البعض يظن اننا نتحامل على وزارة الشئون الاجتماعية، واننا متسرعون، ليس في جعبتنا غير النقد وتوجيه الاتهامات، لا ندرك إلى الآن حجم المسئوليات والمهمات الملقاة على عاتق الجهات الإدارية في وزارات الدولة لكي تواكب متطلبات المشروع الإصلاحي وتحديث المجتمع ومؤسساته وقوانينه، بيد "إن بعض الظن إثم". وعلى النقيض من جهتنا فإن الظن يشي إلى كثافة في سوء الظن بسلوك وزارة الشئون الاجتماعية حديثا. لماذا؟ لما نقل عن الزميلة طفلة الخليفة من قول في الزميلة "أخبار الخليج": "ما قصة وزارة الشئون الاجتماعية مع الجمعيات النسائية ولماذا كلما انتهت مشكلة بدأت أخرى... هذا أمر غريب فما كدنا ننتهي من موضوع تعطيل إشهار الاتحاد النسائي، حتى جاءت مشكلة طلب إخلاء مراكز الرياض التي تديرها الجمعيات... إلخ".
حتما سوء الظن يتزايد ويجعل المرء حائرا أمام أمزجة الوزارة وتقلباتها، ولاسيما أن الوزيرة كشفت لإحدى الصحف المحلية في 14 مارس/ آذار الماضي أن: "إشهار الاتحاد النسائي سيتم الأسبوع المقبل بعد المراجعة النهائية لمسودة النظام الأساسي للاتحاد والموافقة عليه من اللجنة التحضيرية، وان قرار الإشهار سينشر في الجريدة الرسمية". هذا مع الأخذ في الاعتبار انه وقبلها بأيام قررت المحكمة الإدارية تأجيل الدعوى المرفوعة من الاتحاد النسائي البحريني ضد وزارة الشئون الاجتماعية، وللصلح المزمع الذي تأسست على اثره لجنة مشتركة بين الطرفين لحل الخلاف بين الاتحاد والوزارة، تمهيدا لإشهار الاتحاد النسائي البحريني.
على ما يبدو ان مسارات التفاوض لاتزال معقدة، وثمة سر يجعل مواقف الوزارة متضاربة من أصل الخلاف المتعلق "بمسمى الاتحاد، والنظام الأساسي والأهداف وآليات تحقيقها". وبتقليب النظر في الإطار الذي حكم مسار المفاوضات وتحكم بإيقاعها بعد سلسلة الاجتماعات التي عقدتها اللجنة المشتركة، تبين بحسب اللجنة التحضيرية للاتحاد، موافقة الوزيرة وعدم ممانعتها للمسمى والأهداف التي يصر عليها الاتحاد، كذلك بتأجيل الدعوى، وتصريح الوزيرة المشار إليه منذ ما يقارب الشهرين وإلى الآن، نقول: بعد كل ذلك يتضح ان المفاوضات القائمة تعاني من معضلة بنيوية مفادها أن الاعتراف بالاتحاد النسائي أمر مرهون بالوزارة، والمطلوب من الاتحاد تقديم المزيد من التنازلات الجوهرية، وأن يترك لمديرة إدارة تنمية المجتمعات المحلية بالوزارة كتابة بنود النظام الأساسي "للاتحاد النسائي البحريني"، ولاسيما تم مؤخرا رفض ستة أهداف أساسية من أصل ثلاثة عشرة تمثل العمود الفقري الذي يرتكز عليه الاتحاد ومنها: "العمل على إشراك المرأة بفعالية في الحياة السياسية، والسعي إلى إلغاء جميع أشكال التمييز ضدها، والدفاع عن حقوقها وبث الوعي القانوني بينها، والسعي إلى إشراكها في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومتابعة تطبيق القرارات والاتفاقات العربية والدولية المتعلقة بها، وحماية المكتسبات التي حصلت عليها سعيا وراء الحصول على المزيد منها لتحقيق المواطنة الكاملة".
أما ما يتعلق بآليات تحقيق الأهداف فقد حذفت الوزارة خمسة منها وهي: "إقامة برامج تدريب وتوعية صحية وقانونية وإيجابية وبيئية للمرأة البحرينية، وإصدار مجلة ونشرات متخصصة تعبر عن صوتها وطموحاتها، ومراجعة لجميع القوانين المحلية المتعلقة بها والسعي إلى تعديلها بما يتماشى مع الاتفاقات الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وتدشين موقع إلكتروني للاتحاد، وإقامة برامج موجهة للفئات المختلفة من نساء البحرين "العاملات، المسنات، الشابات، وربات البيوت... إلخ".
إذن وعلى رغم اعتراف الوزارة بمسمى الاتحاد بـ "الاتحاد النسائي البحريني"، فإن مشروع مسودة النظام الأساسي ظل بندا عالقا إلى الآن بين اللجنة التحضيرية للاتحاد والوزارة ودائرة الشئون القانونية في مجلس الوزراء.
وعليه فإن مراوغة الوزارة وتحديدا منذ تصريح الوزيرة، يضاف إليها مراوغة الأربع سنوات الماضية فضلا عن تاريخ العلاقة ما بين الوزارة والجمعيات النسائية الحافل بالتضييق والتهميش والإقصاء والشد والجذب والتباين عند التعاطي مع ملف "الاتحاد النسائي البحريني"، كل ذلك ليس بمصادفة بريئة أبدا، ولمن يشبك الخيوط بعضها ببعض ستستوقفه لاريب بعض الحيثيات ومنها:
- إن سلوك الالتفاف والدوران الذي تمارسه الوزارة سواء مع الحركة السياسية أو العمالية أو النسائية، يعبر عن رغبة دفينة عند الدولة في ابتلاع مؤسسات المجتمع المدني بما يشمله من أحزاب ونقابات عمالية واتحادات وأندية وجمعيات أهلية ونسائية وغيرها من الكيانات غير الحكومية، فضلا عن احتوائها وإضعافها وتهميشها وحتى إذلالها، وخصوصا الحية والنشطة منها والتي تمثل حضورا جماهيريا وتعكس حيوية المجتمع، وهو سلوك ينم عن ضعف ثقة بالنفس وتردد في مواجهة حيوية ونشاط هذه المؤسسات وطبعا منها "الاتحاد النسائي البحريني"، علاوة على خوف وشك وريبة غير مبررين لكل ما هو مدني وأهلي ومستقل بإرادته عن قرارات الجهات الرسمية.
إن الحديث عن المشاركة في العملية الديمقراطية الذي تنادي به الوزيرة يتطلب، لا بل يستوجب وجود بنى تحتية للديمقراطية، وهذه البنى عبارة عن قيم ومؤسسات للمجتمع المدني الحي والفاعل والمدرك لمسئولياته تجاه المجتمع، ودوره في عملية التنمية المستدامة، فالمؤسسات المدنية والأهلية هي المسئولة عن التنشئة المدنية والسياسية للمواطنين والمواطنات، لهذا وذاك، كيف للاتحاد النسائي البحريني أن يمارس دوره في الشأن العام تماما كما يفعل المجلس الأعلى للمرأة في الوقت الذي تتعثر فيه جهود الجمعيات النسائية لإشهاره؟! ألا يعد هذا التضييق وعدم الإشهار تراجعا وانتكاسا عن سكة المشروع الإصلاحي.
هناك خلل ما يكمن في الخطاب الرسمي المتلون الذي ينادي بالمشاركة في المشروع الإصلاحي وممارسة الديمقراطية وأيضا الشراكة المجتمعية، ويمارس في الوقت ذاته نقيضها في جميع المجالات الدستورية والسياسية والثقافية وغيرها، فتهميش الدولة للمجتمع ومؤسساته المدنية والأهلية، وتفضيل علاقة التسلط عوضا عن العلاقة التبادلية والتشاركية في الشأن العام ستضعف مع الوقت من مناعة جسد الدولة قبل غيرها، وتنهكها وتجعلها ضعيفة في مواجهة الأزمات والكوارث التي تحل بالوطن.
إن عدم إشهار "الاتحاد النسائي البحريني" تعبير بحد ذاته عن أحد أوجه الأزمة في العملية الديمقراطية، إضافة إلى تعثر وإخفاق وبطء في إنجاز دولة القانون والمؤسسات التي طالما تغنى بها المسئولون بالدولة. العملية الديمقراطية سلسلة حلقات متكاملة ومترابطة من "كل" لا ينفصل بعضه عن بعض، وهي تعني ما تعنيه من وجود برلمان حر منتخب من الشعب ويمثل سلطته وإرادته المستقلة، كما تعني قضاء مستقلا لا يخترقه وينتقص منه مشروع قانون "كقانون مكافحة الإرهاب"، وتعني حرية رأي وتعبير وحرية عمل للأحزاب السياسية، والنقابات والجمعيات النسائية والاتحادات، وهي تتضمن قبول الاختلاف وحق الآخرين في تشكيل منظماتهم التي تحقق مصالحهم وتحميهم وتدافع عنهم وتكفل لهم سيادة قيم الاحترام والتسامح والتعاون والتنافس الشريف، لا التسلط والهيمنة والتهميش وإلغاء الآخر.
هل قلنا أن التلكؤ عن إشهار "الاتحاد النسائي البحريني" يمثل إخفاقا معرفيا وفكريا في استيعاب متطلبات المشروع الإصلاحي؟ تماما كما هو شكل من أشكال الأزمة الديمقراطية التي تعكسها ازدواجية الخطاب الرسمي؟
- أجل وبالتأكيد
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 977 - الإثنين 09 مايو 2005م الموافق 30 ربيع الاول 1426هـ