العدد 955 - الأحد 17 أبريل 2005م الموافق 08 ربيع الاول 1426هـ

عشر سنوات على عمر اتفاق شينغن... متى تظهر شينغن عربية؟

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

اخترت السفر مع زميل كويتي بالسيارة من ألمانيا إلى بلجيكا إذ لبينا دعوة من مفوضية الاتحاد الأوروبي للمشاركة في ندوة سياسية عن العلاقات العربية الأوروبية. لم يكن الزميل الجديد قد غادر ألمانيا برا لزيارة واحدة من الدول الأوروبية التابعة لاتفاق شينغن. وجدتها فرصة كي أطلعه على أهمية المشوار برا كفرصة للتمتع بتجربة تؤكد أن عملية التوحيد التي تشهدها أوروبا ليست مجرد حديث صحف ومناورات سياسية يستغلها رجال السياسة بل انها موجودة على الأرض. حين وصلت مسكن الزميل القادم حديثا من الكويت لأقله معي بدا لي أنه استعد جيدا وأعد حقيبته وراح يدقق بجواز السفر وسألني أكثر من مرة هل أنت متأكد أنني لا أحتاج إلى تأشيرة لدخول الأراضي البلجيكية فأجبته: طالما معك تأشيرة لألمانيا فأنت لا تحتاج لتأشيرة جديدة... نحن في أراضي منطقة شينغن.

بعد مسافة مئة كلم كان زميلي الكويتي على موعد مع العصر الجديد في أوروبا. حين تجاوزنا مدينة آخن آخر مدينة ألمانية على الحدود مع هولندا وبلجيكا وهي بالمناسبة مدينة حصل على أرضها أول تقارب بين العرب والفرنجة حين أرسل الخليفة هارون الرشيد رسولا إلى القيصر الألماني كارل الأكبر عارضا عليه اتفاق تعاون وسلام. وليس مصادفة أن جمعية الصداقة العربية الألمانية التي كان يرأسها السياسي الألماني الراحل يورجين موليمان تأسست في هذه المدينة التي فيها أيضا جامع "بلال" الذي يشير إلى وجود جالية إسلامية معتبرة في مدينة آخن والمناطق المحيطة بها.

لم نجد أحدا يستوقفنا حين بلغنا نقطة الحدود التي تشير إليها يافطة تحمل علم الاتحاد الأوروبي الأزرق اللون والذي تتوسطه 15 نجمة. في الغضون أصبح عددها 25 نجمة صفراء اللون تشير إلى عدد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. الحركة الوحيدة في المكان الذي فيه مبنى قديم هجره رجال الحدود والجمارك محل صغير لاستبدال النقود. بعد البدء بتداول العملة الأوروبية الموحدة الـ "يورو" اضطر صاحبه لهجرته أيضا. لم يختلف الأمر حين بلغنا بعد مسافة أمتار نقطة الحدود البلجيكية ودخلنا أراضيها كدخول الفاتحين لكن بصمت يعبر عن الدهشة والحسد. لم نجد أحدا في النقطة البلجيكية... تابعت السير بهدوء عملا بأمر يافطة تشير إلى ذلك بمختلف اللغات الأوروبية ثم زدت السرعة باتجاه بروكسل. لماذا لا تتحقق شينغن على أرض العرب إذ عذاب المواطنين يبدأ من النقاط الحدودية. حكايات لا تحصى تلك التي سمعتها من عرب يقيمون في ألمانيا كانوا حتى اندلاع حرب البوسنة والهرسك يتوجهون بقوافل من السيارات إلى بلادهم وكانوا يلقون العذاب مجرد بلوغهم أول بلد عربي بعد أن حصلوا على تسهيلات حتى خلال مرورهم بأراضي دول كانت محسوبة على المعسكر الاشتراكي المنحل. إلى اليوم يقيم المرء في الدول العربية من خلال البوابة. والمقصود هنا أولئك الأشخاص الذين يرتدون الزي العسكري في أرض المطارات وفي نقاط الحدود البرية والبحرية ويعكسون الواقع العربي من خلال تصرفاتهم مع الوافدين.

إن كان التدقيق بجوازات السفر أو تفتيش الأمتعة أو الحاجة لتأشيرة دخول فهذه مجتمعة لم تعد ضرورة منذ عشر سنوات بين 12 دولة تابعة للاتحاد الأوروبي. وهكذا فإن الجيل الجديد في أوروبا يعيش تجربة الوحدة الأوروبية بأوضح معانيها ومفاهيمها. إذ إن اتفاق شينغن الذي ينص على إزالة الحواجز الحدودية بين البلدان الموقعة وعدم فرض قيود تذكر على تنقل المواطنين من دول الاتحاد الأوروبي بما فيهم الأجانب الذين يقيمون بصورة دائمة أو يحملون تأشيرة شينغن التي لا تخولهم فقط بزيارة دولة واحدة وإنما الدول الموقعة كافة على هذا الاتفاق الذي يجري منذ شهر مارس/ آذار الماضي تخليده وتداول الآراء بشأن نتائج هذه التجربة الفريدة من نوعها في العالم. وكانت ألمانيا، بلجيكا، الدنمارك، فنلندا، السويد، فرنسا، اليونان، إيطاليا، إسبانيا، لوكسمبورغ، وهولندا بتوقيع معاهدة تسمح لمواطني الدول الموقعة والمقيمين فيها من الأجانب بحرية التنقل منها وإليها من دون قيد أو شرط. وحملت هذه المعاهدة اسم شينغن نسبة إلى البلدة الصغيرة في دوقية لوكسمبورغ التي تم فيها التوقيع على هذا الاتفاق التاريخي. وكانت هذه معاهدة شينغن 2 إذ تم في العام 1985 التوقيع لأول مرة على اتفاق شينغن الأول الذي انضمت إليه ألمانيا وفرنسا ومجموعة الدول المنخفضة الأربعة: هولندا، بلجيكا ولوكسمبورغ التي قضت بالعمل بسياسة أمنية مشتركة وإزالة حواجز ومظاهر الحدود بينها بصورة تدريجية. وقعت النرويج وآيسلندا على شينغن 2 على رغم عدم انتمائهما للاتحاد الأوروبي كما تعتزم الدول العشر الجديدة إضافة إلى سويسرا الانضمام في القريب لاتفاق شينغن بينما تتمسك بريطانيا بموقفها المعروف والرافض لشينغن وكذلك إيرلندا.

لا يتردد سكان بلدة شينغن الصغيرة التي غرست فيها بذرة أوروبا العصرية الحديثة وبدأت تنمو على أرض الواقع، في اظهار سعادتهم كون هذا الاتفاق يخلد اسم بلدتهم التي كانت مسرحا لواحد من أهم الأحداث التي عرفتها أوروبا في تاريخها الحديث. ولم يكن التوصل لاتفاق شينغن مجرد مصادفة إذ كان هدفا للسياسيين الأوروبيين وخصوصا الألمان منذ أن تأسست المجموعة الأوروبية في الخمسينيات ووضعت بين ابرز أهدافها تحقيق وحدة أوروبا لتغدو الولايات المتحدة الأوروبية.

المسافرون بين دول شينغن من المواطنين الأوروبيين لا يحتاجون إلى التنقل بين أراضي 12 دولة سوى للهوية الشخصية بينما يتعين على المسافرين الأجانب حمل جوازات السفر التي تتضمن تأشيرة شينغن.

غير أن هناك جانبا غير مفرح في هذه العملية. ذلك أنه منذ البداية كان الأمن مصدر قلق كبير لحكومات البلدان الموقعة على الاتفاق. ذلك أن إزالة الحدود سيوفر لعصابات الجريمة المنظمة فرصة سهلة للتنقل وتوسيع نشاطاتهم داخل بلدان الاتحاد الأوروبي. في صيف العام 2000 حين جرت بطولة كأس الأمم الأوروبية في لعبة كرة القدم اضطرت السلطات الأمنية في ألمانيا وهولندا وبلجيكا إلى خرق معاهدة شينغن وأقامت حواجز على حدودها لمنع وصول مثيري الشغب في الملاعب. لكن سرعان ما انتهى العمل بهذا الإجراء غير أنه استمر العمل بدوريات سيارة على هذه الحدود. في هذا السياق أقامت الدول الموقعة على الاتفاق فيما بينها تعاونا في تبادل المعلومات وهذا ما يشير إليه فولكر أملر من قسم مراقبة الحدود في مدينة فرانكفورت الواقعة على نهر أودر والمتاخمة لبولندا الذي قال: لدينا نظام كمبيوتر يحتوي على معلومات خاصة بالمجرمين المطلوبين وعلى أسماء الأشخاص الذين لا يسمح لهم بعبور الحدود الأوروبية ولا الخروج منها. وفي حال زاد عدد دول شينغن 2 إلى 25 دولة سيحتوي نظام الكمبيوتر الأمني الأوروبي على معلومات أكبر. كما أن المفوضية الأوروبية اقترحت إنشاء نظام إلكتروني خاص بتأشيرات الدخول يحتوي على معلومات متعلقة بالمسافرين منها وعليها إلا أن هذا الاقتراح لم يحصل على تأييد جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. بينما الحكومات تبحث عن وسيلة لحماية أمنها من العنصر السلبي في هذه العملية إلا أن المواطن الأوروبي العادي والمسافر القادم من الخارج يرى في حرية التنقل تقدما كبيرا على صعيد الحريات الشخصية كما جعل هذا الإجراء ساعات الانتظار الطويلة على النقاط والمعابر الحدودية وتفحص الأوراق الثبوتية وتفتيش الحقائب والإجابة على أسئلة موظفي الجمارك وحرس الحدود أكثر من ذكرى قديمة يشار إليها فقط في كتب التاريخ. "عقبال" ما تحقق لاثني عشرة دولة أوروبية أن يتحقق على أرض العرب

العدد 955 - الأحد 17 أبريل 2005م الموافق 08 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً