العدد 972 - الأربعاء 04 مايو 2005م الموافق 25 ربيع الاول 1426هـ

قراءة في أسماء ضحايا التلوث البيئي

رسالة هاتفية من المعامير!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كنت حزينا جدا أمس وأنا أقرأ أسماء ضحايا الكارثة البيئية في قرية المعامير. كنت حزينا وأنا أقرأ اسماء 26 منهم، وانتقل تفكيري إلى ما يعنيه الموت وفقد الأحبة لعوائلهم ومحبيهم، وكيف ستكون ردة الفعل لديهم وهم يرون الأطراف النافذة في المجتمع تحاول التستر على الكارثة ولملمتها وكأن شيئا لم يكن.

الألقاب أوقفتني أمام بعض الأسماء، فهناك ستة من عائلة واحدة: "مدن"، واثنان من عائلة "مرهون"، واثنان من عائلة "القيم"، عوائل ربما لا تمتلك شيئا من الشهرة والنفوذ، ولكنها أسر من أبناء هذا الوطن على كل حال. الجدول يفرز لنا الإصابات: 17 إصابة بالسرطان، و7 إصابات بالرئة، أكثرها ترتبط بالسرطان، وحالة اعتلال رئوي، وحالة أخرى التهاب كبد وبائي تعود إلى شهر أغسطس/ آب ،1981 والاسم يستوقفنا أكثر لأنه أحد من قضوا في معتقلات أمن الدولة. أما البقية فتتوزع ما بين 12 يناير/ كانون الثاني ،1985 وآخرها 4 نوفمبر/ تشرين الثاني .2002 وينتهي الجدول عند هذا التاريخ، لأن البيانات اعتمدت على سجلات الصندوق الخيري الذي يبدو أنه لم يحدث معلوماته، أو أن تسارع الوفيات في الفترة الأخيرة تجاوزت عملية الرصد والتسجيل. والجدول على رغم صغر حجمه، يقدم الرد الموضوعي على ما يقال من أن أرقام الإصابات عادية، وأن الأرقام غير دقيقة، وخصوصا مع محاولة وزارة الصحة نفي ما جرى والتقليل من شأنه، ضمن سياق عام استنفرت فيه أطراف "الموالاة" كل طاقتها "الإنتاجية" للتستر على الكارثة ولفلفتها.

في هذا الوقت وصلتني رسالة هاتفية بريئة من الطرف "الأضعف" في المعادلة، أنقلها بالنص من دون حذف أو تعديل، لأنها قادمة من وسط شعبي بسيط كما تدل كلماتها ومضمونها العفوي: "بينما شركات الجشع تكسب المليارات، إنسان المعامير والقرى المجاورة يموت اختناقا. أرسلها لخمسة مواطنين تكسب الأجر"! "واستجابة لهذا النداء غير المسموع أنشرها في هذا المقال لتصل إلى آلاف القراء".

عندما حادثت مرسلها تبين أنه رجل دين في منتصف العمر، من منطقة أخرى غير المعامير، أرسلها إلي بعد أن تلقاها من أحد شباب المعامير. ولكونه يتصل برجال وشباب القرية، فقد كان على علم بالكارثة منذ سنوات. يقول: "هذا الشيء الخطير الذي كشفته الصحافة حديثا، كنت ألاحظه منذ سنوات، فقد كانت القرية تشيع في صمت أحد ضحايا التلوث كل ثلاثة أو أربعة أشهر. وكنت أدخل بيوتهم فأرى لون الكبريت الأصفر مترسبا على بيوتهم بالذات في فترة الصباح، إضافة إلى الروائح المنبعثة من المصانع".

وذكر الشيخ الشاب جانبا مما يتداوله أبناء القرية، من أن نائبهم في البرلمان من النوع "الصامت"، فلا يهش ولا يكش. وإلا لو كان له لسان لرفع صوته ليعلن حالات الوفاة غير الطبيعية بالسرطان والالتهابات الرئوية والاعتلالات القلبية.

أحد أبناء القرية تحدث معي عصر أمس الأربعاء، عن جانب آخر من المشكلة، وهو الجانب الاجتماعي الذي لا يدركه "الأكاديميون" المتأنقون في مكاتبهم المكيفة بجامعة البحرين. القرية تدفع ضريبة التلوث نفسيا واجتماعيا، فأبناؤها يشعرون أن الآخرين أخذوا ينظرون إليهم كأشخاص قادمين من منطقة موبوءة. بل هناك مشكلة التفكك الأسري التي لاحت في الأفق، جراء مطالبة عوائل بعض الزوجات من مناطق أخرى بسحب بناتهم من بيوت أزواجهن خوفا عليهن من الإصابة، وخصوصا بعد الثاني والعشرين من أبريل/ نيسان الماضي، وبعضهم طالب باستئجار شقة في منطقة أخرى لابنته، كما يقول محدثي جاسم المختار، وهو بالمناسبة يعد كتابا عن تاريخ المعامير منذ سنوات.

ويعترف المختار بأنه نقل زوجته إلى منزل أبيها في سند، خوفا من الإجهاض الذي حدث لسبع سيدات في ليلة واحدة، كلهن من "الفريق الجنوبي" الذي يفصله شارع واحد عن المصنع، بينما أصرت وزارة الصحة على نفي ارتباط الإجهاض بالموضوع.

القرية الصغيرة المنكوبة التي يقطنها 8 آلاف نسمة، والتي كانت تشيع أحد الضحايا في هدوء وصمت، كل ثلاثة أو أربعة أشهر، جعلها تزايد الإصابات والوفيات والغاز الأصفر... تتسلق مانشيتات الصحف المحلية في الأسبوعين الأخيرين، بينما لايزال الاكاديميون يعيشون في صوامعهم الذهبية، فإذا غادروها فإلى إحدى الشركات الوطنية، في زيارة علاقات عامة، يقدمون فيها الدروع التذكارية تقديرا لدورها الريادي ودعمها المستمر لأنشطة وفعاليات جامعة البحرين! تقديما لصك براءة علمية، فيما يتم تلبيس التهم في أعناق قناديل البحر المتوحشة في بحر المعامير! هل عرفتم سر تلك المرافعة "العلمية" الحامية؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 972 - الأربعاء 04 مايو 2005م الموافق 25 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً