"على رغم أن هنتنغتون لا يرى أن الإسلام هو أحد التحديات الأساسية التي أدت إلى تراجع شعور الأميركيين بهويتهم الوطنية، فإنه يرى أن العداء للإسلام والحضارة الإسلامية قد يساعد بشكل كبير في تحقيق التفاف الأميركيين المنشود حول هويتهم الوطنية في المستقبل".
علاء بيومي
سأحاول سرد بعض ما احتواه الكتاب الأخير للمفكر الأميركي صمويل هنتنغتون "من نحن؟"، والذي يحتوي على ما هو استكمال منطقي لصدام الحضارات، فبعد أن عززت فكرة الصدام دلالات انهيار برجي التجارة في الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، وحربي أفغانستان والعراق، تكون المعركة بين الحضارات بدأت فعلا؟
يقول هنتنغتون: "الإسلاميون المسلحون، المتدينون منهم والعلمانيون، يرون أميركا وشعبها ودينها وحضارتها أعداء للإسلام، والخيار الوحيد للأميركيين هو أن ينظروا لهؤلاء الإسلاميين المسلحين بأسلوب متشابه". ويضيف "إن الإسلاميين المسلحين يختلفون عن السوفيات في أنه لا توجد دولة واحدة تضمهم كما أنهم لا يسعون لتقديم بديل سياسي واقتصادي عالمي للغرب كما فعل السوفيات، وذلك لأن هدفهم الأساسي هو تدمير الغرب".
ثم يبدأ هنتنغتون في توسيع تعريفه للعدو الإسلامي أكثر فأكثر، فيقول "إن المسلمين دخلوا في العقود الأخيرة حروبا طالت البروتستانت والكاثوليك ومسلمين آخرين وهندوسا ويهودا وبوذيين وصينيين، وإن المسلمين حاربوا في كوسوفا والبوسنة والشيشان وكشمير وفلسطين والفلبين، وإن مشاعرهم السلبية تجاه أميركا زادت في التسعينات بفظاعة".
المتحد الجديد
المتحد المجتمعي الجديد للمجتمع الأميركي يعتمد على صناعة مؤثر خارجي يلعب دور المتحد الجديد بعد نهاية الاتحاد السوفياتي، فالنظريات الاجتماعية لهنتنغتون كانت تركز على أن كل مجتمع من المجتمعات له متحد مجتمعي خاص، وكلما تعقد المجتمع تعقد المتحد الخاص به، لذلك يرى هنتنغتون عمليا ان المتحد الجديد هو مؤثرات خارجية بحتة، لا علاقة لها بالداخل الأميركي، هو الكراهية لذلك الغازي الجديد المدني للولايات المتحدة الأميركية.
اللغة الإسبانية، المكسيكيون، الهويات الجديدة للنخب الأميركية الناتجة عن عولمة المنتج الاميركي، ووسائل الاتصال الحديثة والتي جعلت من الأميركيين الجدد عاجزين عن الانفكاك عن هوياتهم الأولى المؤسسة، ما أدى إلى صعوبة اندماجهم في الهوية الاميركية القائمة والجاهزة.
يأتي محور العداء للإسلام كأهم المحاور التي يتطرق لها هنتنغتون، فالمسلمون يتدخلون في كل صراعات العالم، تجدهم في كل زاوية وبلد، وليست المسألة الفلسطينية سوى مسمار جحا بالنسبة لهم، فهم أطراف في أكثر الصراعات الكونية اليوم، بل أنهم لا يستطيعون الهدوء داخل كهوفهم المغلقة على أقل تقدير، فمشاكلهم وأسلحتهم إن لم تقتل ذلك البعيد والمختلف، قتلت الآخر في المنظومة الإسلامية ذاتها.
العداء لأميركا من قبل المسلمين قدر أميركي، والعداء لأميركا - كما يعتقد هنتنغتون - هو نتيجة إسلامية عربية غير رياضية، بمعنى أنها ليست خاضعة للتبرير العقلي، فهي نتاج قلق توسعي إسلامي، وهي بالتحديد صورة الضعيف الذي ينكر على القوي قوته، لذلك على الأميركيين أن يحاولوا تفهم الأمر بوضوح، وهي كما يعتقد هنتنغتون كراهية المسلمين لأميركا. ولا تقتصر هذه الكراهية على الإسلاميين، بل هي تشمل الليبراليين واليسار العربي والإسلامي. فليس الخطاب اليساري العربي أخف وطأة أو كراهية لأميركا.
يحاول هنتنغتون أن يرفع ثوب الخجل عن الولايات المتحدة عن إبداء مواقف أكثر تطرفا تجاه المسلمين، وكأنه يستذكر مقولة أحد رؤساء الولايات المتحدة الأميركية، جيمي كارتر إذ قال: "علينا أن نتوقف عن لوم أنفسنا، كوننا الأقوى". وهو بذلك يدعو صراحة إلى تحديد دقيق لمتحد أجتماعي يتفق عليه الأميركيون في بدايات الألفية الثالثة، وهو العداء للإسلام والمسلمين.
أية بحوث وأي بديل؟
يرى هنتنغتون أن المسلمين لا يمتلكون بديلا عالميا جديدا، وليست لهم حاضنة سياسية واحدة يمكن للولايات المتحدة التفاوض أو الحوار معها، كما كان الأمر مع السوفيات، فالمسلمون مقسمون في بلدان متعددة، بعضها تمثل مناطق مهمة وحساسة للاستراتيجيات الأميركية، والبعض الآخر لا أهمية له. كما انهم مختلفون في الكثير من الرموز، واختلافاتهم أكثر من إتفافاتهم، بل أنهم في بوتقتهم الدينية والأيديولوجية منقسمون، لكنهم يتفقون على أمر واحد، وهو كراهية الآخر "خلاف المسلم"، ثقافتهم ومنتجهم الحضاري وليد الزمكان الإسلامي، ولا شأن لهم بالعالم إلا غزاة مدمرين للحضارات، لذلك تجدهم لا يمتلكون بديلا عالميا للبشرية، ولا تنتج مراكزهم البحثية أيما إشارات مهمة أو فاعلة في هذا الصدد، لذلك فهم مثال صناعة الكراهية لمجرد الكراهية، والرفض لمجرد الرفض، والاعتداء لمجرد الاعتداء. وما يجهله هنتنغتون، هو أن هذه الشعوب الإسلامية، شعوب مخدوعة، هذه الشعوب التي يدعو هنتنغتون إلى معاداتها وكراهيتها، شعوب مخدوعة مرتين، مخدوعة بمشروعات البناء والتطوير والتقدم، مخدوعة حين سلمت نفسها سنوات الاستقلال إلى من تطوعوا لبنائها، فكان الغدر ما جنته وعرفته منهم، ومخدوعة حين تفهمت المكيدة، وأردفتها بثورات، تبدأ جميلة وتنتهي بما هو أكثر وجعا ورجعية.
المدينة الأميركية الفاضلة كذبة يروجها هنتنغتون، فالولايات المتحدة اخطبوط مصالح واستراتيجيات، لا مؤسسة إعمار إنساني. لا يفهم مخططو مؤسساتها السياسية مقولات آبائهم المؤسسين إلا داخل حدود الوطن، أما الآخر، فهو بئر نفط، أو سوق إستهلاكية تستنزف حتى تجف أو تموت.
الشعوب الإسلامية مخدوعة حد الضعف، حتى عن الإحساس باللوم بأنها ضعيفة، موهومة بالتطور والحضارة، مريضة بداء العظمة والنصر القادم. هذه الشعوب لم تنتج الإسلاميين المسلحين في كل بقاع الأرض يقطعون الرؤوس، ويقتلون ويختطفون الأطفال في المدارس، إنما انتجتهم مؤامرات السياسة الدولية والسلطة العربية المريضة، انتجتهم مكاتبكم القديمة في سفارة الولايات المتحدة في القاهرة، حين حصدتم الملايين لدعم بن لادن ورفاقه في حربهم ضد السوفيات. لتكن حرب الولايات المتحدة ضد ما شاركت في صنعه، ضد من ساعدوها في صنع عقدتها، أما المسلمون فهم براء من الخدعتين. الشعوب الإسلامية، تبكي على حالها، لا تمتلك أمام ما أنتجته أميركا من أسلحة دمار وتصفية حولا ولا قوة، لذلك هي كالجاثم على ركبتيه، شعوب تاريخها الماضي مشوه، وتاريخها اليوم جامد متوقف عديم الحراك، لا يلتقط أنفاسه إلا بدافع الموت، إن كان يستطيع الموت أصلا.
* كاتب بحريني
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 958 - الأربعاء 20 أبريل 2005م الموافق 11 ربيع الاول 1426هـ