأميركي بالمنطقة.
ومادامت المنامة والدوحة تربطهما علاقات وثيقة مع واشنطن فإنه بالإمكان الحصول على دعم أميركي للشروع في شكل من أشكال الاتحاد، وتعزيز التعاون المشترك بطريقة تدريجية بحيث لا يؤدي التراجع عنها إلى تداعيات سلبية على البلدين أو على الأمن والاستقرار في المنطقة. ومن أبرز الأمثلة على الفرص التي خلقها النظام الإقليمي الخليجي الجديد دعم الإدارة الأميركية لمشروع الجسر المشترك المقرر إنشاؤه بين البلدين، إذ سيساعد على انتقال عناصر الوجود الأميركي في البلدين بكل سهولة ويسر، الأمر الذي سيقلل بشكل كبير من النفقات على هذا الوجود وكلفة تنقلاته.
ثانيا، إصلاح الأنظمة السياسية: من مميزات النظام السياسي البحريني والقطري أنهما كانا من أوائل الأنظمة الخليجية التي بادرت إلى إصلاح أنظمتها السياسية قبل حوادث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول .2001 وبالتالي فإن زيادة هامش المشاركة السياسية في البلدين من شأنه أن يزيد من فرص التمثيل الشعبي وتعزيز مبدأ السيادة الشعبية خلال الفترة المقبلة. الأمر الذي سيساهم في معالجة إشكال "شخصنة السياسة" الذي عانت منه العلاقات الخليجية - الخليجية بشكل واضح منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي في مايو/ أيار ،1981 إذ حال ذلك الإشكال دون تحقيق شكل من أشكال الاندماج والاتحاد الفيدرالي الخليجي. ومن هنا سيكون إصلاح النظام السياسي البحريني والقطري عاملا أساسيا في تحويل هذه الأنظمة نحو "مأسسة السياسة" التي ستوفر ظروفا مناسبة لإنشاء اتحاد كياني بين البلدين.
ثالثا، تحرير التجارة: يشهد النظام الدولي تحولا في العلاقات الاقتصادية، إذ يتم تحرير التجارة الدولية من خلال منظمة التجارة العالمية التي انضمت إليها البحرين في الأول من يناير/ كانون الثاني ،1995 وانضمت إليها قطر في الثالث عشر من يناير .1996 وبذلك تكون المنامة والدوحة جزئين أساسيين من عملية تحرير التجارة، وبعد سنوات من المتوقع أن تتراجع القيود المفروضة على حركة التجارة بين البلدين من جهة وبلدان العالم من جهة أخرى نتيجة اتفاقات الجات، وقيام الاتحاد النقدي الخليجي، وإنشاء منطقة التجارة الحرة العربية، فضلا عن إقامة مناطق تجارة حرة مع الكثير من بلدان العالم. وبالتالي ستؤدي الفرص والتحديات الاقتصادية في البلدين إلى دفع الحكومات نحو توثيق علاقاتهما في المجال الاقتصادي، وهي بحد ذاتها فرصة مهمة لإنشاء اتحاد اقتصادي مرحلي.
وللحديث صلة..
العدد 978 - الثلثاء 10 مايو 2005م الموافق 01 ربيع الثاني 1426هـ