العدد 975 - السبت 07 مايو 2005م الموافق 28 ربيع الاول 1426هـ

تجارة الموتى الأكثر انتعاشا في العراق

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

على رغم اهتمام الصحافة ووسائل الإعلام البريطانية الأخرى بالانتخابات البريطانية طيلة السبوع الماضي، فإن تجارة الموت في العراق استحوذت على اهتمام صحيفة "التايم" هناك، فقد كتب مراسلوها من بغداد ينقلون عن أحد صناع النعوش قوله "إن العمل يزدهر مع كل ضحية تسقط. .."، كما أن أسعار المقابر قد ارتفعت ارتفاعا لم يسبق له مثيل في العراق.

والمستفيدون مما يجري من حرب في العراق كما ورد على لسان المراسلين هم جهات ثلاث: أولها، وهي المستفيد الأكبر، شركات الخدمات الأمنية الأجنبية، ومعظمها من الشركات الاميركية، التي تربح الملايين، والتي بات لها مصلحة مباشرة وملموسة من استمرار انعدام الأمن في العراق، فمع كل انفجار، يتسع نطاق انتشار الرعب ومعه ترتفع الطلبات على الأنظمة والأجهزة الأمنية الغالية الثمن والتي تبدأ من تلبية الاحتياجات الفردية إلى تلك الخاصة بالمؤسسات. وتتحدث بعض المصادر عن ارتفاع أسعار انظمة وأجهزة الخدمات الأمنية المصدرة إلى العراق إلى ثلاثة أضعاف اسعارها العادية.

ثاني الجهات المستفيدة تلك العصابات الإرهابية المرتزقة "ليس المقصود هنا أولئك الشباب الأبرياء الذين ينفذون تلك العمليات، ولا التنظيمات السياسية التي ربما تكون سياستها اللجوء للعنف لمواجهة الوجود الأميركي" وإنما تلك العصابات المرتزقة التي تتغذى وتنمو على أجساد الأبرياء سواء لمنفذي العمليات أو لضحاياها. مثل تلك العصابات تنمو كالطفيليات وتنتشر بسرعة الفطر، وهي خليط محلي وإقليمي وعربي.

ثالث تلك الجهات هم صناع النعوش وحفارو القبور فكما يقول أحد صناع النعوش لقد ارتفع سعر النعش الواحد من 3 جنيهات إسترلينية قبل الحرب إلى حوالي 25 جنيها، كما اكتظت المقابر بسكانها من الموتى فبعد أن كانت العائلة تدفع ما قيمته حوالي 400 جنيه لقطعة أرض مساحتها 50 مترا مربعا، أصبحت الآن مضطرة إلى دفع 4000 جنيه للمساحة ذاتها.

مثل هذه الجهات الثلاث كان لها حضور قوي وملموس خلال الحروب الأهلية الداخلية التي إندلعت في المنطقة العربية منذ الثمانينات والحرب الأهلية اللبنانية أسطع مثال عليها. فقد ساعد طول أمد الحرب إلى تحول مثل تلك الجهات إلى مؤسسات تجارية محلية لها خبرة غنية في تأجيج اوار الصراع وإشعال فتيله والنفخ في أتونه كي يظل مشتعلا، وهو أمر استمر حتى بعد توقف الأطراف الأساسية ذات العلاقة بالحرب اللبنانية، وحتى بعد مرور ما يقرب من ربع قرن على رحيل المقاومة الفلسطينية من لبنان، وكان آخر ضحاياها رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري.

والأمثلة العربية كثيرة ومتنوعة: السودان... الجزائر... اليمن... وأخيرا وليس آخرا الكويت والمملكة العربية السعودية.

تجارة الحرب هذه لها ذيول وأذرع طويلة تمتد لتشمل قطاعات تجارية أخرى، لكنها في نهاية المطاف تولد أرباحا آنية هامشية وفردية لمن هم ضالعين فيها، وبالمقابل عناصر أخرى مدمرة للاقتصاد الوطني وقنوات نموه. كل ذلك لم يصل بعد إلى التجارة السياسية والتي تنتقل حينها التجارة من إطارها الفردي الهامشي ونطاق الشركات الضيق إلى رحاب الدول اللامحدود

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 975 - السبت 07 مايو 2005م الموافق 28 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً