المقترح المطروح لدى مجلس النواب بإنشاء وزارة للتخطيط بلا شك خطوة إيجابية تعكس أهمية كبيرة للتخطيط والحاجة الضرورية اليها من أجل تفعيل ورفع مستوى التخطيط لدى الأجهزة الحكومية والمؤسسات العامة للدولة. وفي أبسط تعريف لعملية التخطيط فيما يتعلق بمجال الإدارة العامة هو دراسة احتياجات المجتمع ثم تحديد الأولويات بحسب أهمية تلك الاحتياجات ومن ثم ترسم الاستراتيجيات الوطنية والخطط التي تتضمن أهدافا قابلة للقياس. وتترجم الأهداف إلى برامج وأنشطة ويتطلب ذلك تقدير الموارد المطلوبة البشرية وغيرها ويوضع برنامج زمني للتنفيذ. وبعد إقرار الخطط تأتي مرحلة التطبيق والتنفيذ وتليها مرحلة مهمة جدا تتعلق بتقييم ومتابعة أداء الخطط والبرامج باستخدام أدوات قياسية توضح مدى فعالية الأجهزة التي تناط بها مهمات تنفيذ البرامج والأنشطة لكي تتخذ الإجراءات اللازمة عند انحراف أية خطة عن مسارها، أو عدم تحقيق النتائج التي نصت عليها أهداف الخطط والبرامج والتوصل إلى معرفة مواقع التقصير سواء عند إعداد الخطط أو أثناء تنفيذها.
إن التخطيط وإن حظي باهتمام إلى حد ما من قبل الكثير من وزارات وأجهزة الدولة في مملكتنا، فإنه منذ زمن بعيد وحتى الآن لايزال يفتقر إلى الكثير من التطوير والاهتمام الجاد والمتواصل من جانب الإدارات التنفيذية العليا التي ترسم سياسات وبرامج إداراتها. ويذكرني ذلك عندما كنت عضوا في لجنة التخطيط والبرامج بإحدى الوزارات، إذ كنت أول من قام بإعداد خطة خمسية لتنمية الموارد البشرية، وكان من أهدافها بحرنة أكبر عدد من الوظائف في تاريخ تلك الوزارة، إلا أن تلك الخطة أخذت مسارها إلى الرفوف العليا ثم إلى سلة المهملات. كما تقدمت بأطروحة لنيل درجة الماجستير تتعلق بدراسة تقترح وضع خطة استراتيجية لتقييم أداء الخدمات في تلك الوزارة وكان مصيرها أفضل من الخطة السابقة، إذ اكتفت الوزارة بإيداعها في مكتبة الكلية التابعة اليها.
لقد آن الأوان ليحظى التخطيط بما يستحق من اهتمام، وخصوصا في هذا الوقت الذي تشهد فيه مملكتنا كما هائلا من التغييرات والإصلاحات على جميع الأصعدة، تتطلب وضع الخطط الجادة القابلة للتنفيذ، للاستجابة للتطلعات والأهداف الوطنية. وإذ بدأ الركب يسير في تطبيق ما جاء به الميثاق والدستور فإن الحاجة الآن أكثر إلحاحا من أي وقت سابق إلى إعطاء موضوع التخطيط مكانته المهمة على جميع المستويات، بدءا من الجهاز الحكومي مرورا بالتشريعي والنيابي والقطاع الخاص وحتى على المستوى الشخصي لكل فرد يعيش على هذه الأرض الطيبة.
وبعد هذا العرض الموجز لأهمية التخطيط، هناك سؤال يطرح نفسه، وهو: هل تحتاج مملكة البحرين إلى وزارة للتخطيط بعد الأخذ في الاعتبار حجمها الجغرافي والسكاني مقارنة بالدول الأخرى؟ وكذلك في ظل وجود أجهزة أخرى في وزارات ومؤسسات الدولة تعنى بعملية التخطيط في مجالاتها، مع أنها تفتقر إلى التقنية والتطوير لتحسين أدائها ورفع كفاءاتها... أم اننا نكتفي بإنشاء هيئة أو جهاز مركزي أو حتى لجنة عليا للتخطيط؟
إن إنشاء وزارة يتطلب هيكلا تنظيميا ضخما مدعوما بموارد بشرية ومالية أخرى بكلفة رأسمالية ومتكررة ستشكل عبئا كبيرا على موازنة الدولة. كما أن مهمات الوزارة المقترحة يمكن أن تقوم بها مؤسسة أصغر بكثير، لكونها جهة استشارية تنسيقية، وقد يضاف إليها دور رقابي، فهي لا تقوم بإعداد الخطط لوزارات وأجهزة الدولة، بل تكون بمثابة العامل المساعد الذي يقدم الدعم إلى الأجهزة الأخرى من خلال تقديم المشورة والتنسيق بين مختلف الوزارات والمؤسسات الحكومية، لتفادي الازدواجية وتساهم في رفع الكفاءة، وكذلك تقييم أداء الخطط والمشروعات. فهل يا ترى من الحكمة أن ينتهي بنا المطاف إلى إنشاء وزارة للتخطيط؟
نأمل أن يوفق الجميع للتوصل إلى مستوى من التخطيط الأمثل لتحقيق ما فيه الخير والتقدم للوطن والمواطن
العدد 972 - الأربعاء 04 مايو 2005م الموافق 25 ربيع الاول 1426هـ