العدد 96 - الثلثاء 10 ديسمبر 2002م الموافق 05 شوال 1423هـ

التجنيس... بين الوثيقة والولاء

تمام أبو صافي comments [at] alwasatnews.com

أسوأ ما في موضوع التجنيس برمته هو التوقيت، فالنقاش الدائر منذ وقت ليس بالقصير في البحرين اصبح يأخذ طابعا سلبيا الى ابعد الحدود ويأخذ اصحابه ايضا نحو آفاق غير مستحبة. فهل أهل البحرين انعزاليون وليست لديهم مشاعر قومية عندما يعترضون على تجنيس الآخرين؟

اهل البحرين ليسوا انعزاليين بالتأكيد وفي تاريخهم ومواقفهم ما يثبت عمق الشعور الانساني والاسلامي والقومي المتأصل لديهم، لكن المشكلة هي في التوقيت والظروف التي تتم فيها عملية التجنيس في البحرين.

يجب علينا في البداية ان نعرف من هم البدون ومن هم الذين استفادوا من خطوة التجنيس. البدون هم في غالبيتهم بحرينيون ولدوا على هذه الأرض لكنهم لم يحملوا الجنسية نتيجة تعقيدات قوانين الهجرة في العقود الماضية. إن غالبية هؤلاء يتحدرون من اصل ايراني، لكن تعقيدات قوانين الهجرة امتدت لتطال أيضا فئات أخرى من السكان. وجاءت اضطرابات الثمانينات التي شارك بها جزء من هؤلاء مع انتصار الثورة الاسلامية الإيرانية ليضفي على وضعهم المزيد من التعقيد، فحتى أولئك الذين لم يعرفوا طريق المنفى في الثمانينات، بقيت أوضاعهم معلقة في البحرين حيث اصبح ملف تجنيسهم محاطا بالحساسيات.

في الأوضاع الطبيعية، كان عدد من العرب الذين عاشوا في البحرين وعملوا فيها لسنوات طويلة وخدموا في مجالات عدة يحصلون على الجنسية لكن هذه كانت حالات فردية ولم تكن ضمن توجه عام. غالبية هؤلاء كانوا من المدرسين العرب وخصوصا الفلسطينيين بالإضافة الى أولئك الذين عملوا في الجيش والشرطة مثل اليمنيين والأردنيين. هناك حالات اخرى لعرب كانوا يعيشون في البحرين منذ فترة طويلة ويعملون في ميدان الأعمال الحرة او في التجارة او في مؤسسات اقتصادية كبيرة. كما ان التجنيس امتد ايضا ليشمل هنودا وباكستانيين وغيرهم ممن عاشوا فترة طويلة في البلد ويديرون اعمالا تجارية ناجحة.

وهناك الكثير من المعلمين الذين ينظرون الى البحرين كوطن دائم لهم ولم يفكروا للحظه بالعودة الى الوطن الاصلي بل على العكس اصبحوا غرباء عن ذلك البلد الاصلي مهما بلغت الحساسية عند التحدث عنه،ولا نستطيع ان ننكر اسهامهم الكبير في نهضة البحرين التي نشهدها اليوم على المستوى الفكري والتعليمي.

ان عمليات تجنيس هؤلاء لا يمكن ان تثير أي ضجة، وحسب قانون الجنسية، فان العربي يمكن ان يمنح جنسية اذا عاش في البحرين لمدة 15 عاما وللاجنبي اذا عاش 20 عاما. لم يكن تجنيس هؤلاء ليثير أي اعتراض لدى اهل البحرين وهذا هو الوضع الطبيعي الذي يجب ان تسير عليه عملية التجنيس.

لكن المشكلة هي ان عملية التجنيس التي أخذت تتسارع منذ حوالي عامين، ارتبطت في جانب آخر بشكوك لدى الشارع البحريني في ان الحكومة تعمد الى تجنيس عرب من العاملين في السلك العسكري سعيا لتعديل الوضع الطائفي في البلد. اذ ان معظم هؤلاء العرب الذين تم تجنيسهم من هذه الفئة، عرب من بوادي سوريا او الاردن، كما ان توقيت عملية تجنيسهم تزامن ايضا مع الأحداث التي شهدتها البحرين في النصف الثاني من التسعينات والتي كان قطاع من الشعب البحريني طرفا أساسيا فيها. كما ان مسلكيات بعض هؤلاء اثارت العديد من الانتقادات داخل أوساط البحرينيين، إذ بدت هذه المسلكيات غريبة جدا عن طباع اهل البلد ونظر إليها الكثيرون باعتبارها تمثل تهديدا لعادات وتقاليد اهل البحرين وثقافتهم ايضا.

انني كعربية اعيش في البحرين منذ اكثر من سبع سنوات، يمكنني ان اتفهم مثل هذه المشاعر والشكوك لان المسألة لا تتعلق بالنيات او بالمشاعر القومية لدى البحرينيين حكومة وشعبا، بل تتعلق بتوقيتها والظرف الذي تمت فيه. لكنني أيضا أجد نفسي مدفوعة لمصارحة اصدقائي البحرينيين من ان يجرهم مثل هذا النقاش الدائر الان الى ان يفقدوا مشاعرهم القومية والانسانية ويقعوا في دائرة الانعزال والشوفينية.

كما ان لموضوع التجنيس بعدا آخر يجب ان يعيه الجميع. ثمة فارق بين التجنيس وبين الولاء. فالتجنيس وامتلاك جواز سفر واوراق رسمية ليس مقياسا للولاء، فالولاء ممارسة عملية يومية ومشاعر يجب ان تكون متأصلة. والمؤسف هنا ان بعض الاخوان العرب من الذين تم تجنيسهم وحتى بعض البحرينيين المتحدرين من اصل إيراني، اظهروا من الممارسات والسلوكيات ما يجعلنا نؤكد ان التجنيس شيء والولاء شيء آخر.

حتى مفهوم الهوية بات يتشكل من انتماءات متعددة يصعب تحديدها بين ابناء الوطن الواحد دون الذهاب بعيدا والتحدث عن من جاؤا من اوطان اخرى.

ان المقياس الأهم في موضوع التجنيس هو الولاء بالتأكيد، لكن من الناحية لاخرى يبقى التوقيت في عملية التجنيس. السؤال الان: هل نحتاج نحن الى الاسراع في عملية التجنيس؟ لماذا كل هذه السرعة في تجنيس الآخرين؟ اذا كان التجنيس في الاوضاع الطبيعية ووفقا للقانون لا يثير كل هذه الضجة ولا يجعلنا نتخلى عن مشاعرنا، فلماذا لا يكون الحل هو ممارسة عمليات التجنيس حسب الاطر القانونية الطبيعية وفقا لما ينص عليه القانون. ان برلمان البحرين سيبدأ اعماله بعد ايام معدودة، فلماذا لا يترك هذا الملف للمجلس ولنواب الشعب دون حاجة للعجلة ولاثارة الحساسيات ولدفع البحرينيين اصحاب المشاعر القومية والانسانية المتأصلة الى ان يظهروا امام العالم وكأنهم قد تخلوا عن هذه المشاعر التي ميزتهم منذ عصور سحيقة؟

العدد 96 - الثلثاء 10 ديسمبر 2002م الموافق 05 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً