أستعير عنوان المقال من كلمة للروائي الألماني الحائز جائزة نوبل للآداب «غونتر غراس»، ومناسبتها هو الحديث عن تقنين الكلام الذي عرفه العالم العربي في الحدود التي لا يروق للسلطة أن تطلق عقاله، فيما هو مباح ومسكوت عنه حين يتعلق الأمر بأجهزة الدعاية والإعلام الرسمي!... الأمر الذي أضاف إلى الصناعة خطا آخر للإنتاج أسميته «صناعة إنتاج الثرثرة» .
ذات يوم كتب الباحث في العلاقات الدوليـــة بجامعــة متشيجــان، روجــر ستيفنســـون، كتب في صحيفــة
الـ New York Times: «ما يجعل الإعلام صناعة متحركة هو قدرته على خلق الحقائق ودحضها في آن معا، صناعتها من حيث ملاحقتها أو خلقها وفي الوقت ذاته امتلاكه امكانات مذهلة لدحضها ونفيها، إلا انه لابد للحقيقة في نهاية الأمر أن تكون سيدة تلك اللعبة القذرة». و يضيف «إلا انه هنا في الولايات المتحدة الأميركية، من الصعوبة بمكان المراهنة على مثل هذا التوصيف، لأن الإعلام وصل إلى درجة من الوقاحة والكذب بحيث استطاع أن يقنع المواطن الأميركي بأنه قادر على تصحيح أخطاء العالم... وأستعير الكلمة الأخيرة من توصيف أطلقه البروفيسور ادوارد سعيد في كتابه الأهم الاستشراق».
لقد وصل الإسفاف والتنطع بالأجهزة الإعلامية في العالم إلى درجة تبعث على الشفقة، ولشدة تنطعه، وصل به الأمر إلى أن يتصدى لمهمات وأدوار ليست من طبيعته أو اختصاصه، وإلا ما الذي يفسر أن تتصدى أجهزة الإعلام في روسيا إبان رئاسة بوريس يلتسين إلى القاء أكثر من 10000 سمكة في بحيرة أوكشي الروسية في يوليو/ تموز 1997 وذلك حين ذهب الرئيس إلى مزاولة هواية الصيد؟. المهمة قام بها فريق من جهاز الإعلام الرئاسي إضافة إلى فريق بحث من جهاز الاستخبارات الروسي !.
أعلم انه لايوجد اعلام من دون عقال!... حتى في الولايات المتحدة نفسها، إذ تسود معادلة السماح بالتعبير و حجب مساحة التفكير كما يشير نعوم تشومسكي في كتابه الإرهاب الدولي، وقيام ما يعرف بـ «صناعة هندسة الموافقة» الذي بزغ نجمه في مطلع ثلاثينات القرن الماضي.
في العالم العربي الصورة مفزعة، خلفت وراءها أجيالا من المحاكين والمعقدين والذين باتوا يتحدثون مع أنفسهم في الزحام والضجيج إذ لا أحد يكترث بأحد!! وأجلى صور هذه المكنة السمجة والمتحاذقة في الوقت نفسه ما أشار إليه روبرت فيسك في مقالته في «الاندبندنت» بتاريخ 20 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي والمنشورة ترجمتها في «الوسط» تحت عنوان «وحصل صدام حسين على 100 » حين أشار إلى أنها «أم الانتخابات» في تندر واضح على «أم المعارك» ! .
في ظل واقع معتم كهذا، يجب على المواطن العربي أن يغلق فمه!
العدد 97 - الأربعاء 11 ديسمبر 2002م الموافق 06 شوال 1423هـ