خلافا لغالبية التحليلات التي ترافقت مع التعديل الوزاري الذي ادخله الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة على حكومة أحمد أويحيى عشية يوم الأحد الماضي، التي اعتبرت ما حصل بمثابة السيطرة الكاملة على كل مؤسسات الدولة، وإحكام قبضة، تحديدا على شئون الجيش بإعلان احتفاظه بمنصب وزير الدفاع وحرصه على الانتقال إلى مكتبه في مبناها، إلا أن العالمين ببواطن الأمور في العاصمة "الجزائر"، يؤكدون أن هذه التغييرات، بشكلها وبأبعادها، لا تدل على أن رئيس الدولة مرتاح كثيرا لمجريات الأوضاع في البلاد. كما أن الكثير من الدلالات التي برزت في الفترة الأخيرة تدعو إلى الاعتقاد بأن الأمور لم تحسم نهائيا، بحسب ما كان يرغب غداة إعادة انتخابه لولاية ثانية.
فالخطاب الذي ألقاه، مساء الأربعاء الماضي، بدار الامام بالمحمدية في الجزائر على الأئمة وحفظة القرآن الكريم، مؤشر على عدم ارتياح بوتفليقة. ففي إطار تمسكه بمشروع المصالحة والعفو الشامل المتعارف على تسميته "بالوئام الوطني"، الذي وضعه على رأس الأولويات السياسية، وسخر من أجله كل الجهود إلى حد الاستعانة بالرئيس السابق أحمد بن بلله وتقليده الدكتوراه الفخرية من جميع الجامعات الجزائرية خلال احتفال كبير تعمد عقده بمعقله بمدينة تلمسان، فجر بوتفليقة جام غضبه ضد معارضي المصالحة والعفو. ما يعني وجود تيار قوي بدأ يقلق ويعرقل المسيرة والخطط التي وضعها.
وترى بعض الأوساط المطلعة أن عودة الفريق المتقاعد عبدالمالك قنايزية لتولي منصب الوزير المنتدب للدفاع الوطني بعد أن ابعده بوتفليقة نفسه بتعيينه سفيرا في سويسرا، مؤشرا آخر على عدم قدرة رئيس البلاد، كما تم الترويج لذلك، إثر استقالة رئيس الاركان السابق والرجل القوي، الفريق محمد العماري، على وضع اليد بشكل كامل على المؤسسة العسكرية التي اعتبرت لسنوات طوال بمثابة "السلطة الفعلية" في الجزائر. ومن المعاني الأخرى لهذا التعديل، إبعاد وزير الخارجية، عبدالعزيز بلخادم، على رغم تكليفه بمهمات مستشار للشئون الخارجية في رئاسة الجمهورية من دون حسم موقعه كأمين عام لجبهة التحرير الوطني الجزائرية؟ والاتيان بمحمد بجاوي، العضو السابق بمحكمة العدل الدولية بلاهاي، والمستشار القانوني لأيام خلت لبوتفليقة في قصر "المرادية".
فالواضح من وراء ذلك، أن الرئيس الجزائري يحاول بذلك، إعادة ترتيب أولوياته وجمع الأوراق التي بحوزته، وهو السياسي المخضرم، استشفاف قدوم مرحلة ستكثر فيها، على ما يبدو، المطبات السياسية. لذلك لابد من تهيئة جميع العناصر التي تمكنه من اختبار قوته، وبالتالي، قطع الطريق على الخصوم والحلفاء المرحليين معا.
في هذا السياق يرى المراقبون في الساحة الجزائرية، في طليعتهم الفرنسيون والأميركيون الأكثر اهتماما في هذه الفترة بالشأن الجزايري، بأن التحركات المكثفة داخل البلاد وخارجها التي يقوم بها بوتفليقة، دليل على وجود صعوبات "واجهها الحكم، حتى ولو لم تبرز علنا على السطح. وبأن الأسابيع أو الأشهر المقبلة ستكشف الكثير من الحقائق
العدد 973 - الخميس 05 مايو 2005م الموافق 26 ربيع الاول 1426هـ