العدد 959 - الخميس 21 أبريل 2005م الموافق 12 ربيع الاول 1426هـ

أميركا هي مشكلة العالم الأولى

محمد حسين فضل الله:

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

وجه السيدمحمد حسين فضل الله، الاتهام إلى الإدارة الأميركية بأنها المسئولة عن إعاقة التنمية الاقتصادية والثقافية والسياسية ومنع عملية النهوض الشاملة في المنطقة. وأكد أن المجتمعات العربية والإسلامية تدفع أثمان النهب المتواصل لخيراتها وثرواتها، وأن أميركا هي فعلا "مشكلة العالم الأولى"، مشيرا إلى مسئولية الأنظمة العربية أيضا حيال الوضع الذي وصل إليه العالم العربي. جاء ذلك في إجابته على سؤال في ندوته الاسبوعية عن المفهوم الإسلامي للتنمية؛ وفيما يأتي التفصيل:

التنمية في الأساس هي فعل ثقافي قبل أن تكون تجليا اقتصاديا أو ماديا، وقبل أن تنطلق كحركة سياسية، وكلما كانت الثقافة حيوية أكثر وغير محاصرة بقيود وأغلال التخلف، وكلما كانت منفتحة أكثر قادت إلى تنمية متوازنة وسليمة على مختلف الصعد. ولهذا عندما نفتش عن أسباب تراجع التنمية علينا أن ندقق كثيرا لنتوقف عند العامل الثقافي، لأنه بقدر ما نستطيع أن ننجح في تنقية الثقافة من الشوائب الفكرية والتعقيدات العصبية وتراكمات التخلف بقدر ما ينعكس ذلك إيجابا على التنمية، وبقدر ما نفعل الثقافة ونحركها ونربي الأمة ونحصنها بالثقافة الإسلامية الجامعة والمنفتحة والمتوازنة بقدر ما نحصل على نتائج حاسمة في تنمية متصاعدة.

إن المطلوب من الثقافة المساهمة في التنمية ألا تضع قيودا على الحركة الإنسانية والاقتصادية، سواء في الجانب التجاري أو الزراعي، أو في نطاق استخدام أوسع للمكننة الزراعية والصناعية، وهنا تلعب السلطة السياسية دورا بارزا في إنجاح هذه العملية أو فشلها من خلال إحساسها بالمسئولية الكبرى في صيانة استقرار المجتمع، ومن هنا يجب على شعوبنا أن تفكر دائما في اختيار القيادة الصالحة ومراقبتها ومحاسبتها، لأن القيادة الفاسدة تورث فقرا اقتصاديا وعلميا وثقافيا.

شعوبنا تدفع الثمن

ولعل المشكلة التي لاتزال شعوبنا تدفع أثمانها الباهظة تتمثل في صمتها حيال السلطة التي ركزها المستكبر في بلادنا فعملت على توجيه دفة الاقتصاد والسياسة في نطاق ما يريده هذا المستكبر، أميركيا أم غير أميركي، ثم تحركت في إطار تهجير أصحاب العقول ونفي المبدعين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، باعتبار أن الحاكم عندنا يخاف أكثر ما يخاف من الذين يملكون الطاقات الإبداعية المنتجة، ولذلك كان فساد السلطة في عالمنا هو أحد أبرز العوائق التي اعترضت العملية التنموية... واحترامنا لمستقبل أوطاننا وأجيالنا يجب أن يقودنا إلى احترام العقول المبدعة وتوفير كل الإمكانات لها، ومن هذه الزاوية نعتبر أن ثمة واحدة من الخطايا الكبرى التي ساهمت في سرقة الحوافز التنموية الأساسية في مجتمعاتنا انطلقت من سياسة تهجير العقول والأدمغة أو تمهيد السبيل أمامها للنزوح.

والخطوة الأساس في أي عملية تنموية هي العمل على صناعة الإنسان ثقافيا وتربويا، ليمكننا أن نؤسس لبيئة علمية تنموية رائدة، لأن الإنسان هو صانع التغيير نحو الأفضل، وهو صانع الحياة بكل تجلياتها وإبداعاتها العلمية والاقتصادية والفكرية من خلال ما وفرته الإرادة الإلهية له، ومن هنا ركز الإسلام على عمارة الأرض كما في عهد الإمام علي "ع" لمالك الأشتر: "وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج". كما أن الإسلام بكله يمثل دعوة مستمرة للتنمية والسمو بالحياة: "يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم" "الأنفال: 24". إننا ونحن نثير مسألة التنمية والموقف الإسلامي منها، علينا أن ننتبه إلى اللصوص الدوليين الذين عملوا ويعملون على سرقة ونهب ثرواتنا ليمنعوننا من بناء مجتمعاتنا والنهوض عملية التنمية الشاملة، وفي طليعة هؤلاء اللص الأميركي المتمثل بالإدارات المتعاقبة وخصوصا إدارة بوش بكل الرموز المتوحشة فيها المسئولة عن سفك دماء عشرات الآلاف من المسلمين العرب من أفغانستان إلى العراق وفلسطين، والمسئولة عن مصادرة الثروات العربية النفطية وغيرها لحساب شركاتها الاحتكارية التي يعمل فيها أكثر من مسئول أميركي تحت عنوان استشاري. وهم الذين عملوا على مصادرة كل إمكانات التنمية الحقيقية في مجتمعاتنا من خلال رعايتهم للأنظمة الفاسدة التي حاربت الإبداع والتغيير من خلال تركيبتها الأمنية وصلاحيات الاستخبارات فيها على حساب طموحات الأمة وآمالها، وكذا من خلال مصادرتهم المباشرة لثرواتنا ومصادر الطاقة في العالم العربي والإسلامي، وهي التي يمكن أن تؤهل الأمة لتكون رائدة بدلا من أن تعيش الأكثرية الساحقة منها تحت خطر الفقر بما يجعلها فريسة سهلة للجهل والتخلف.

إن كثيرا مما ينعم به العالم المستكبر إنما ينطلق من هذا النهب المتواصل لخيراتنا، ونحن لا نخرج حروب أميركا ودسائسها السياسية والاستخبارية عن هذه القاعدة وخصوصا حربها على العراق، فالدراسات التي تؤكد أن الدخل الأميركي سيرتفع بمعدل 500 مليار دولار سنويا لا يمكنها أن تصرف الأنظار عما تنهبه أميركا من خلال سيطرتها على التجارة العالمية واستخدام شعار العولمة للهيمنة على حركة التجارة وحركة الأسواق، ومن ثم استخدامها الهراوة العسكرية والأمنية في مواجهة كل الذين يفكرون بالتصدي لذلك وإمعانها في السيطرة المباشرة على حقول النفط في المنطقة ومن ثم على أسواقها الاستهلاكية.

الأموال الشرعية وملاعق الذهب

إن أميركا هي فعلا "مشكلة العالم الأولى" وهي الحاضرة لتحويل النظام العالمي إلى ما يشبه الفوضى الشاملة إذا كف هذا العالم عن أن يكون بقرة حلوبا لها يزودها بمئات المليارات من الدولارات التي تصرفها على رفاهة شعبها، ثم تتصدق بفتاتها على هذه الدولة أو تلك، شريطة ألا تخرج عن خط الطاعة وأصول الجماعة التي رسمتها جماعة المحافظين الجدد. وذلك لا يعني أننا مسلوبو الإرادة أمام القضاء والقدر الأميركي، لأن الكثير من الخطايا ارتكبت من خلال سلطاتنا الفاسدة وتوظيف الثروات المالية العربية والإسلامية في المصارف الأميركية وعدم تحريكها استثماريا في البلدان العربية التي تعاني من الفقر والبطالة. كما أن الأنظمة التي تصادر شعوبها وتعتبرها جزءا من إرثها العائلي وخصوصا تلك التي تحكمها عوائل معينة والتي يولد فيها الولد وفي فمه ملعقة من ذهب تساهم في تعميق الأزمة.

إن ثمة مشكلة تنموية تنطلق من عدم تنمية الأموال الشرعية من زكاة وخمس في المشروعات الخيرية والإنتاجية والاقتصادية بما يعود بالخير على الفئات المحرومة والمستضعفة والفقيرة بشكل أساسي وبالتالي على الدورة الاقتصادية العامة للبلد أو الأمة.

إن عملية النمو في أي بلد إنما تسير قدما من خلال الوفاق الداخلي وتحسس الجميع لمسئولياتهم في حركة البناء العام للبلد. ولذلك ندعو اللبنانيين إلى الحفاظ على وحدتهم وتماسكهم على رغم كل المآسي والآلام التي أصابت واقعهم، لأننا نلحظ حركة أميركية متصاعدة لإفشال وإبطال عمليات الوفاق الداخلي قد تلتقي بأكثر من حركة فوضوية وعبثية داخلية... ونعتبر أن كل الذين يسلكون طريق الانقسام ويمهدون الطريق أكثر للانشقاق في المجتمع يجرمون مرتين: الأولى في استجابتهم المباشرة أو غير المباشرة للعدو الخارجي، والثانية في تنكرهم للأسس البديهية التي لا يستطيع الوطن أن ينهض من مشكلاته وأزماته إلا من خلالها

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 959 - الخميس 21 أبريل 2005م الموافق 12 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً