العدد 975 - السبت 07 مايو 2005م الموافق 28 ربيع الاول 1426هـ

الأميركيون يعدون مشروعهم للدولة الفلسطينية على ورق "راند"

خطوة على طريق تصفية القضية الوطنية "1 - 2"

محمد دلبح comments [at] alwasatnews.com

.

أصدرت مؤسسة "راند" للأبحاث ذات العلاقة الوثيقة بوزارة الدفاع والمخابرات الأميركية دراسة تضمنت الكثير من التوصيات لنجاح مشروع دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ترتبط بسكة حديد وطريق عام وبنية تحتية و"تفتح الباب أمام تنمية جديدة جذرية في فلسطين تعطي الفلسطينيين فرصا جديدة للحصول على الوظائف والغذاء والماء والتعليم والرعاية الصحية والإسكان والخدمات العامة".

وقال مسئولون في "راند" ممن أشرفوا على الدراسة، وهي عبارة عن تقريرين منفصلين جاءا في 400 صفحة، إنهم اعتمدوا في دراستهم على اتصالات بين مسئولين عرب كبار ونظرائهم الأميركيين، وانها نالت رضى رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير.

وقد فصلت المؤسسة حصيلة عملها الذي جرى في الفترة ما بين خريف العام 2002 وخريف العام .2004 وذكرت الدراسة أن كلفة "مشروع الدولة الفلسطينية الناجحة" 3,3 مليارات دولار سنويا لعشر سنوات، أي ستصل الكلفة الإجمالية إلى 33 مليار دولار يمكن تأمينه من موارد المجتمع الدولي ومستثمرين مستقلين.

وتقول الدراسة إن اكتشاف متطلبات النجاح عنصر حيوي إذا قيض لدولة فلسطينية جديدة أن تؤسس. وأوضحت شروط نجاح الدولة وفق معايير خاصة ومنظور معدي الدراسة إذ قالت إن نجاح دولة المستقبل الفلسطينية يعتمد على ما إذا كانت دولة مستقلة ديمقراطية تحكمها سلطة فعالة وناجعة تمارس الحكم تحت هدي القانون والنظام في بيئة آمنة ومأمونة تتيح إمكانات التنمية الاقتصادية وتوفر مرافق الإسكان والغذاء والصحة والتعليم والخدمات العامة لشعبها"، وأضافت ومن أجل كل ذلك بجب تأمين الآتي:

* الأمن الداخلي: وهو أمر تقول الدراسة انه "لا يمكن تصور نجاح دولة فلسطينية مستقلة في غياب السلام والأمن للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء... فالدولة الفلسطينية المستقلة يجب أن تكون آمنة داخل حدودها، وأن توفر السلامة الاعتيادية لسكانها وأن تخلو من أعمال التخريب أو الاستغلال الأجنبي وألا تشكل خطرا على "إسرائيل"، وستكون أكثر مسألة إلحاحا للأمن الداخلي هي إخماد نشاط المنظمات التي تخل باستقرار الدولة الفلسطينية الجديدة وتهدد "إسرائيل". وهو ما يعتبر إشارة إلى المقاومة الفلسطينية التي تصفيتها يعتبر الشرط الأساسي لقيام دولة هي في علم الغيب الإسرائيلي والأميركي".

وتدعو الدراسة إلى ضرورة وضع السلامة العامة والتنفيذ الاعتيادي للقوانين وتطبيق العدالة في الطريق السليم بأسرع وقت ممكن. وهي من أجل ذلك تركز على إعداد وتشكيل أجهزة أمن وشرطة تمتلك المقدرة والكفاءة المهنية والعلمية والتقنية.

وشارك في وضع دراسة راند عدد من الباحثين من بينهم سسيتفان سايمون، وروس أنطوني وغلان روبنسون وغيرولد غرين وكينيث شاين ومايكل شونبوم ودوغ سويسمان وعادل عفيفي. وتؤكد الدراسة أن "إنشاء دولة فلسطين لا يضمن نجاحها" الذي هو "مهم جدا بالنسبة إلى الفلسطينيين والإسرائيليين والكثيرين في العالم" لأن "وجود دولة فاشلة أو ضعيفة إلى حد أنها تتطلب الدعم والضغط من دول أخرى سيعرض الأمن الدولي للخطر". ويتطلب الحفاظ على الأمن وجود ترتيبات أمنية تتراوح بين حماية الحدود التي تطوق الدولة والمحافظة على الأمن والنظام في الداخل. ولعل دعما دوليا سخيا سيكون مطلوبا من المجتمع الدولي وتعاونا وثيقا من الأجهزة الأمنية للأطراف المعنية سيكون ضروريا من أجل تحقيق النجاح المطلوب.

وتؤكد الدراسة في سياق ضبط الوضع الأمني الحاجة إلى أموال تنفق على بناء المحاكم وترميمها وبناء وترميم مخافر الشرطة وتجهيزها بما تحتاج إليه من لوازم ومعدات. وقد ينطوي برنامج شامل لتسريع عملية الإصلاح وترسيخ الشعور بالأمان عند المواطن الفلسطيني نشر قوات شرطة دولية وهيئات فاحصة لتعيين القضاء وضباط الشرطة. كما أن هناك حاجة في مجالي الاستخبارات ومكافحة الإرهاب إلى إعادة بناء القوى الأمنية الفلسطينية وتجهيزها بأحدث المعدات وتوفير كل ما تحتاج إليه من دعم وإسناد رصدي وتحليلي وتدريبي. وتقدر الدراسة كلفة إعادة بناء أجهزة الأمن الداخلي الفلسطيني بما لا يقل عن 770 مليون دولار سنويا لمدة عشر سنوات.

* الحكم: وتعتبر الدراسة أن أحد الشروط المسبقة للحكم الرشيد هو أن يقر الفلسطينيون بشرعية قيادة الحكم وبفعاليتهم وهذا يعتمد على بنود تسوية سلمية نهائية بما في ذلك مساحة الأرض وتواصلها ووضع القدس وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في الدولة الجديدة، وهو ما يتعارض مع نصوص قرارات الأمم المتحدة الخاصة بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم التي شردوا منها وخصوصا تنفيذ قرار 194 الذي تستبعده دراسة راند.

وترى الدراسة أنه سيكون من الأسهل تحقيق الحكم الرشيد لو كانت حدود فلسطين مفتوحة واقتصادها مزدهرا واستيعابها للاجئين ممكنا وأمنها مضمونا وسنواتها الأولى مدعومة بمساعدة دولية هائلة يجب أن تستثمر لضمان النمو الاقتصادي على المدى الطويل. كما أن الحكم الرشيد يتطلب مكافحة الفساد والممارسات التعسفية وتعزيز سيادة القانون والقضاء ومنح البرلمان المزيد من السلطة وأن تشجع على نظام الاستحقاق في الخدمة المدنية وأن تناط السلطة بالمسئولين المدنيين.

* التنمية الاقتصادية: درست المؤسسة آفاق التنمية الاقتصادية في الدولة الفلسطينية المستقلة بين عامي 2005 و،2019 مع تركيز خاص على ضمان تحسين معدل دخل الفرد. وبجانب شروط الأمن والحكم الصالح والتماس الجغرافي للأراضي وتوافر الثروة المائية الكافية والطاقة، ثمة أربعة عناصر مهمة، هي:

1- كلفة صرف العملة.

2- الموارد، بما فيها الموارد الداخلية والتمويل والموارد الخارجية.

3- النظام التجاري الفلسطيني.

4- فرص عمل المواطنين الفلسطينيين في الكيان الصهيوني.

وترى الدراسة أن ندرة الثروات الطبيعية في الأراضي الفلسطينية تكثف اعتماد التنمية الاقتصادية على الطاقة البشرية، المدعومة بالتأهيل العلمي والحرفي. وبالتالي فهناك الكثير من الخيارات الحاسمة الاستراتيجية مطلوبة من الساسة الفلسطينيين في مستهل عمر الدولة، أبرزها يتعلق بأرض الدولة ولاسيما حجمها وشكلها وتماس رقعتها بما في ذلك من انعكاسات على الموارد الاقتصادية، وكذلك شكل العلاقة الاقتصادية مع الكيان الصهيوني. وتخلص الدراسة في هذا الموضوع إلى أربعة سيناريوهات يمكن أن تحقق بموجبها التنمية الاقتصادية للدولة هي: دولة أراضيها متماسة الرقعة، ودولة أراضيها تماسها قليل وكثيرة الجيوب، ودولة بحدود مفتوحة وسياسات اقتصادية متحررة، ودولة منغلقة وسياسة غير متحررة.

هذه السيناريوهات تحسم مستويات المعوقات أمام انتقال الناس والسلع وكذلك كلفة التبادل ومساحة النشاط الاقتصادي. كذلك تقرر فرص العمالة للفلسطينيين وتحدد للفلسطينيين مجالات تصريف موادهم الأولية وسلعهم التصديرية. وباستثناء رقعة التماس الجغرافي المحدود يتوقع ارتفاع معدل دخل الفرد الفلسطيني متجاوزا أرقام العام 1999 بحلول العام ،2009 وبل يصل الى الضعفين بحدود العام .2019

ولكن يجب وجود استثمارات ضخمة في البنية الاقتصادية الفلسطينية، من قبل المستثمرين الفلسطينيين والمجتمع الدولي بحيث يبلغ بين عامي 2005 و2019 نحو 3,3 مليارات دولار سنويا، أي 33 مليارا خلال عشر سنوات. ومقابل ذلك يجب أن تنمو العمالة بمعدل سنوي يتراوح بين 15 و18 في المئة بين عامي 2005 و.2009

وترى الدراسة أيضا أن نجاح التنمية الاقتصادية في فلسطين الجديدة يتطلب الأمن الكافي والحكم الرشيد والأراضي المتصلة وفرص الوصول المستقرة إلى موارد الطاقة والمياه وبنية تحتية للنقل تلبي احتياجات الفلسطينيين. وفي عدم وجود مثل هذه الشروط فإن الدراسة تقول ان البديل سيكون "زيادة الفقر الذي سيزيد من حدة الاستياء السياسي ويخلق وضعا يكون فيه من الصعب جدا بل من المستحيل الحفاظ على الأمن". وتشمل العوامل المهمة الأخرى لنجاح دولة فلسطين المقترحة فرص وصول الفلسطينيين إلى أسواق العمل الإسرائيلية وهي في منظور الوطنيين الفلسطينيين محاولة لإدامة اعتماد الفلسطينيين على الاقتصاد الإسرائيلي وربط الكيان المقترح إلى ما لا نهاية بـ "إسرائيل". كما تدعو الدراسة إلى أن يكون من بين شروط النجاح حرية تحرك الأشخاص والمنتجات عبر حدود الدولة المقترحة بما فيها الحدود مع الكيان الصهيوني، وسيتم تعزيز النشاط الاقتصادي من خلال التحسينات والاستثمارات في البنية التحتية للنقل والماء والطاقة والاتصالات في فلسطين. وتعزيز سياسة الانفتاح التجاري وتبني خطوات نقدية ومالية ملائمة تعزز ذلك.

ويؤكد واضعو الدراسة أن "دولة فلسطين الجديدة" لن تستطيع الوقوف على قدميها من دون دعم وموارد المجتمع الدولي، وتحديدا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وسيكون حيويا تأمين موارد الدعم الكبرى على امتداد عقد كامل أو أكثر، مع أن الجزم متعذر إزاء ما إذا كانت مثل هذه الموارد متيسرة أم لا. وبالتالي فهذا الواقع سيفرض انجاز النجاح المطلوب بسرعة، وتنبه السلطات الفلسطينية إلى ضرورة الاهتمام بالاستثمار بدلا من ذهاب كل ما تتلقاه إلى جانب الاستهلاك.

* شكل فلسطين الجديدة... و"قوسها": ويقول معدو الدراسة إنهم في سياق بحثهم في توزع الكثافة السكانية راهنا، وجدوا أن القرى والبلدات والمدن الفلسطينية ليست منتظمة في توزعها على أراضي الضفة بل ان معظمها يتجمع في الجزء الغربي من أراضي الضفة، وهذا ما حكمت به حقائق المناخ والطوبوغرافيا للأرض الفلسطينية.

ويقول التقرير إن أرض الضفة الغربية مقطوعة تقريبا إلى نصفين في وسطها بخط منحن على شكل "قوس" تشكلها سلسلة جبلية، تصل أعلى قممها إلى ارتفاع قدره ثلاثة آلاف قدم عن سطح البحر. وبسبب طغيان اتجاه الرياح من الغرب إلى الشرق من البحر الأبيض المتوسط تتعرض له الضفة لوتيرة رياح وعواصف شبيهة بما تتعرض له الأراضي المتوسطية المناخ في ولاية كاليفورنيا الأميركية أو ولاية الكاب بجنوب إفريقيا. في حين يفرض ارتفاع الجبال هطول الأمطار على منحدراتها الغربية ما يترك المنحدرات الشرقية أقل مطرا ومن ثم أكثر عرضة للجفاف.

وما يصدق على المطر كما تقول الدراسة، يصدق على الرياح، ما يجعل جو المنحدرات الشرقية أعلى حرارة من جو المنحدرات الغربية. وهذا ما قلل عدد السكان في المناطق الشرقية الجافة والحارة وقلص رقعة الأراضي الزراعية فيها باستثناء غور أريحا الذي حولته المياه الجوفية إلى واحة غناء.

وأشار إلى أن "أطلس فلسطين" عرف 11 مدينة رئيسية في الضفة الغربية هي من الشمال الى الجنوب: جنين وطوباس وطولكرم ونابلس وقلقيلية وسلفيت ورام الله وأريحا والقدس وبيت لحم والخليل، وباستثناء طولكرم وقلقيلية في الغرب وأريحا في الشرق، يمكن القول ان المدن الباقية تقع على خط منحن يوازي حرف السلسلة الجبلية. والمدن الكبر من حيث عدد السكان هي القدس "250 ألف نسمة" والخليل "145 ألف نسمة" ونابلس "127 ألف نسمة". بعدها تأتي طولكرم وقلقيلية ولكن بفارق كبير في عدد السكان "بحدود 40 ألفا لكل منهما". لقد سكن عدد من هذه المدن منذ آلاف السنين، وخصوصا الخليل وبيت لحم والقدس وأريحا ونابلس - وثمة طرق قديمة تصلها بعضها ببعض - والواقع ان مسار "الطريق 60" الحديثة، التي تقطع الضفة من الشمال الى الجنوب تكاد تطابق الطريق القديمة الواصلة بين هذه المدن.

وأكد ان مقتضيات التنمية الاقتصادية في فلسطين توجب شق طرق سريعة شمالية - جنوبية لنقل الناس والسلع على امتداد الضفة، وبين الضفة وقطاع غزة، مشيرا إلى أن مناقشة الأوضاع الحالية لا يمكن ان تغفل أثر المستعمرات الإسرائيلية الكثيرة التي بنيت في الضفة والطرقات التي شقت لربط احداها بالأخرى، وهذه المستعمرات والطرقات الواصلة بينها تشكل منظومة مدينية مستقلة عما حولها، كما ان تصميمها مختلف عن أنماط العمارة القديمة المألوفة في المنطقة. ولذلك ولأن مصيرها السياسي المستقبلي غير محدد اخترنا ضمن حدود هذه الدراسة أن نفصل مسألة المستعمرات عن السياق العام.

السكان والنمو

وتقول الدراسة أن من المتوقع أن ينمو عدد السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة من نحو 3,6 ملايين نسمة إلى 6,6 ملايين نسمة بحلول العام ،2020 يحتشدون فوق 2300 ميل مربع، إذ تبلغ الكثافة السكانية الراهنة لفلسطين 1400 نسمة في الميل المربع. وهي الأعلى في العالم. إذ لا تزيد الكثافة السكانية لهولندا "وهي الأعلى في أوروبا" عن 1200 نسمة في الميل المربع، كما لا تزيد في "إسرائيل" على 770 ولبنان على 870 في الميل المربع. أما الدولة الكبرى الأعلى كثافة فهي بنغلاديش التي تبلغ كثافتها 2200 وبالتالي فإن الكثافة السكانية للفلسطينيين بحلول العام 2020 ستصل إلى 2400 في الميل المربع متجاوزة حتى بنغلاديش.

كما ان ارتفاع الكثافة السكانية يترافق عموما مع الاكتظاظ والفقر والأمراض وازدحام السير والأزمات الاقتصادية والمعاناة البيئية. ولكن الازدياد السكاني في حد ذاته ليس بالضرورة مبعثا للمصاعب الاقتصادية بل في بعض الحالات، كما تعتقد الدراسة، يشكل حال معاكس عند قياس اكتظاظ المدن باكتظاظ الدول. وفيما يخص الدولة الفلسطينية فإن الوضع السكاني الفلسطيني الحالي والزيادة المرتقبة للكثافة السكانية إذا ما ربط بنمط نمو معهود في المدن العالمية الكثيفة سكانيا ووسائل النقل العامة قد يكونان لمصلحة الدولة فيما يتصل بنسق قابل للحياة في الدولة

العدد 975 - السبت 07 مايو 2005م الموافق 28 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً