مسألة الاتفاق والاختلاف مع الآخرين، هي مسألة محسومة في أجواء الديمقراطية، ويعتبر مدماكا من مداميكها، إذ إن لكل منا رأيه. نتفق مع الشيخ صلاح الجودر ونختلف معه في الكثير من المواقف، ولعلنا تطرقنا في هذا المكان لبعض هذه المواقف. أما مساحة الاتفاق معه فكبيرة، كما في شأن نبذ الطائفية ودعوته إلى التعايش السلمي وسعيه في المحافظة على السلم الأهلي/الاجتماعي في البلاد.
وساءني في الحقيقة، كما ساء آخرين، أن يتم النيل من الشيخ صلاح الجودر في شأن موقفه من حرية الصحافة، والهجوم الذي يشنه بعض المنتسبين لأحد التجمعات التي تدعو في أدبياتها إلى الحوار مع الآخر، ولكن اتضح من خلال هذا الهجوم الشديد على الشيخ صلاح بأن جميع تلك الأدبيات المتسامحة والرائعة لم تستطع أن تؤثر في سلوك هؤلاء الشباب، إذ مازالت "الرسائل الهاتفية" تنهال من كل جانب موجهة ضد الشيخ صلاح، مدعية عليه بأنه ضد الطائفة!
لقد عايش الإخوان المسلمين فترات صعبة منذ النشأة الأولى للمربي حسن البنا رحمه الله تعالى، سواء من قبل الأنظمة الحاكمة في الدول العربية، أو في سورية ومصر، وفي الأخيرة مازال النظام يتعامل مع جماعة الإخوان المسلمين وكأنهم خارج إطار المجتمع وكجماعة تحمل فيروسا معديا للمجتمع المدني! وعلى رغم أن للإخوان أدبيات مسالمة وعقلانية تفوق ما لدى الآخرين من تعنت وصلافة، إلا ان الحكومة المصرية تحديدا تتعامل معهم بأسلوب كريه لا يتناسب مع الحجم الكبير للتجمع.
وعلى رغم أن الإخوان المسلمين في البحرين لم يكن لهم ذاك التاريخ النضالي في العمل السياسي، وذلك لا ينسحب على الإخوان في بقية البلاد العربية، إذ عانى الإخوان في تلك البلاد من الظلم والطغيان، وقدموا تضحيات كثيرة في سجون البوابات السوداء. وظل الإخوان في البحرين في منأى عن العمل السياسي، حتى جرى الانفتاح العام في البلاد ابان تولي الملك حمد بن عيسى حفظه الله مقاليد الحكم في البلاد، فكان أن دعوا الشيخ عبدالأمير الجمري - عافاه الله - في جمعية الإصلاح، وكم كنا نحلم بأن تكون تلك الدعوة أساسا لبناء علاقة وثيقة بين الطائفتين يرعى بذرتها الشيخ الجمري والشيخ عيسى بن محمد آل خليفة والإخوة في جمعية الإصلاح... ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن!
أدبيات الإخوان المسلمين هي التي يجب أن تسود الواقع العملي للحركة في البحرين، وبهذه الأدبيات ذاتها ينبغي التعامل مع الحادثة التي ذكرتها فيما يخص الحملة التي يتعرض لها الشيخ صلاح، ومعالجة ذلك الأمر في إطار من العقلانية ومن جانب من يؤمنون حقا بالمحافظة على السلم الأهلي في البلاد، ومن يؤمنون أيضا بأدبيات الإخوان، وبالتالي عليهم دعوة الآخرين للكف عن تلك المهاترات واللعب بالنار وتفتيت الأمة بدلا من لم شملها، وعليهم بالسعي إلى الإصلاح وإزالة سوء الفهم الحاصل منذ جلسة الفلوجة.
ومادام الكبار يدعون إلى المواطنة، وعقدوا بعض الصفقات مع الجمعيات السياسية التي تمثل جزءا كبيرا من الطائفة الأخرى... فلماذا يتلذذ الصغار ببث هذه "المسجات" الطائفية؟ و"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت" ولعل سحابة الصيف أن تنقشع ويعود الود والمحبة والألفة الوطنية بين الجميع، فإننا "نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما نختلف فيه"
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 976 - الأحد 08 مايو 2005م الموافق 29 ربيع الاول 1426هـ