العدد 961 - السبت 23 أبريل 2005م الموافق 14 ربيع الاول 1426هـ

الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي معا ضد البرنامج النووي الإيراني

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

انعكست نتائج زيارة المصالحة التي قام بها الرئيس الأميركي جورج بوش إلى أوروبا في نهاية فبراير/ شباط الماضي، على موقف الأوروبيين حيال النزاع النووي مع إيران. وأدت المباحثات التي أجراها بوش مع قادة ورؤساء حكومات الاتحاد الأوروبي في بروكسل ومع المستشار الألماني غيرهارد شرودر في مدينة ماينتس إلى وضع الخلاف بشأن التعامل مع إيران جانبا والعمل قدر الإمكان في تحقيق تقارب لموقف أوروبا مع موقف واشنطن حيال هذا النزاع. واضطر بوش للتنازل لرغبة الأوروبيين في تأييد المفاوضات التي تجريها ثلاث دول أوروبية نيابة عن الاتحاد الأوروبي مع إيران هي بريطانيا وفرنسا وألمانيا على رغم أن واشنطن تراقب هذه المفاوضات من بعيد.

ورفضت الولايات المتحدة الانضمام لهذه المفاوضات حين حاول الأوروبيون إقناعها بأن انضمامها للمفاوضات يعزز الجبهة الغربية ويزيد الضغط على إيران. كما تنازل الأوروبيون لواشنطن بقبولهم دعوتها نقل النزاع إلى مجلس الأمن الدولي إذا فشلت المفاوضات. غير أنه لا خلاف بين الحلفاء على ضفتي المحيط الأطلسي بشأن ضرورة منع إيران من الحصول على القنبلة النووية.

بدأت المفاوضات بين الترويكا الأوروبي وإيران في صيف العام 2003 غير أن الجانب الأوروبي لم يشر حتى اليوم إلى تحقق نجاح في هذه المفاوضات. بل على العكس تهدد إيران بين فينة وأخرى بالانسحاب من المفاوضات. برأيها أنها دولة مستقلة تملك الحق باستخدام برنامج نووي من صنع محلي أي تعتمد فيه على علماء إيرانيين ومادة اليورانيوم التي يجرى إنتاجها. لكن على رغم تأكيدات إيران أن برنامجها يرمي لخدمة أغراض مدنية "سلمية مثل زيادة حجم الطاقة التي تحتاجها مدنها وقراها الكبيرة فإنها لا تجد من يصدقها في الغرب الذي يعتقد أن إيران لن تتأخر لحظة واحدة لو حصلت على الفرصة المناسبة لإنتاج القنبلة النووية. وأيد الأوروبيون مطلب واشنطن بنقل النزاع إلى مجلس الأمن الدولي فور توافر معلومات تشير إلى خرق إيران المعاهدة الدولية للحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل.

وساعد موقف أوروبا المعارض لشن حملة عسكرية على إيران واللجوء مبكرا إلى مجلس الأمن الدولي في تراجع واشنطن عن التفكير بمغامرة جديدة في منطقة الخليج. وقال المستشار الألماني شرودر الذي عارض حرب العراق العام 2003 أنه لا يؤيد فكرة إشعال حرب جديدة في المنطقة. وكشف بذلك عن رفضه لمغامرة عسكرية ضد إيران التي تربطها علاقات سياسية واقتصادية قديمة مع ألمانيا. وحين زار شرودر منطقة الخليج في الفترة بين نهاية فبراير ومطلع مارس/ آذار طلب من حكام المنطقة السعي لإقناع القيادة الإيرانية بضرورة التراجع عن طموحاتها النووية. كما اصطدمت رغبة واشنطن برفض الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا السير في ركابها وتقديم تقرير إلى الأمم المتحدة يطلب نقل النزاع إلى مجلس الأمن الدولي.

وليس سرا أنه منذ ذلك الوقت أصبحت واشنطن ترغب في إزاحة مدير الوكالة الدولية الدبلوماسي المصري محمد البرادعي عن منصبه وتعارض إعادة انتخابه. ويتحدث الدبلوماسيون عما يشبه هدنة سياسية وافق عليها الرئيس الأميركي الذي قبل على مضض تهدئة النزاع مع إيران وقبوله الحجج التي قدمها له الأوروبيون كي يتجنب مواجهة جديدة مع فرنسا وألمانيا وإسبانيا على وجه الخصوص. ويعتقد المراقبون أن الضغط الذي تواجهه الولايات المتحدة في العراق ساعد في أن يغير بوش موقفه مؤقتا.

وراء الكواليس ما زالت "إسرائيل" تلعب الدور الخفي لإقناع بوش باستخدام القوة العسكرية ضد إيران. وكشف رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون في مقابلة نشرتها صحيفة "فرانكفورتر ألجماينه" في الشهر الماضي أن إيران تريد الحصول على القنبلة النووية مهما كلفها ذلك ولو تركها المجتمع الدولي تستمر في مخططها فإنها ستنجح بذلك في المستقبل القريب. وكانت وسائل إعلام أوروبية ذكرت في نهاية العام الماضي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي كلف الاستخبارات الإسرائيلية "موساد" في وضع خطة لتدمير المنشآت النووية الإيرانية. ويعتقد وزير الدفاع الألماني السابق فولكر روهي والذي يرأس اليوم لجنة العلاقات الخارجية التابعة للبرلمان الألماني "بوندستاغ"، أنه ليس بوسع "إسرائيل" الانفراد بعمل عسكري لتعطيل البرنامج النووي الإيراني من دون الحصول مسبقا على موافقة واشنطن.

وتعارض "إسرائيل" المفاوضات الجارية بين الأوروبيين وإيران مشيرة إلى أن إيران تستغلها لكسب الوقت فيما تشرع في برنامجها. غير أن إيران نفت مزاعم "إسرائيل" وكررت طلبها أن يعلن الاتحاد الأوروبي النتائج الإيجابية التي تم التوصل إليها عبر المفاوضات لكن أوروبا ترفض قبل أن يتم التوصل لحل نهائي يقضي بالحصول على ضمانات من إيران بأنها لن تستخدم برنامجها النووي في إنتاج أسلحة الدمار الشامل.

هدف المفاوضات بين الترويكا الأوروبي وإيران أن يجرى وقف كل النشاطات الرامية لتخصيب اليورانيوم. وحين زار وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا طهران في أكتوبر/ تشرين الأول 2003 وافقت القيادة الإيرانية أن يجرى مؤقتا وقف العمل بتخصيب اليورانيوم كإجراء لبناء الثقة والإعراب عن حسن النوايا. كما وافقت القيادة الإيرانية على التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وأزعج البرادعي واشنطن مرة أخرى حين أبلغ مجلة "دير شبيغل" في الشهر الماضي أنه ليس هناك دلائل تشير إلى عزم إيران استخدام برنامجها لإنتاج القنبلة النووية. يظهر اختلاف موقف إيران عن موقف الاتحاد الأوروبي وواشنطن حين تجري الإشارة إلى أنه حين وقعت إيران في عهد الشاه رضا بهلوي في العام 1968 على المعاهدة الدولية للحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل، التي ترفض "إسرائيل" توقيعها حتى اليوم، فإن شروط المعاهدة لم تشر إلى امتناع الدول الموقعة إلى الأبد عن الاستفادة من التقنية النووية لخدمة أغراض مدنية، في رسالة وقع عليها وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا وجهوها إلى رئيس وزراء دوقية لوكسمبورغ، "يونكر"، الذي ترأس بلاده الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي، أشاروا فيها إلى عدم حصول تقدم في موقف كل طرف بشأن هذه النقاط الصعبة بالذات لكن وزراء الترويكا أعربوا عن استعدادهم للمضي في المفاوضات.

تجرى المفاوضات بين الترويكا الأوروبي وإيران عبر ثلاث لجان عمل. الأولى تحت إشراف فرنسا ومهمتها مناقشة مسائل النووي الإيراني، إذ يدور النقاش في هذه اللجنة حول تأكيدات إيران بأن برنامجها مخصص لخدمة أغراض مدنية. بينما يحاول الجانب الأوروبي دفعها لوقف نشاطاتها النووية وتزويدها بمفاعل المياه الخفيفة كي تستعيض به عن مفاعل المياه الثقيلة الذي يؤدي لإنتاج البلوتونيوم.

كما أن أوروبا مستعدة لمساعدة إيران وتزويدها بتقنية حديثة شرط أن يجرى وقف برنامجها النووي. تشرف ألمانيا على لجنة العمل الثانية التي تعنى بمسائل السياسة والأمن يجرى فيها مناقشة القضايا المشتركة مثل مكافحة الإرهاب ودعم دور إيران في تحقيق الأمن وبناء الثقة في الشرق الأوسط والخليج. وتناقش لجنة العمل الثالثة تحت إشراف بريطانيا قضايا تعميق العلاقات الاقتصادية بين إيران وأوروبا وكيفية تشجيع الاستثمارات الأجنبية في مجالات النفط والغاز وتوفير التكنولوجية العصرية لهذا البلد. على رغم عدم توقع أحد نجاح لجان العمل الثلاث التي تجتمع مرة في الشهر في جنيف، أن تخرج بنتائج كبيرة إلا أن أطراف الترويكا الأوروبي مصممة على مواصلة الحوار مع إيران لهدف التوصل إلى حل دبلوماسي للنزاع القائم معها. وهدد كل جانب بوقف المفاوضات لكن كل منهما كان يكتشف حتمية الاستمرار بها لأن البديل ليس أفضل.

في رسالة الترويكا الأوروبي عبارة تقول: يجمعنا مع الولايات المتحدة موقفنا المشترك بأنه لا يمكن السماح لإيران العمل بإنتاج أسلحة الدمار الشامل. وفي حال رفضت القيادة في طهران عرض التعاون الذي طرحناه عليها فإنه ليس أمامنا خيار آخر غير نقل النزاع إلى مجلس الأمن الدولي. وهذا أسوأ الأمور بالنسبة لكل الأطراف باستثناء "إسرائيل"

العدد 961 - السبت 23 أبريل 2005م الموافق 14 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً