سألني زميل كاتب وصحافي في "الوسط" عما إذا كان يمكنني الالتزام بكتابة مقال أسبوعي. في الحال عبرت عن ترددي، لا خوفي، استحضرت له كل الأسباب التي طالما كررتها على نفسي وعلى مسامع الآخرين: لا أحبذ التكرار، القلم مسئولية. نشاطات المجتمع محدودة وعلاقاته وحتى محيطه الجغرافي. هناك كثر من الكتاب المحترفين والكتابة ليست مهنتي، لدي مشاغلي الوظيفية واهتماماتي الأخرى، أفضل التعامل مع الكتابة بنمط من علاقة أحتفظ فيها بمسافة ولو قصيرة لكي تحميني من تقلباتها وأوجاعها والتوتر المصاحب لها. لست بحاجة لكسب مادي إضافي، ومبررات لن يعوزني الوقت للاسترسال فيها. مصادفة في اليوم نفسه التقيت بزميلة لي شاركتني حضور فعاليات المؤتمر السنوي الذي عقد يوم الثلثاء 19 أبريل/ نيسان الجاري لجمعية نهضة فتاة البحرين. الزميلة تدير باحتراف أحد المواقع الالكترونية المتعلقة بالمرأة وشئونها، والموقع له صيت في البلاد وخارجها. اعترضتني قائلة بتودد وابتسامة: أرغب في الحصول منك على وعد. أومأت لها بإشارة من رأسي "بالموافقة" إن كنت أستطيع ذلك. قالت: زوديني على الأقل بمقالين شهريا أنشرهما على موقعنا الالكتروني. قلت: هاأنذا أبعث لك أولا بأول غالبية المقالات المنشورة لي في الصحافة المحلية، وهي بين يديك تصرفي بها كما شئت ولكن بأمانة. قالت: لا، لا، أريد موضوعات جديدة تكتب خصيصا لموقعنا. بيني وبين نفسي سألت: مقابل ماذا، ما العرض؟ فالجميع يتوقع أن الكتاب يمارسون الكتابة بالمجان، وبيني وبينها كان سؤال آخر مكشوف: ما الغاية؟ قالت: أن تبرزي أنت وزميلاتك واقع المرأة ودورها في المجتمع، وأن تتحدثن بإسهاب عن واقع جمعيتكن وعملكن التطوعي الدؤوب منذ سنين، أنتن كمؤسسة معروفات وغير معروفات وتاريخكن العريق إلى الآن لم يكتب أو يتم تدوينه. ابتسمت قائلة: أعتقد أنني كتبت ما يكفي من سلسلة مقالات تعالج هذا النمط من الموضوعات. على الكاتب احترام فطنة القارئ وتقديم الجديد والممتع له، وأن يسأل نفسه باستمرار: ما الذي أضيف؟ وأسهبت: ثم أن لي آراء قد يجدها البعض حادة ولا تمثل السقف الذي يستظلون به، بصراحة حتى بين عضوات الجمعية التي أنتمي لها، لهذا لا أستطيع تذييل مقالاتي باسم الجمعية كما ترغبين وتتأملين!

من قاعة "عزيزة البسام" التي عقد فيها المؤتمر، تركتها وتفكيري يصول ويجول، قاطعة وعدا على نفسي أن أكاتبها على الأقل بشأن انطباعاتي عما دار في المؤتمر الذي غابت عنه الصحافة لأسباب لا نعلمها؟ وتساءلت: من أين أبدأ؟ هل من تعميم خبر فوز عضوات مجلس الإدارة اللواتي ترشحن "بالتزكية"، وهن ذاتهن اللواتي شغلن مجلس الإدارة السابق وأعيد تزكيتهن - أي الوجوه السابقة نفسها - ما عدا وجهين تغيرا؟ هل أنوه للقارئ بأنه لم تكن هناك منافسة بين العضوات على شغل منصبي الاحتياط؟ طيب وماذا عن الحوارات التي تمت بشأن تقارير اللجان المرفقة بتقرير مجلس الإدارة المفصل بإسهاب والتي كما اعتدنا لم تغفل فيه لا شاردة ولا واردة من أسماء الشخوص اللواتي حضرن الدورات التدريبية ومثلن الجمعية في الاحتفالات وعن من كتبت التقارير وتم تكريمها، أقول هل أكتب عن كل نشاط تم الإيفاء بحقه تدوينا بالتمام والكمال، كل ذلك للتاريخ، وحتى لا "تزعل" إحداهن أو "تبرطم". هل هذا هو التأريخ غير المدون الذي قصدته زميلتي؟ وماذا عن الظاهرة المستحدثة على الطريقة الرسمية: "ظاهرة التكريم"، التي بدأت منذ احتفالات الجمعية بمناسبة مرور خمسين عاما، وأثارت ولايزال الجدل واللغط بشأنها، وبصراحة حتى "زعل" البعض من طريقة الإعداد لها، وأصيبت عضوات مجلس الإدارة بسببها بالحيرة لمعالجة الوضع المتأزم، وإعادة تكريم الأسماء التي سقطت سهوا هنا وهناك، والتعويض عنها بتكريمات أخرى لكسب رضا الجميع. نستذكر هنا المثل الشعبي القائل: "رضا الناس غاية لا تدرك"؟

حتما من المهم، لا بل الأجدى، التذكير بإطروحات بعض عضوات النهضة، التي عبرن عنها بحسن نية: "انه لا يجوز انتقاد نشاط عضوات مجلس الإدارة "القيادة" إلا من قبل أولئك اللواتي نزلن إلى الميدان والتصقن بالجماهير وقدمن المقترحات وخططن للبرامج ونفذنها، والأهم من هذا وذاك كن موجودات وحاضرات دائما أثناء اللقاءات الأسبوعية التي تجمع عضوات الجمعية العمومية بعضوات مجلس الإدارة...الخ"، لا ريب إنه وبحسب هذا المنطق هو الأسلوب الأمثل للتأهل إلى قيادة العمل الأهلي والتربع على كراسي العروش. هل يقف الكل عند مبادئ أخرى تبحث في أهداف العمل التطوعي وغاياته؟ وهل يراجعن مبدأ الكفاءة والنوعية والقناعات والخطوط الحمراء التي نطالب الآخرين بها؟ كنت أتساءل عن قيمة ما تعلمه الجميع من لوازم العمل السياسي والأكاديمي والمهني ومنها: "التقويم" و"التقييم" و"النقد والنقد الذاتي". طبعا لن يختلف معي أحد بشأن أهمية الكتابة بإسهاب عن هكذا أمور، وهي مهمة بلا أدنى شك أو ريبة، وتمثل صمام أمان لاستمرار بقاء المؤسسة الأهلية بكامل عافيتها البدنية والعقلية، أليس كذلك؟ إحدى المخضرمات أثارت ما هو جدير بالتداول في ساحة الآراء، واقترحت وجوب أن تتوافر عضوات مجلس الإدارة على رؤية استشرافية للمستقبل فما مضى قد مضى والعبرة في المستقبل؟ كيف لا والتخبط واضح حتى في تحديد تخوم العلاقة ما بين الجهات الرسمية والمؤسسات الأهلية مثال الجدل عن: "ازدواجية تمثيل عضو من اللجنة التحضيرية للاتحاد النسائي البحريني، بعضوية المجلس الأعلى للمرأة"، ذلك ما يصنف تحت شعار "الشراكة" الذي بدأ يتضخم شكلا لا مضمونا. السؤال الدقيق الذي لم يكن للمؤتمرات وقت للإجابة عليه، إذ كان بعضهن في عجلة من أمرهن وخوفا من انسحاب العضوات العاملات حيث لا يعود النصاب مكتملا كما كان في بدء المؤتمر. السؤال: هل الرؤية والغايات بشأن علاقة ما يعرف بـ "الشراكة" مع الطرف الرسمي واضحة؟ ومتفق عليها "بالتراضي" لا "بالغصب" وفرض الأمر الواقع؟ لاسيما وإن أي اختلال في نمطية هذه العلاقة ومن دون أسس مبدئية قائمة على مصالح ما يمثله كلا الطرفين، سيؤدي إلى ضياع تاريخ وهوية أية مؤسسة أهلية وليس فقط "النهضة". إذا، الكتابة في هذا الشأن مهم، والأسئلة القلقة تضع العمل الأهلي برمته على المحك والميزان، لا بل في مواجهة تحد كبير، لا ندري إن كان واضحا أمره للجميع وبالدرجة ذاتها أم لا؟ نتمنى ذلك من عميق عقلنا وقلبنا.

من المثير الذي سأكتب عنه لزميلتي سؤال آخر عن موقف إحدى العضوات القديمات التي اعتذرت عن قبول "تكريمها". لماذا يتعفف البعض ويرفض التكريم؟ أهو التواضع؟ أم هضم الذات وبخسها لحقها؟ أهو الخجل؟ فعلا نحن بحاجة لاقتحام النفوس البشرية برضا، كي نتعرف وندرك مشاعرها وكيفية تفكيرها؟ حتما سنكتشف ان لا أحد يفكر بصورة اعتباطية، إذ لكل منا اعتباراته ومبرراته الواجب احترامها وتقديرها! هل أكتب عن حجم التبرعات التمويلية المقدمة من عائلة "عائشة يتيم" للمشروعات التي تخدم الأسرة البحرينية وتساند العمل النسائي التطوعي من دون تضخيم أو تهويل؟ هل نتحدث عن تواضع العائلة والثقة التي منحتها "للنهضة" كي تنفذ وتشرف على تشغيل مشروع مركز النهضة الأسري؟ هنا يجب التوقف طويلا ومجابهة النفس والإجابة على الآتي: كيف ولماذا اكتسبت "النهضة" هذه الثقة؟ هل هي قادرة على الاستمرار في استحقاق هذه الجدارة والثقة؟

ختاما، سأنحو جانبا، وأترك أمر الإجابة للقارئ عن الأسئلة الكثيرة التي أثرتها، لأنني لو فعلت لربما نلت سخط البعض، أو ربما تعزز شعور بعضهن بالغبن لأنهن عملن كالآلات بهدف تنفيذ برامج اقترحنها وخططن لها ووضعنها على أولوية أجندتهن، ونفذنها، ولكن هل الجميع، والجميع يعني هنا الجميع، قد تمثلنها واقتنعن بها كي يقمن بالتنفيذ؟ أم أن بعضهن سايرن الحال صمتا من أجل تدوير الترس في الآلة ثانية ولكي تسير الأمور بهدوء، على رغم وعي الجميع بأسباب الإصابة بالخلل والإنهاك والإحساس أحيانا بالتعاسة حتى في عز لحظات الإنجاز ونيل الاستحقاقات. أمر أخير محير: لماذا حرص البعض على ضرورة كتابة أسماء الجميع وتفصيل ما قمن به في التقارير الأهلية الموازية؟ هل الهدف نشر الأسماء أم نشر الحقائق ومقارعتها بما تقدمه الجهات الرسمية للمحافل، والكشف عن مواضع الاختلالات والتمييز الواقع على النساء البحرينيات. أكتفي بهذا القدر من الأسئلة التي أثقلت بحملها في جعبتي بعد انتهاء مؤتمر "النهضة" السنوي، وهو بحق مؤتمر ناجح، حكمته أعراف ديمقراطية، وعمه جدل وحوارات مسئولة هادئة، وأخرى نارية وقابعة تحت الرماد، كما غابت عن حضوره الكثيرات أما لظروف طارئة أو خاصة بهن. وليس لنا إلا خلاصة قول نبارك فيه إلى عضوات مجلس الإدارة السابق/الحالي على حمل مسئولية عام مقبل على أكتافهن، فضلا عن آفاق ورؤية يسودها كما يبدو التفاؤل والنشاط، وبهذا أكون أوفيت بوعدي وأنهيت كتابة المقال لزميلتي. بالتأكيد سأرسله لها بعد نشره هنا في "الوسط"